منذ 80 عامًا كان أحد أوائل المعلمين السعوديين من الذين قدموا إلى منطقة عسير لافتتاح مدارس نظامية، يُحدث نفسه في الطريق بين مكة وأبها ومنها إلى رجال ألمع، بما يشبه الأحلام صعبة التحقق في أذهان الناس وقتها، فعلى الرغم من أنه وصل إلى أبها راكبًا سيارة قديمة استغرقت رحلتها من مكة المكرمة إلى أبها عبر طرق ترابية وعرة المسالك خمسة أيام ـ تقطعها اليوم السيارة في 6 ساعات ـ إلا أنه اضطر لركوب الدواب من أبها إلى رجال ألمع لعدم وجود طرق للسيارات في ذلك الحين.الأحلام البسيطة التي كانت تراود المعلم والمؤرخ محمد عمر رفيع، وهو متجه إلى قرية “رجال” لافتتاح أول مدرسة حكومية في رجال ألمع عام 1360 هـ، لم تتعد أمنية وجود طريق واحد معبد أو على الأقل شق طريق للسيارات يربط أبها ببقية أجزاء منطقة عسير.ويصف رفيع رحلته تلك في كتابه “في ربوع عسير” قائلاً: شددنا رواحلنا قاصدين رجال، وكانت حرکتنا حوالي الساعة السادسة ـ بالتوقيت الغروبي ـ أي قبل الظهر بقليل، ومراكبنا الحمير، سرنا في طريق جبلي نهبط تارة و نعلو أخرى، حتی شارفنا قرية البدلة بعد ساعتين تقريبا،وهي قرية على مسيل شعب شهدنا فيه غديرا مملوءًا بالماء، تركنا البدلة ولا زلنا في ارتفاع مستمر إلى أن وصلنا قرية صغيرة تسمى (غاوه)، وفي الساعة العاشرة بعد العصر وصلنا قرية السودة “.ويصف رفيع خطورة السير بالأقدام أو على الحمير والجمال في عقبة الصماء وقتها قائلاً: “استأنفنا السير مشاةً، لأن الطريق في أول العقبة بل وفي كثير من أقسامها لولبي ضيق، شديد الانحدار يسير المرء فيه على حافة لا يعدو عرضها نصف الذراع سيراً مريعا يكاد يصل درجة الخطورة.. ظللنا نتابع السير مشاة ونحن على حالة من الهلع خشية السقوط والانزلاق، إلى أن وصلنا نهاية العقبة في حوالي ساعتين ونصف من الزمن”.كانت هذه الحالة في بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه)، ولكن خلال 8 عقود من الإنجاز والتنمية تغيرت الحال تماما وأصبحت الطرق المعبدة تربط جميع محافظات منطقة عسير، ووصلت إلى أعلى قمم الجبال وعلى ارتفاعات تصل إلى 3000 م عن سطح البحر، وتشير إحصاءات وزارة النقل إلى أن عسير تنعم حاليا بأكثر من 6000 كيلومتر من الطرق منها 5127 معبدة منها 21 عقبة و10001.6 كلم ترابية منها 186 عقبة.ونظرا لطبيعة المنطقة الجبلية كانت الأنفاق خيارا مهما لاختصار المسافات واستقامة الطرق حيث تحوي منطقة عسير 40 نفقًا يصل طول بعضها إلى 800 متر. ولم تتوقف عجلة فتح الطرق يومًا منذ ذلك الحين، حيث يجري حاليا تنفيذ 39 مشروعًا تشمل معظم محافظات المنطقة بأطوال تصل إلى أكثر من 741 كلم وبتكلفة تزيد على 3 مليارات ريال.وتعمل وزارة النقل على مبادرة تحسين تكلفة دورة حياة الطرق وتحسين الأداء، من خلال تطوير متطلبات وأوصاف التصميم والتنفيذ والصيانة والتشغيل للطرق لرفع كفاءة الأداء وترشيد التكلفة (10-15%)، الأمر الذي يعزز من فاعلية التخطيط المالي وكفاءة الإنفاق الحكومي.
مشاركة :