اندلعت مواجهات عنيفة جديدة بين الجيشين الأرمني والأذربيجاني في إقليم ناغورني قره باغ أدت إلى سقوط قتلى وإصابات في صفوف العسكريين والمدنيين من الجانبين، بينما اتهم كل طرف الآخر ببدء الأعمال العدائية. بدت باكو ويريفان على وشك الانخراط في حرب، بعدما اندلعت مواجهات عنيفة، أمس، بين الجيش الأذربيجاني والأرمني في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها، أدت إلى سقوط عسكريين ومدنيين من الجانبين. وزادت أسوأ اشتباكات منذ عام 2016 احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين البلدين، اللذين انخرطا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على ناغورني قره باغ. ومن شأن اندلاع مواجهة من هذا النوع بين البلدين الجارين في القوقاز، واللذين كانا ضمن الاتحاد السوفياتي أن يدفع القوتين الإقليميتين روسيا وتركيا للتدخل. وتبادل طرفا النزاع الاتهامات بشن هجمات عبر "خط التماس" بينهما، وأعلن الجانبان فرض الأحكام العرفية. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع في أذربيجان آرتسرون هوفهانيسيان، إنّ قتالا عنيفا اندلع على طول جبهة ناغورني قره باغ، أمس. وأضاف هوفهانيسيان أن القوات الأرمنية انتهكت وقف النار، مشيراً إلى أن قوات بلاده أطلقت "عملية مضادة لكبح أنشطة القتال الأرمنية وضمان سلامة السكان باستخدام الدبابات والصواريخ المدفعية والطيران العسكري والطائرات المسيّرة". وأعلنت النيابة العامة في أذربيجان إصابة 14 مدنيا على الأقل جراء القصف المدفعي الأرمني، كما أكدت سقوط عدد لم يحدد من القتلى، إضافة إلى أضرار مادية لحقت بمنازل ومرافق عامة ووسائل للنقل العام، فضلا عن تعطيل محطة كهربائية. وأعلنت اذربيجان أنّ قواتها دخلت 7 قرى خاضعة لسيطرة الأرمنيين خلال المواجهات العنيفة، وهو ما نفته أرمينيا. كما صادق برلمان أذربيجان على فرض الأحكام العرفية في عدد من مدن ومناطق البلاد على خلفية تجدد الأعمال القتالية. يريفان في المقابل، أفادت وزارة الدفاع الأرمنية بأن قوات أذربيجان هاجمت مناطق مدنية في ناغورني قره باغ، بما في ذلك عاصمة الاقليم ستيباناكرت (خانكندي حسب تسميته الأذربيجانية)، في عملية أسفرت عن مقتل امرأة وطفل. وقال الناطق باسم الوزارة إن الجيش الأذربيجاني قصف مناطق حدودية بما فيها مدينة فاردينيس، مشيراً إلى أن قوات بلاده "أسقطت 4 مروحيات أذربيجانية و15 طائرة مسيّرة (درون) وقصفت 10 دبابات". وأعلنت "قوات جمهورية قره باغ" مقتل 16 من عناصرها، أمس، جراء الاشتباكات المسلحة مع الجانب الأذربيجاني. وأكد رئيس الإقليم أرايك هاروتيونيان، خلال جلسة طارئة للبرلمان في عاصمة ستيباناكرت، إن الإقليم فرض حال الطوارئ وأعلن الأحكام العرفية والتعبئة العسكرية العامة للذكور الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 18 عاما بمواجهة الجيش الأذربيجاني. ووردت أنباء عن تدمير العديد من المنازل في بعض القرى ووقوع قتلى وإصابات في صفوف المدنيين. كما قال هاروتيونيان: "لدينا معلومات تفيد بأنه تم إرسال مرتزقة من تركيا ودول أخرى جوا إلى أذربيجان. الجيش التركي في حالة استعداد في أذربيجان تحت ذريعة التدريبات العسكرية". وأفادت تقارير إعلامية بأن "تركيا بدأت نقل مئات المرتزقة السوريين إلى حليفتها أذربيجان، إلى جانب إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع باكو، وتهيئة الأرضية لتأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك قرب الحدود مع أرمينيا". علييف وفي خطاب متلّفز للأمة، تعهّد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالانتصار على القوات الأرمنية. وقال في إن "قضيتنا عادلة وسننتصر"، مكررا اقتباسا شهيرا نقل عن خطاب الدكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية. وتابع علييف أنّ "القوات المسلحة الوطنية تشن عملية ناجحة لرد هجوم القوات الأرمنية على خطوط التماس في إقليم قره باغ، أسفرت عن تكبيد العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، إلى