المساهمات المحددة وطنيا تعمل على بناء الثقة الدولية التي نحتاج إليها لمكافحة تغير المناخ، وبدلا من تأخير العمل على المساهمات المحددة وطنيا أثناء استمرار الجائحة، ينبغي للحكومات أن تنظر في كيفية استخدام هذه الأهداف للاستفادة من المساهمة الاقتصادية التي تقدمها الحلول القائمة على الطبيعة. مع إحكام جائحة كورونا 2019 (كوفيد-19) قبضتها على العالم، حَـوَّل صناع السياسات انتباههم إلى التحفيز الاقتصادي والدعم المالي للأسر والشركات، ونتيجة لهذا أرجأت العديد من الدول إعداد وتقديم أهدافها الجديدة لخفض الانبعاثات بموجب اتفاقية باريس للمناخ. كانت هذه الأهداف المحدثة، المعروفة أيضا بمسمى «المساهمات المحددة وطنيا»، مستحقة في الأصل في وقت سابق من هذا العام، قبل مؤتمر تغير المناخ COP26 في غلاسكو، أسكتلندا، الذي كان من المقرر أن ينعقد في شهر نوفمبر، لكن هذا المؤتمر أيضا تقرر إرجاء انعقاده. إن التحول من عقد القمم إلى التحفيز أمر مفهوم، ولكن لا ينبغي لنا أن نغفل عن الدور المهم الذي تؤديه المساهمات المحددة وطنيا في جهود التعافي الاقتصادي، حيث تعتبر المساهمات المحددة وطنيا بين أفضل الأدوات التي تستطيع الحكومات استخدامها لتوضيح رؤيتها للنمو الاقتصادي والتحول التكنولوجي في المستقبل، وكلا الأمرين متصل بوضوح بخلق فرص العمل، علاوة على ذلك، يوفر تحديد الأهداف فرصة ذهبية للبلدان لتحديد المشاريع الجاهزة للتنفيذ والأنشطة التي يمكن أن تحقق فوائد مناخية واقتصادية. تُـعَـد تشيلي مثالا جيدا هنا، فقد أعلنت الحكومة تعهدا مناخيا محدثا في أبريل، إلى جانب مشروع قانون جديد للمناخ معروض حاليا على الكونغرس الوطني، حيث تربط المساهمات المحددة وطنيا المحدثة العمل المناخي بالتنمية المستدامة وتحول الطاقة العادل، وفي جوهرها يكمن الالتزام بتحقيق هدف حياد الكربون بحلول عام 2050، ومن السهل أن نرى كيف يمكن أن تساعد استجابة الحكومة للجائحة في تحقيق هذا الهدف من خلال التعجيل بالتحولات الضرورية في قطاعي الطاقة والنقل. لكن مساهمات تشيلي المحددة وطنيا الجديدة تُـظـهِر أيضا جبهة أخرى حيث يمكن أن تتلقى خطط التعافي الاقتصادي التي تضعها البلدان دَفـعة كبيرة: الحلول القائمة على الطبيعة، وتوضح المساهمات المحددة وطنيا فهما للدور الذي يمكن أن تؤديه الطبيعة في تحقيق حيادية الكربون، فضلا عن التكيف مع التأثيرات المترتبة على تغير المناخ وإدراك أهمية إنشاء وصيانة مصارف طبيعية للكربون. بادئ ذي بدء، تربط خطة المناخ في تشيلي بين صحة المحيطات والمناخ، في حين تعترف بالقيمة الاقتصادية الكامنة في الأنظمة البيئية الساحلية، ولا نحتاج إلى النظر بعيدا بحثا عن مثال يوضح كيف تدعم الأنظمة البيئية البحرية الموفورة الصحة الاقتصادات المحلية، وفي المكسيك، في خليج كاليفورنيا وشبه جزيرة باخا كاليفورنيا فقط، تولد الأنظمة البيئية البحرية 518 مليون دولار من عائدات السياحة السنوية وتمثل ما لا يقل عن 3575 وظيفة مباشرة، وبالنظر إلى ساحل تشيلي الممتد، من المرجح أن تكون الاحتمالات أعلى كثيرا. ولا تخيب