يريفان- عاد التصعيد على الحدود الشمالية بين أرمينيا وأذربيجان بعد حوالي شهرين من جولة اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ولا أفق لإمكانية انحسار المواجهات هذه المرة في ظل التحريض التركي. وقرعت طبول الحرب بين باكو ويريفان بعدما اندلعت مواجهات عنيفة الأحد بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة ناغورني قره باغ أدت إلى سقوط عسكريين ومدنيين من الجانبين. وشنت أذربيجان حملة قصف على تجمعات سكنية مدنية في منطقة ناغورني قره باغ الانفصالية في مؤشر إلى أن الأزمة قابلة للتصعيد أكثر في وقت تصب فيه تركيا الزيت على النار بدعمها لباكو. ويأتي التصعيد الأذري بعد تقارير عن إرسال أنقرة لمئات المرتزقة من سوريا إلى المنطقة الحدودية المتنازع عليها. ولم تتورع تركيا عن الانخراط بشكل أوسع في زعزعة استقرار القوقاز بإرسالها للمرتزقة لدعم أذربيجان لتأجيج الوضع المتوتر بين هذا البلد وجارته في مغامرة غير محسوبة العواقب. وحثت تركيا أرمينيا على وقف ما وصفتها بالأعمال العدائية تجاه أذربيجان فورا لأنها "ستلقي بالمنطقة في النار". ولم يدخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهدا في التحريض على استمرار التصعيد الخطير بين الطرفين باعتباره أن أرمينيا أظهرت مرة أخرى أنها أكبر تهديد على السلام والأمان في المنطقة حسب وصفه. وقال أردوغان إن المجتمع الدولي لم يستطع إبداء الموقف اللازم حيال ما وصفه بالعدوان الاستفزازي لأرمينيا. وأورد أردوغان على تويتر "بينما أدعو شعب أرمينيا للتمسك بمستقبله في مواجهة قيادته التي تجره إلى كارثة وأولئك الذين يستخدمونها (القيادة) كدمى، ندعو أيضا العالم بأسره للوقوف مع أذربيجان في معركتها ضد الغزو والوحشية" مضيفا أن تركيا سوف "تواصل على الدوام" تضامنها مع باكو. من جهته أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار "العقبة الكبرى أمام السلام والاستقرار في القوقاز هي الموقف العدائي من جانب أرمينيا وعليها أن تكف فورا عن هذه العدائية التي ستلقي بالمنطقة في النار". وأضاف أن أنقرة ستدعم باكو "بكل ما لديها من موارد". اقرأ أيضا: بعد ليبيا.. تركيا ترسل مرتزقة سوريين لحرب أرمينيا وأذربيجان ويشي توالي تصريحات المسؤولين الأتراك بأن أنقرة التي أقحمت نفسها في الصراع بين الطرفين تستشعر بأن الفرصة سانحة لتوجيه ضربتها إلى عدوتها التاريخية أرمينيا. وفي مؤشر على إصرار أذربيجان على السير قدما في المواجهة أعلنت أن قواتها دخلت ست قرى خاضعة لسيطرة الأرمينيين. وفي خطاب متلّفز، تعهّد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالانتصار على القوات الأرمينية. وقال إن "قضيتنا عادلة وسننتصر"، مكررا اقتباسا شهيرا نقل عن خطاب الدكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية. وتابع علييف أنّ "الجيش الأذربيجاني يقاتل على أرضه". من جهته قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان "استعدوا للدفاع عن أرضنا المقدّسة" معلنا أن بلاده فعّلت الأحكام العرفية والتعبئة لمواجهة أذربيجان. ودعا باشينيان المجتمع الدولي إلى ضمان عدم قيام تركيا بإقحام نفسها في الصراع بين بلاده وأذربيجان بشأن إقليم ناجورنو قرة باغ، في تبادل للتصريحات اللاذعة مع أنقرة. وقال إن من شأن سلوك تركيا أن يكون له عواقب مدمرة على منطقة جنوب القوقاز والمناطق المحيطة. وأكدت وزارة الدفاع الأرمينية أن قواتها دمرت أربع طائرات هليكوبتر و15 طائرة مسيرة و10 دبابات لأذربيجان خلال الاشتباكات. وأضافت الوزارة في بيان "سيكون ردنا متناسبا والقيادة العسكرية السياسية في أذربيجان تتحمل المسؤولية الكاملة عن الموقف". ونقلت وكالات أنباء روسية عن وزارة الدفاع في أذربيجان قولها إنها شنت عملية عسكرية عند "خط الاتصال" وهي منطقة ملغومة بشدة وغير مأهولة تفصل بين القوات المدعومة من أرمينيا وقوات أذربيجان في المنطقة. وأدانت وزارة الخارجية الأرمينية ما وصفته بأنه "اعتداء القيادة العسكرية السياسية في أذربيجان" وقالت إن الجانب الأرميني سيرد ردا عسكريا وسياسيا متناسبا. ويدور الصراع حول منطقة ناغورني قره باغ وهي منطقة انفصالية في أذربيجان تدعمها أرمينيا وتشهد حربا منذ بداية التسعينات أدّت إلى مقتل 30 ألف شخص. ويقع إقليم ناجورنو – قرة باغ، وهو جيب جبلي داخل أذربيجان، تحت إدارة سكان منحدرين من أصل أرميني أعلنوا استقلاله خلال صراع بدأ مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991. وعلى الرغم من اتفاق لوقف إطلاق النار جرى إبرامه عام 1994، فإن أذربيجان وأرمينيا لا تزالان تتبادلان الاتهامات بشن هجمات في الإقليم وعلى الحدود بينهما. ويتابع المجتمع الدولي بقلق التصعيد بين أرمينيا وأذربيجان وسط مخاوف من انعكاساتها على منطقة القوقاز، في وقت عزز الإنخراط التركي في هذا التوتر الإقليمي المخاطر من اندلاع مواجهة عسكرية واسعة. وجاء الموقف التركي المساند لأذربيجان على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين الذي أدان ما وصفه بالاعتداء الأرمني على أذربيجان، وعبر عن تأييد أنقرة لباكو في ظل هذه الظروف. وكتب قالين عبر "تويتر" اليوم الأحد أنه "يدين بشدة هجوم أرمينيا على أذربيجان"، مضيفا أن "أرمينيا بهجومها على المناطق المدنية أخلت مرة أخرى بوقف إطلاق النار، وأظهرت وقوفها ضد الاستقرار والسلام". ومنذ اندلاع المواجهات الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا سارع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لإعلان الاصطفاف إلى جانب أذربيجان وتاكيد وقوفه معها ضد أي هجوم عسكري في تصريحات وصفها مراقبون على أنها ضوء أخضر للمساندة العسكرية. ويندرج دعم أنقرة لباكو حسب مراقبين في إطار حماية مصالح البلاد الطاقية وحماية خط باكو-تركيا النفطي وأنظمة أنابيب الغاز، إلا أن العداء التاريخي بين الأتراك والأرمن أهم أسباب الدعم لباكو المناوئة لأرمينيا. وتعود جذور الخلافات بين تركيا وأرمينيا إلى قضية إبادة الأرمن خلال الحقبة العثمانية، حيث ترفض أنقرة الاعتراف بوجود جرائم حرب ارتكبها العثمانيون وكان ضحيتها الأرمن. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :