اعتبر مراقبون عسكريون أن تفجر العمليات الحربية بين أذربيجان وأرمينيا يعتبر فرصة “ثمينة” لتركيا لنقل توترها مع روسيا من منطقة الشرق الأوسط إلى القوقاز، إذ ورغم ما يظهرانه من اتفاقات هشة في سوريا حماية لمصالح كل منها، فلا يمكن تجاهل أنهما خصمان جيوسياسيان، ولكن سيكون على أنقرة حتما أن تأخذ في الاعتبار دور موسكو التي هيمنت على الشؤون السياسية والاقتصادية بين البحر الأسود وبحر قزوين على مدى قرنين من الزمن. لندن – يؤكد الموقف التركي من الحرب المندلعة بين أرمينيا وأذربيجان توقعات الكثير من المحللين من أن الصراع ستستغله أنقرة لصالحها من أجل نقل معاركها مع موسكو من منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا من سوريا، إلى القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية. وتظهر تصريحات السفير الأرميني لدى روسيا، فاردان تاغانيان بأن المسلحين الذين تم طردهم من سوريا من قبل تركيا يشاركون في الأعمال القتالية في منطقة قره باغ، كيف أن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يدخر جهدا حتى يقوم باستفزاز روسيا، في أي منطقة تتواجد فيها. في المقابل، سعى أردوغان كالعادة إلى تعويم الأزمة في القوقاز وطالب أرمينيا، خصمه التاريخي، بالانسحاب من مناطق سيطرت عليها في أذربيجان. وقال إنها باتت مضطرة إلى حل مشاكلها بنفسها شاءت أم أبت، ولكن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانبها بكل الإمكانيات. وبينما لم يتطرق الرئيس التركي بشكل مباشر لما إذا كانت بلاده تلعب دورا نشطا في الصراع في الوقت الحالي، كما تقول أرمينيا، بينما تنفي أذربيجان هذه المزاعم، لكن السفير الأرميني لدى موسكو قال لوكالة سبوتنيك إن هناك أربعة آلاف مرتزق قدموا من سوريا وتم تدريبهم في معسكرات المتشددين ونقلهم إلى أذربيجان. كما نفى تاغانيان أن تتقدم بلاده بطلب إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي للحصول على المساعدة العسكرية في قضية الاشتباكات المندلعة مع أذربيجان في منطقة قره باغ. ولذلك من الطبيعي أن تتبادر إلى الأذهان تساؤلات حول ردود الفعل التي قد تقوم بها روسيا بالنظر إلى التدخل التركي في هذا النزاع الجديد في القوقاز. اعتبارات عسكرية تعلم روسيا وتركيا أنهما تحتاجان إلى الاستعداد لأي تهديد من الجانب الآخر عبر بناء علاقات عسكرية إقليمية، ونتيجة لذلك تريد أنقرة فرض استراتيجيتها التي تمتد من سوريا إلى القوقاز، لكن يصعب تحقيق ذلك من الناحية السياسية نظرا إلى أنه يستبعد أن تسمح موسكو بعبور المعدات العسكرية التركية، وأحد الحلول لتجنب المشكلة تماما يتمثل في استخدام بحر قزوين بمثابة طريق عبور لنقل المرتزقة من سوريا إلى أذربيجان. أحداث تاريخية 1988 أعلنت قره باغ الانفصال عن أذربيجان 1992 بداية نزاع بين أرمينيا وأذربيجان 1994 فقدت أذربيجان السيطرة على 7 مناطق أخرى 2020 تجدد النزاع بين أذربيجان وأرمينيا ورغم أن هناك تناغما بين الأولويات العسكرية لكل من روسيا وتركيا في سوريا، إلا أن الجانبين يعيشان على وقع توتر منذ أشهر هناك، إذ تتمحور نقطة الخلاف الأساسية بينهما حول الطريق الدولي أم 4، الذي تريد موسكو تعجيل فتحه لبدء عملية تبادل تجاري، بالإضافة إلى سحب القوات التركية من جنوبه، وحصرها بحزام عمقه 35 كيلومترا. وبينما تريد أنقرة حسم مصير المناطق الداخلة ضمن تفاهم سوتشي، والتي توغل فيها النظام السوري أواخر العام الماضي ومطلع هذا العام، بوضعها تحت حماية قوى أمنية تشرف أنقرة وموسكو على إعدادها، بغية الحصول على مكاسب أكبر في محافظة إدلب، لكن روسيا تصر على تثبيت الوضع الراهن واستمرار سيطرة قوات النظام على تلك المناطق. ومع اهتمام الجانبين بالصراع الدائر في سوريا ويعمل كلاهما على تأمين طريق بديل لقواتهما العسكرية وخاصة القوات الروسية لحماية نظام بشار الأسد، فإن نقل المعركة إلى القوقاز يبدو منطقيا، وبالفعل فقد رصد مركز ستراتفور في السنوات الماضية تحركات مثيرة للاهتمام حول بحر قزوين وعبر جبال القوقاز. وبينما تريد أنقرة زيادة نشاطها السياسي في المنطقة من بوابة الدعم العسكري، ومن معاملاتها التجارية مع كل بلد من بلدان القوقاز التي تتحالف معها، فهي بالتأكيد ستواجه عوائق كبيرة على طول الطريق. ومن غير المحتمل أن تقوم روسيا بفك قبضتها على أرمينيا عن طريق السماح بدعم الأتراك لأذربيجان. ولئن كان الصراع الذي اندلع بين أرمينيا وأذربيجان خلال نهاية الأسبوع الماضي مع إعلان وزارة الدفاع في أذربيجان أنها شنت هجوما مضادا على طول خط التماس بأكمله في قره باغ وإعلان الجيش عن تدمير 12 منظومة مضادة للطائرات تابعة لسلاح الجو الأرميني، لا يعدو أن يكون نزاعا بين جارين، بيد أنه يحمل في طياته مصالح جيواستراتيجية مهمة لروسيا وتركيا. ونقلت وسائل إعلام عربية في يوليو الماضي، عن مصادر في مدينة عفرين السورية، التي تحتلها تركيا شمالي سوريا أن المخابرات التركية بدأت بتسجيل أسماء المرتزقة وخاصة مرتزقة الفصائل التركمانية لزجهم في أذربيجان لقتال الأرمن. ندوب قديمة صراع يحمل في طياته مصالح جيواستراتيجية مهمة لروسيا وتركيا صراع يحمل في طياته مصالح جيواستراتيجية مهمة لروسيا وتركيا تاريخيا، سبق وأن بدأ النزاع في قره باغ في فبراير عام 1988، عندما أعلنت مقاطعة قره باغ الحكم الذاتي وانفصالها عن جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية. وفي سياق المواجهة المسلحة التي جرت في الفترة بين 1992 و1994، فقدت أذربيجان سيطرتها على ناغورني قره باغ وسبع مناطق أخرى متاخمة لها. ومنذ العام 1992 كانت وما زالت قضية التسوية السلمية لهذا النزاع موضعا للمفاوضات التي تجري في إطار مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، برئاسة ثلاثة رؤساء مشاركين، وهي روسيا والولايات المتحدة وفرنسا. ولذلك ومع استعادة الحرب أنفاسها، فإن المجتمع الدولي يشعر بقلق بالغ من الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان بسبب خطر حدوث عدم استقرار في جنوب القوقاز، وهي منطقة تمر عبرها خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. ويأتي الانخراط التركي في التوتر الذي تعرفه المنطقة على وقع دعوات من قادة الدول الكبرى إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وعدم تدخل أي طرف كان في هذا النزاع. ويؤكد عارفون بخفايا تحركات دوائر صنع القرار في أنقرة أن المناورات العسكرية التركية الأذرية، التي جرت في أواخر يوليو الماضي شكلت تصعيدا خطيرا واستفزازا لأرمينيا، التي طلبت مساعدة قوى دولية وخاصة من روسيا، التي عرضت التوسط في حل النزاع، لمواجهة المحور التركي الأذري الذي يحشد على حدودها. ويذهب المحللون الأتراك الموالون لحزب العدالة والتنمية إلى تصوير دعم حكومتهم لأذربيجان ضد أرمينيا في إطار حماية مصالح البلاد الطاقية وحماية خط باكو – تركيا النفطي وأنظمة أنابيب الغاز، إلا أن العداء التاريخي بين الأتراك العثمانيين والأرمن أهم أسباب الدعم لباكو المناوئة لأرمينيا. وتعود جذور الخلافات “التاريخية” بين تركيا وأرمينيا إلى قضية إبادة الأرمن خلال الحقبة العثمانية، حيث ترفض أنقرة الاعتراف بوجود جرائم حرب ارتكبها العثمانيون وكان ضحيتها الأرمن، وهذا الأمر يراه معظم المحللين سببا وجيها بالنسبة لتركيا من أجل “رد الاعتبار” عبر بوابة دعم أذربيجان. وتصنف عشرون حكومة بينها حكومات فرنسا وألمانيا وروسيا رسميا قتل الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية على أنه إبادة جماعية. وقد دأبت تركيا على اتهام مَن يصف المجازر، التي ارتكبت بحق الأرمن في الحرب العالمية الأولى بأنها إبادة جماعية بالتآمر ضدها. وتتهم أنقرة الأرمن بأنهم عبر جماعات ضغط بمختلف دول العالم، يطلقون دعوات إلى “تجريم” تركيا، وتحميلها مسؤولية تعرض أرمن الأناضول لعملية “إبادة وتهجير” على يد الدولة العثمانية. ويزعم أردوغان أن الوثائق التاريخية تؤكد عدم تعمد حصول تلك الأحداث، بل على العكس، تمت معاقبة المتورطين في الانتهاكات عبر إعدامهم رغم عدم وضع الحرب أوزارها.
مشاركة :