شكل إعلان «جبهة النصرة»، وهي فرع تنظيم القاعدة في سوريا، إطلاق عملية عسكرية «لمنع تمدد الذراع الأميركية في الشمال السوري»، أخطر تطور على الأزمة السورية منذ اندلاعها في عام 2011، نظرا لأن التنظيم يمثل ثقلا عسكريا في الشمال السوري بين فصائل المعارضة السورية، فضلا عن أن الإعلان يهدد بتوسيع رقعة المعركة مع حلفاء إضافيين للشعب السوري. وجاء إعلان «جبهة النصرة» ضمن شريط فيديو بثه التنظيم في الإنترنت، أمس، يؤكد فيه قيامها هذا الأسبوع بخطف مقاتلين سوريين مدربين ضمن البرنامج الأميركي للمعارضة المعتدلة، متهمة إياهم «بالتعاون مع الغرب». وتضاربت المعلومات حول أسباب الهجوم، وسط مؤشرات على أنه «استكمال لخطة النصرة لإقصاء المعتدلين من مناطق نفوذها»، كما قال معارضون سوريون، فيما جاء التأكيد على لسان «النصرة»، بأنه موجه مباشرة إلى حلفاء واشنطن في شمال سوريا. غير أن أهداف هذه العملية تختلف عن أسباب العمليات التي أدت في السابق إلى إقصاء «جبهة ثوار سوريا» التي كان يتزعمها جمال معروف، وحركة «حزم» التي كانت مدعومة أميركيًا. ويشرح المعارض السوري عبد الرحمن الحاج الأمر بقوله إن العمليتين مختلفتان، ذلك أن «الهجوم على (حزم) وقوات معروف كان مرتبطا بتوجهات إقليمية معينة، وبدا أن إخراجهم كان جزءا من اتفاق إقليمي مع قوى موجودة مع الأرض». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أما الآن فإن المعركة هي تحوّل جديد، ومواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة التي دربت قوات الفرقة 30 مشاة»، مشيرا إلى أن «وجهة نظر (النصرة) اليوم تفيد بأن المعركة ضد الفرقة 30 استباقية، نظرا لأن أميركا تصنف (النصرة) الموالية لتنظيم القاعدة على أنها إرهابية». وتصطدم تلك الرؤية مع ما يقوله معارضون سوريون حول العملية، إذ قال القيادي العسكري المعارض رامي الدالاتي إن أعضاء «الفرقة 30» قتلوا مقاتلين من «النصرة»، وهي الحادثة التي لم يذكرها أي من المعارضين قبل الدالاتي. وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»،إلى أن الفصائل العسكرية «تؤيد أي طرف يقاتل قوات نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد»، في إشارة إلى أن مقاتلي الفرقة 30 لا يحظون بتأييد من الفصائل العسكرية، نظرا لأن مهمتهم تقتصر على قتال «داعش». وكان 54 عنصرا من الفرقة 30 من الذين تلقوا تدريبات عسكرية في تركيا في إطار البرنامج الأميركي لتدريب المعارضة المعتدلة، اجتازوا قبل أكثر من أسبوعين الحدود إلى داخل سوريا بهدف التصدي لتنظيم داعش الذي يسيطر على نحو نصف مساحة الأراضي السورية. وخطفت جبهة النصرة ثمانية عناصر منهم مساء الأربعاء قرب مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان والفرقة نفسها. إلا أن وزارة الدفاع الأميركية نفت الأمر. وتنطوي عملية «النصرة» على مخاطرة كبيرة، لجهة استهداف أحد أبرز أصدقاء الشعب السوري. غير أن المعارضين ينظرون إلى الأمر من زاوية «استغلال النصرة لمواقف واشنطن الأخيرة حيال سوريا، وتحديدا تجاه رفضها المنطقة العازلة»، كما يقول القيادي المعارض في حلب أبو أحمد الحريتاني لـ«الشرق الأوسط»، مضيفا: «ثمة أقوال في الداخل السوري حول التقاعس الأميركي عن دعم الثورة، بالنظر إلى تصريحاتها المعارضة لإقامة منطقة عازلة». ويؤكد الحريتاني أن هجوم «النصرة» على الفرقة 30 «غير مبرر.. ذلك أننا لا نريد أن نزيد من الأعداء، ولا نريد أن يتحول من يمتلك موقفا متخبطا إلى عدو لنا»، لافتا إلى أن الجبهة «جيرت تلك المواقف لصالح أفكارها ومعتقداتها». وعن الغارات التي نفذتها طائرات التحالف لدعم فصائل مقربة من النصرة في معركتها ضد «داعش» قرب مارع في شمال سوريا، قال إن النصرة تعتبرها «غارات خجولة»، بينها «قامت بدعم الوحدات الكردية بشكل كبير وواضح». وردت الولايات المتحدة على هجوم «النصرة» باستهداف مقرات لها في شمال سوريا، مما أسفر عن مقتل 25 مقاتلا من التنظيم، كما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس. ويرسم التطور الأخير أسئلة حول إمكانية شن «النصرة» عمليات ضد مصالح أميركية خارج سوريا، على ضوء ارتباطها بتنظيم القاعدة المعادي لواشنطن، وهو ما استبعده المعارض السوري عبد الرحمن الحاج في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «زعيم (النصرة) أبو محمد الجولاني صرح في السابق بأن جبهته لن تستهدف الأميركيين، وأنها معنية بالقتال ضد العدو الموجود في سوريا»، فضلا عن أن التنظيم «معظم عناصره من السوريين، وغير قادر على توسيع رقعة عملياته إلى دول العالم كما (القاعدة) و(داعش)، ولا مؤشر على توسيعها في المدى المنظور». ويقول الحاج، وهو خبير في التنظيمات المتشددة، إن «(النصرة) بتقييمها لحالة الفرقة 30، صنفتها عدوانا أميركيا يستهدف (النصرة) داخل سوريا، وبالتالي الصراع يبقى داخل الحدود السورية». ويرى أن التنظيم، وفي إطار محاربة ما سماها الأذرع الأميركية «ينسجم مع تصنيفها كمنظمة إرهابية». وكشف الحاج أن الخطورة في عملية «النصرة» أنها كشفت عن أن التدريبات العسكرية الأميركية ضعيفة، بدليل «قدرة (النصرة) على الخطف، وهي ضربة قوية، وهذا يعني أن التدريب ضعيف ولا يمكن الاعتماد عليه في قتال (داعش)». وبث التنظيم أمس شريط فيديو من قناته في موقع التواصل «يوتيوب»، يظهر خمسة رجال يمشون في أحد الحقول خلف بعضهم ويضعون أيديهم فوق رؤوسهم، ويحيط بهم رجل مقنع وآخر مسلح. وقال أحد المختطفين المفترضين أمام الكاميرا إنه تم تجنيده من قبل الأميركيين عبر وسطاء كي يتم تدريبه خلال شهر ونصف الشهر في أحد معسكرات التدريب في تركيا. وأكد أن المتدربين تلقوا بندقية ومبلغا من المال كي يأتوا «لمحاربة (النصرة)» في سوريا. كما أكد رجل ملثم عرف عن نفسه بأنه أحد عناصر جبهة النصرة إن المجموعة المتشددة «قامت بقطع يد الغرب وأيدي الأميركان في بلاد الشام» باختطافها للمقاتلين. وأضاف أن «تعاونهم مع الغرب واضح»، مؤكدا أن المقاتلين ساعدوا طيران الائتلاف الدولي على ضرب مواقع للتنظيم.
مشاركة :