جاءت زيارة وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إلى بروكسل، في 16 سبتمبر الجاري، ولقائه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبيرغ، في إطار استكمال العراق و«الناتو» وثيقة الترتيبات التكميلية الخاصة بعمل بعثة الحلف في العراق، أو بشكل أدق الإطار الإجرائي المرحلي لعملية انتقال القيادة في التحالف الدولي للحرب على «داعش» في العراق، بناءً على رغبة الإدارة الأميركية، التي تم الإعلان عنها مطلع العام الجاري، كحل وسط لمعالجة إشكالية الفراغ المحتمل في ظل اتجاه واشنطن نحو تقليص وجودها العسكري في العراق، سواء في سياق تخفيض عدد قواتها بالشرق الأوسط، أو كمخرج للضغوط التي تتعرض لها مع الحكومة العراقية الحالية من جانب القوى السياسية المحلية، خصوصاً المقربة من طهران. من حيث التوقيت، فإن مسار الترتيبات الخاصة ببعثة «الناتو» في العراق، يأتى بعد أقل من شهر على زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى واشنطن، وانعقاد الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والتي خلصت إلى التأكيد على طابع العلاقات الاستراتيجية في ما يتعلق بالترتيبات الخاصة بالملفات الأمنية والدفاعية، التي تحتل مرتبة متقدمة في سلم أولويات تلك العلاقات، وذلك على الرغم من الاتفاق على تقليص عدد القوات الأميركية الموجودة في العراق (5500 جندي)، إلى ما دون نصف هذا العدد تقريباً في غضون الفترة المقبلة، وقبيل الانتخابات الأميركية المرتقبة. وتتشارك الولايات المتحدة الأميركية والحكومة العراقية، بحسب تقديرات صادرة عن دوائر صنع القرار في البلدين، المخاوف من إحياء تنظيم «داعش» الإرهابي لشبكاته في العراق مجدداً، خصوصاً أن تلك التقديرات تؤكد بالفعل وجود مؤشرات على أن التنظيم لاتزال لديه الفاعلية، والقدرة على نسج تلك الشبكات وتهديد الوضع في العراق بشكل لا يقل عن ما كان عليه في السابق، وهو ما كان الدافع الرئيس لتشكيل التحالف الدولي، وهي الجزئية التي تطرح التساؤل الخاص بطبيعة المهام التي تتم الإشارة إليها، سواء من جانب «الناتو» أو الولايات المتحدة الأميركية بخصوص العدد المتبقي لقواتها في العراق، والذي يرجح أن يكون في حدود 2000 جندي، حيث إن بيان «الناتو» الصادر للتعليق على زيارة وزير الخارجية العراقي، وكذلك بيان الخارجية العراقية، يحمل إشارات تتعلق بالجوانب اللوجستية الخاصة بعمليات التدريب، والدعم لعمليات مكافحة الإرهاب إلى جانب الجزء الخاص بالعلاقات المدنية العسكرية. كذلك، فإن واشنطن هى الأخرى تشير إلى الأهداف نفسها، فقد كرر السفير الأميركي لدى بغداد، ماثيو تولر، نهاية الأسبوع الفائت، التصريحات الأميركية التي تصب في الاتجاه نفسه، وهو أن هدف الوجود الأميركي هو مكافحة تنظيم «داعش»، وأن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تقليص وجودها العسكري، لكن السفير الأميركي ركز في تصريحاته على «قتال داعش» أكثر من الإشارة إلى الجانب اللوجستي. متغير تكتيكي من المتصور أن تغير علم القيادة الأميركية للتحالف واستبداله بعلم «الناتو»، هو متغير تكتيكي أكثر من كونه متغيراً استراتيجياً، فهو يحقق أهدافاًَ أميركية في المقام الأول، منها تحفيض عدد القوات الأميركية مقابل زيادة عدد القوات التابعة لـ«الناتو». وهذا الأسبوع، تم الإعلان عن رفع مستوى المشاركة الأوروبية، وهو ما يحقق الرغبة الأميركية في تقاسم أعباء مكافحة الإرهاب في كل من العراق وسورية، كما أنه يسهم في إجراء تغيير بطبيعة القوات من الطابع القتالي إلى الطابع اللوجستي الخاص بعمليات مكافحة الإرهاب، وهو متغير شكلي أكثر من كونه متغيراً نوعياً، فتجارب مشاركة «الناتو» في عمليات المكافحة في العراق، خلال الفترة الماضية، لم تقتصر على هذا الجانب، كما لا يمكن التفرقة بوضوح بين قيادة «الناتو» والقيادة الأميركية، ففي الأخير تظل الولايات المتحدة الأميركية هى القوة الرئيسة في قيادة «الناتو»، وبالتالي