المساهمات المحددة وطنيا الرجاء في هذا الصدد: فهي تتضمن الالتزام بتحويل 25% من منطقتها الاقتصادية الخالصة إلى منطقة محمية، وإذا جرى تنفيذ هذا التعهد على النحو اللائق، فسيخلق فرصا اقتصادية جديدة للبلاد. كما تعزز المساهمات المحددة وطنيا الجديدة بشكل كبير التزامات تشيلي في ما يتعلق بالغابات، فقد ضاعفت الحكومة هدفها في ما يتصل بإدارة الغابات المستدامة واستعادتها من 100 ألف هكتار إلى 200 ألف هكتار بحلول عام 2030. على نحو مماثل، تعتزم تشيلي زراعة 200 ألف هكتار من الغابات الجديدة (ارتفاعا من 100 ألف هكتار)، منها 100 ألف هكتار على الأقل ستشمل الغطاء الحرجي الدائم، وما لا يقل عن 70 ألف هكتار ستكون من الأنواع المحلية. أخيرا، قالت تشيلي إنها تعتزم خفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهور الأراضي بنحو 25% بحلول عام 2030. والارتباط بالنمو الاقتصادي (وإن كان غير مدروس وغير مقدر على النحو الوافي) واضح هنا أيضا. إن ملاحقة هذه الأهداف من شأنه أن يمكن الحكومات من خلق مجموعة متنوعة من الوظائف، بما في ذلك خبراء الحراجة، وعلماء النبات، ومشغلي الآلات، والعمال، وتقدم عمليات استعادة المناظر الطبيعة فوائد إضافية. وقد وجدت دراسة أجراها معهد الموارد العالمية في عام 2016، أن إحياء الأراضي المتدهورة في أميركا اللاتينية من شأنه أن يحقق فوائد صافية بقيمة 23 مليار دولار أميركي على مدار 50 عاما، وفي المتوسط، يستطيع المزارعون الذين يستعيدون أراضيهم كسب 1140 دولارا إضافيا لكل هكتار في هيئة قيمة اقتصادية صافية. لنكن واضحين؛ لا يزال الطريق أمام تشيلي طويلا قبل أن يتسنى لها تحقيق الأهداف الواردة في تعهدها الأصلي بشأن المناخ، وعلى هذا فإن استجابة الحكومة لجائحة «كوفيد-19» كانت حتى الآن متنوعة مختلطة، ولم تُـظـهِر بعد أي التزام جاد بتعزيز العمل المناخي منذ إطلاق الخطة قبل عدة أشهر، ولكن في أقل تقدير، تعطينا مساهمات تشيلي المحددة وطنيا مثالا جيدا لما يمكن أن تكون عليه المساهمات المحددة وطنيا وكيف ينبغي لها أن تكون: فهي ليست وثيقة سياسية ملزمة قانونا، بل إشارة سياسية للوزارات، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص، ومؤسسات تمويل التنمية لتحديد وملاحقة الفرص لربط خطط المناخ الحكومية بالتعافي الاقتصادي. الواقع أن كلا من المساهمات المحددة وطنيا المحدثة تخلق زخما سياسيا أعظم وتعمل على بناء الثقة الدولية التي نحتاج إليها لمكافحة تغير المناخ، وبدلا من تأخير العمل على المساهمات المحددة وطنيا أثناء استمرار الجائحة، ينبغي للحكومات أن تنظر في كيفية استخدام هذه الأهداف للاستفادة من المساهمة الاقتصادية التي تقدمها الحلول القائمة على الطبيعة. باختصار، يستطيع العمل المناخي، المعبر عنه من خلال المساهمات المحددة وطنيا، أن يسير جنبا إلى جنب مع خطط التعافي الاقتصادي، فعندما تكون الطبيعة محمية، فإنها قادرة على تقديم الكثير في المقابل. *فرانشيسكا توندرو* المديرة الـقُـطرية لتشيلي وباراغواي وبوليفيا في منظمة الحفاظ على الطبيعة.
مشاركة :