جانب تحرير عدد من البلدات". وتابع علييف أنّ "الجيش الأذربيجاني يقاتل على أرضه. قره باغ أذربيجانية". باشينيان وفي تبادل للتصريحات اللاذعة مع أنقرة، دعا رئيس الوزراء الأرمني، نيكولا باشينيان المجتمع الدولي إلى ضمان عدم قيام تركيا بإقحام نفسها في الصراع بين بلاده وأذربيجان. وفي كلمة مسجّلة ألقاها أمس، حذر باشينيان من أن التصعيد يهدّد الأمن الدولي، داعيا "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمجتمع الدولي إلى التركيز على خطورة الوضع. وقال: "أصبحنا على وشك حرب واسعة النطاق في جنوب القوقاز، ما يهدد بعواقب غير قابلة للتنبؤ. قد تخرج الحرب عن حدود المنطقة وتمتد إلى نظام أوسع. أدعو المجتمع الدولي إلى استخدام جميع آليات الضغط ومنع أي تدخل تركي في النزاع". واتهم رئيس الوزراء الأرمني أذربيجان بأنّ "النظام السلطوّي في اذربيجان أعلن مجددا الحرب على الشعب الأرمني"، وذكر أن القوات الأذربيجانية تتكبد خسائر خلال علمياتها الهجومية في المنطقة، مشيرا إلى أنه بإمكان يريفان إجبار باكو على وقف القتال وإحلال السلام. وحذر من أن أذربيجان قد تواصل هجومها إلى عمق الأراضي الأرمنية، مؤكدا أن حكومة يريفان قررت في هذا السياق فرض الحكم العرفي وإعلان التعبئة العامة. ووجهت تركيا، الحليفة لأذربيجان، انتقادات حادة لأرمينيا. إردوغان وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر "تويتر": "سيدعم الشعب التركي أشقاءنا في أذربيجان بكل الوسائل كما عهدنا"، منتقداً المجتمع الدولي لعدم "رده بما يكفي، وكما يجب" على ما وصفه بـ"العدوان" من جانب أرمينيا. وأكد أنه أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الأذربيجاني إلهام علييف، مرحباً بـ"موقفه الحكيم والحازم". وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اعتبر أن "أكبر تهديد للسلام والاستقرار في القوقاز هو العدوان الذي تقوده أرمينيا، وعليها أن توقف هذا العدوان الذي يهدد بإشعال النار في المنطقة". الى ذلك، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع نظيره الأذربيجاني جيحون بيراموف، في اتصال هاتفي، تفاقم النزاع. وأعرب لافروف عن قلق موسكو العميق إزاء "عمليات القصف المتواصلة بطول خطوط التماس، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا، بما في ذلك في صفوف المدنيين". وكانت وزارة الخارجية الروسية ذكرت سابقا أن لافروف تحدث مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، مشددا على "ضرورة وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن". بدوره، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إنّ "الأعمال العسكرية يجب أن تتوقف في شكل عاجل لمنع المزيد من التصعيد"، ودعا "لعودة فورية للمفاوضات دون شروط مسبّقة". طهران ودعت إيران أمس، جارتيها أذربيجان وأرمينيا، إلى ضبط النفس، مبدية استعدادها للمساعدة في بدء محادثات بينهما. وأفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده بأن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتابع من كثب وبقلق الاشتباكات العسكرية بين جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا، وتدعو الطرفين إلى ضبط النفس، وتدعو إلى الوقف الفوري للاشتباكات وبدء الحوار بين البلدين". وأكد في بيان "استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاستخدام جميع إمكاناتها، بهدف وقف إطلاق النار، وبدء المحادثات بين الجانبين". وترتبط إيران بعلاقات جيدة مع الجارتين اللتين تتشارك وإياهما حدوداً طويلة في شمالها الغربي. وتضم إيران نحو 10 ملايين شخص من الناطقين بالأذربيجانية، ونحو 100 ألف نسمة من الأرمن. وأفادت وسائل إعلام إيرانية بسقوط قذيفة هاون في منطقة زراعية في قرية خلف بيغلو بمنطقة خدا آفرين في إقليم أذربيجان الشرقي المتاخم لدولتي أذربيجان وأرمينيا شمال غربي إيران. وأوضحت أن القذيفة لم تنفجر ولم يسفر الحادث عن وقوع أي خسائر بشرية أو مادية.
مشاركة :