لا يمكن القطع بأن هناك تغيراً في طبيعة المهام بشكل فارق عن ما كانت عليه في السابق. لكن يبقى الدافع الرئيس لهذا المتغير، هو الحد من الصدام الأميركي – الإيراني المسلح في العراق، بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في مطلع العام الجاري، والذي شكل تحولاً نوعياً في مسار التصادم على الجانبين، تبعه الصدام السياسي الخاص بمواصلة واشنطن استراتيجية الضغوط القصوى على إيران فى ملف العقوبات والتسليح. فعلى الرغم من عدم القدرة على تمديد قرار حظر التسليح في مجلس الأمن، فإن واشنطن تعمل على تبني آليات أخرى للاستمرار في النهج ذاته، وهو ما لا ينفصل عن تفعيل آلية «سناب باك»، في 20 سبتمبر الجاري. أهداف جانبية من الواضح أن هناك توافقاً بين الإدارتين الأميركية والعراقية، في المرحلة الحالية. فعلى الأرجح، يدرك القادة العسكريون في العراق أن إنهاء الوجود العسكري الأميركي سينعكس على قدرة الدولة في التعامل مع التهديدات، وهناك تقديرات محلية تشير إلى أن هناك طلباً على بقاء القوات الأميركية في المستقبل، حيث إن تجربة برنامج التدريب العسكري الأميركي للقوات العراقية المستدام، على مدار العقدين الماضيين، تكشف عن صعوبة غياب الدور العسكرى الأميركي ميدانياً، عن الساحة التي تشهد دوماً متغيرات في دورة التهديدات الأمنية المستمرة. فضلاً عن ذلك، فإن عدداً من شركاء حلف «الناتو»، كانت لديهم تحفظات على بعض العمليات الأميركية في العراق، خصوصاً عملية اغتيال سليماني، في ضوء رد فعل الميليشيات العراقية الموالية لإيران على تلك الضربة، باستهداف قواعد وقوات التحالف، وقد كشفت تقارير غربية أن كندا وبعض الدول الأوروبية أبدت رغبة في تقليص دورها بالمشاركة في عمليات «الناتو» بالعراق بسبب الانفراد الأميركي بالقرار في تلك العمليات التي ترتد تداعياتها على الجميع، وبالتالى فإن عملية تدوير القيادة داخل التحالف تحت راية «الناتو»، ربما تعالج مثل تلك الإشكاليات. آليات جديدة على الأرجح، فإن تقليص الوجود العسكري الأميركي على مستوى حجم القوة، سيُعوَّض ببدائل أخرى، لتحقيق الأهداف العسكرية المطلوبة في إطار الحرب على الإرهاب، فهناك اتجاه لزيادة القدرات النوعية في عمليات مكافحة الإرهاب، ومنها الطائرات من دون طيار (الدرونز)، على سبيل المثال، في العراق، وهو ما أشارت إليه تقديرات أميركية وأوروبية عدة، للتعامل مع النمط الجديد الأقرب إلى حرب العصابات في أفغانستان، حيث اتجه تنظيم «داعش» إلى اتخاذ المناطق الجبلية والوعرة ملاذاً له في العراق، على نحو سيخفف الضغط، أيضاً، على القوات العراقية، وقوات التحالف الموجودة، والتي تعرضت في الأشهر الأخيرة لهجمات، كان أبرزها زرع العبوات الناسفة على الطرق. كذلك، فإن وجود مستشارين عسكريين متخصصين في القواعد الخاصة بالتحالف، والقواعد التي كانت تشغلها القوات الأميركية والتي سيتم تسليمها للقوات العراقية، سيسمح بتحقيق نموذج «القيادة من الخلف» بشكل مرن. أزمات متعددة يعتقد أن واشنطن واجهت، العام الجاري في العراق، أزمات متعددة، ورغم أن هناك رغبة في تقليص الوجود الأميركي بشكل عام، فإن ذلك يفرض إشكالية أخرى، خاصة بتمدد طهران التي تناصبها العداء من جهة، وإتاحة هامش كبير لعودة «داعش» من جهة أخرى، وبالتالى فإن تحويل دفة القيادة إلى «الناتو»، يمثل حلاً عملياً للتعامل مع معظم تلك الإشكاليات، لكنه فى الوقت ذاته قد يتحول إلى إشكالية جديدة، إذا كان الهدف الفعلي منه هو إجراء تغيير تكتيكي في الطابع العملياتي. مسار الترتيبات الخاصة ببعثة «الناتو» في العراق، يأتى بعد أقل من شهر على زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى واشنطن، وانعقاد الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والتي خلصت إلى التأكيد على طابع العلاقات الاستراتيجية، في ما يتعلق بالترتيبات الخاصة بالملفات الأمنية والدفاعية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :