هل يستيقظ العالم من كارثة الوباء على كابوس أزمة مالية جديدة؟

  • 9/28/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعاني الاقتصاد العالمي من حالة ركود غير مسبوقة بفعل ضربة وباء "كوفيد-19" التي أثرت على الطلب الاستهلاكي والاستثماري. لكن الأزمة التي بدأت في شكل كارثة صحية وتحولت سريعاً إلى ضربة اقتصادية تاريخية، قد تواصل التطور لتتحول لأزمة مالية عالمية جديدة. أزمة مالية قادمة؟ - يثير الركود الاقتصادي العالمي وتبعاته مخاوف بشأن حدوث أزمة مالية، سواء بسبب التدابير التي اتخذتها بالفعل الحكومات والبنوك المركزية للتخفيف من تداعيات "كورونا"، أو جراء توقف المساعدات الإضافية للأسر والقطاعات الأكثر تضرراً. - تختلف الأزمة الاقتصادية عن المالية في أنه بينما تهتم الأولى بتراجع الناتج المحلي وتسارع البطالة وغيرها من المؤشرات الكلية، فإن الثانية تختص بالتراجع الحاد في قيمة الأصول المالية وتسارع حالات التعثر عن سداد الديون. - يخشى محللون من أن حزم التحفيز الضخمة والتي تجاوزت 11 تريليون دولار من الحكومات، بالإضافة إلى إجراءات البنوك المركزية رفعت بقوة حجم الديون وجعلت أسواق الأسهم ربما لتكون مبالغا في قيمتها. - تكمن الأزمة في أن اتجاه البنوك المركزية في مرحلة ما لتقليص وتيرة السياسة النقدية التيسيرية قد يشكل خطراً على النظام المالي ويدفع العالم إلى أزمة جديدة. - يرى "دويتشه بنك" أن التاريخ يذكرنا بأن الأزمات المالية حدثت عادة بسبب التحول من التيسير النقدي إلى التشديد، ورغم أنه قد يفصلنا عن حدوث ذلك عدة سنوات فإن الخطر قد يفاجئ الجميع في وقت أقرب من المتوقع. - لكن على الجانب الآخر، يبدو أي اتجاه لوقف المساعدات الحكومية للأسر والشركات حالياً أمراً يهدد أيضاً بإثارة أزمات مالية وسط استمرار أثر الوباء على الدخل والطلب. - طالبت رئيسة البنك المركزي الأوروبي "كرستين لاجارد" الحكومات في منطقة اليورو باستمرار الدعم المالي وربط أي نية لتقليص وتيرته بتعافي الاقتصاد، محذرة من مغبة خفض الدعم المقدم على الاقتصاد والشركات والأسر. - كما ألح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" في مناسبات مختلفة مؤخراً على ضرورة قيام الكونجرس والإدارة الأمريكية بتقديم مساعدات إضافية لدعم الاقتصاد ومنع أي آثار سلبية محتملة على البنوك والأسر والشركات. - حذر "باول" من أن عدم قدرة الكونجرس على تقديم مساعدات جديدة للأسر– بعد انتهاء أثر الحزمة الأولى في يوليو الماضي - قد يؤدي إلى ظهور موجة من التعثر عن سداد ديون الرهن العقاري وإخلاء السكان من منازلهم. - تظهر الاستطلاعات بالفعل تشديداً ملحوظاً لمعايير المصارف للإقراض، ما يعني أن حدوث أزمة ائتمانية يبدو أمراً مرجحاً مع قلق البنوك من ارتفاع حالات التعثر عن سداد الديون والخوف من التطورات المستقبلية. - أظهر مسح حديث شاركت فيه 162 مؤسسة أعمال عالمية أن متوسط احتمالات حدوث أزمة مالية على مدار العامين المقبلين يبلغ 20%. - تسببت مخاوف حدوث أزمة مالية جديدة في خفض معنويات الأعمال أكثر مما تبرره البيانات الاقتصادية الفعلية الصادرة في الشهر الماضي. مناطق أكثر خطراً - حذر صندوق النقد الدولي مراراً من حالة الانفصال بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي قبل وبعد ظهور وباء "كورونا"، ما يهدد بحدوث أزمة مالية تتزامن مع الركود الاقتصادي الحالي. - شهدت مؤشرات الأسهم الأمريكية خسائر ملحوظة في شهر سبتمبر، ليتحول مؤشر "S&P 500" من أعلى مستوى في تاريخه إلى تراجع بلغت نسبته 7.8%، وسط تشكيك مستمر في مدى استدامة وصحة الصعود المسجل منذ ذروة الذعر حيال الوباء. - رغم الهبوط الذي اعتبره بعض المحللين عملية تصحيحية بعد الصعود القياسي المستمر، فإن مؤشر "S&P 500" لا يزال أعلى بنحو 47 % من القاع المسجل في شهر مارس بدعم برامج التحفيز التي ضخت تريليونات الدولارات في الأسواق. - إشارات الأزمة المالية المحتملة لم تقتصر على أسواق الأسهم فحسب، وإنما ظهرت في الخطى المتسارعة للاقتراض من جانب معظم الحكومات والشركات العالمية خاصة في الأسواق الناشئة. - أظهرت البيانات أن الأسواق الناشئة شهدت زيادة كبيرة في الديون الجديدة، حيث قامت بإصدار سندات بالعملات الأجنبية بقيمة 124 مليار دولار في أول ستة أشهر من العام الجاري، كان ثلثاها في الربع الثاني. - تثير منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل خاص مخاوف المتابعين من احتمالية حدوث أزمة مالية كبيرة، بفعل ارتفاع القروض المتعثرة وسط زيادة حالات الإعسار المالي للشركات. - تشير توقعات مؤسسة التمويل الدولية إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ مهددة بزيادة 30% في حالات إفلاس الشركات بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كورونا". - وفي الولايات المتحدة، حذر "إريك روزنغرين" رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في "بوسطن" أن الاقتصاد الأمريكي قد يشهد تسارعا لحالات إفلاس الشركات ومطالبات باستعادة الرهن العقاري غير المسدد، مع يجعل البنوك تحت ضغط كبير ويهدد بحدوث أزمة ائتمانية. - ترى "إسثير جورج" رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية "كانساس سيتي" أن الضغوط الواقعة على الأسر والشركات منذ مارس الماضي يمكن أن تخاطر بحدوث ضرر على النظام المالي، ما يهدد ربحية البنوك وقدرتها على استيعاب الخسائر. جهود واستعدادات للأسوأ - رغم القلق المتزايد، فإن هناك عاملين يخففان نسبياً من خطر حدوث أزمة مالية عالمية في الفترة القادمة. - تعهد البنوك المركزية الكبرى بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي وغيرهما باتخاذ ما يلزم من إجراءات لدعم الأسواق المالية خلال أزمة الوباء. - بالفعل قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدل الفائدة لنطاق يتراوح بين صفر و0.25% مع إقرار آليات للاقراض وشراء الأصول، وهو ما تكرر بالنسبة لبنكي إنجلترا والمركزي الأوروبي وغيرهما. - الأمر الثاني يتمثل في أن البنوك ليست مصدر الأزمة الاقتصادية الحالية، مثلما كان الوضع إبان عام 2008 مثلاً، كما أنها أكثر استعداداً للتعامل مع الوضع من خلال امتلاكها رؤوس أموال كافية، ما يجعل المصارف أكثر قوة في مواجهة الأزمة. - لكن يجب فهم أن الأزمات المالية لا تحدث دائماً بنفس الشكل أو التفاصيل التي شهدناها سابقاً، فالأزمة يمكن أن تحدث بطريقة غير مباشرة لكنها ستؤدي أيضاً إلى إنهاك الاقتصاد. - مصدر القلق الأبرز يتمثل في أنه حتى قبل ظهور وباء "كورونا" وتداعياته، فإن الكثير من المؤسسات كانت تعاني من ارتفاع تاريخي لمعدل الديون، ما يجعل القطاع المالي أكثر عرضة للمخاطر. - وبنهاية عام 2019، قفزت ديون الشركات غير المالية حول العالم لنحو 74 تريليون دولار، ما يعادل 92% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وبزيادة 70% عن مستوياتها المسجلة في 2007. - كما أن استمرار معاناة الشركات سواء عبر تراجع الطلب وبالتبعية الإيرادات الكلية أو حتى اضطرارها لإعلان إفلاسها، يجعل البنوك في مواجهة أزمة خسائر للائتمان. - رفع العديد من البنوك الأمريكية الكبرى مخصصات القروض المتعثرة وسط استمرار حالة عدم اليقين بشأن حجم الأموال غير المستردة جراء تداعيات الوباء على الشركات والأسر. - وصل إجمالي احتياطيات خسائر القروض لدى المصارف الأمريكية لنحو 242.7 مليار دولار في الربع الثاني من هذا العام، وهو ما يقارب كثيراً المستوى المسجل في الربع الأول من عام 2010 والبالغ 263.1 مليار دولار. - رغم تعهدات البنوك المركزية بفعل كل ما يلزم لدعم الأسواق والاقتصاد، لا يزال خطر حدوث أزمة مالية في شكل تباطؤ الائتمان أو التعثر عن سداد الديون أو انفجار فقاعات الأصول يمثل كابوسا محتملا للكثير من المتابعين.

مشاركة :