استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على ارتفاع بنحو 1 في المائة، بينما كبحت مخاوف الانتشار السريع لوباء كورونا في أغلب دول العالم من المكاسب السعرية. ويواصل منتجو "أوبك+" جهودهم في تقييد المعروض النفطي ورفع مستويات الامتثال من خلال حث المنتجين المتعثرين على تصحيح المسار وإجراء التعويضات المطلوبة في خفض الإنتاج، بينما يتلقى النفط دعما آخر من انخفاض مستوى المخزونات النفطية وسط توقعات بارتفاع الطلب على وقود الطائرات في المرحلة المقبلة. وقال لـ"الاقتصادية" لوكاس برتريهر المحلل في شركة "أو إم في" النمساوية للنفط والغاز، إن هناك انفراجة تبدو في الأفق بشأن الطلب على وقود الطائرات، حيث تتجه شركات الطيران إلى استئناف الرحلات الطويلة، ما يعد خطوة إيجابية في تعافي السوق على الرغم من أن تأثير ذلك قد يظل محدودا في الطلب على وقود الطائرات بالكامل، معتبرا أن الأمر يمثل انفراجة في مواجهة حالة عدم اليقين التي طال أمدها بشأن وقود الطائرات، خاصة مع عودة انتشار جائحة كورونا في أوروبا. وذكر أن الوضع الضبابي يسيطر على الاقتصاد العالمي وهو ما يؤدي إلى اضطرابات الأسعار وغياب الأفق، حيث من غير المؤكد تماما معرفة إلى متى ستستمر هذه الفترة الصعبة في ظل تصاعد وتيرة أزمة الجائحة. وأشار إلى أن جهود المنتجين في "أوبك+" وجميع أطراف الصناعة تركز حاليا على الوصول إلى أفضل الآليات لحماية الصناعة في الفترة المقبلة، خاصة حماية القدرة التنافسية للصناعة والحفاظ على أكبر عدد ممكن من الوظائف. ويرى مختصون ومحللون نفطيون إن ارتفاع المطابقة الكلية لخفض الإنتاج في "أوبك+" في الشهر الأخير إلى 102 في المائة يعد مؤشرا على نجاح خطة عمل المنتجين، ويعكس إصرارهم القوي على تعويض الكميات المفرطة في الإنتاج بشكل كامل في أقرب وقت ممكن. وكانت "أوبك" قد توقعت في أحدث تقاريرها انكماش الطلب العالمي على النفط في 2020 بمقدار 9.5 مليون برميل يوميا، كما يتوقع ارتفاع المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل كبير فوق متوسط آخر خمسة أعوام في الربع الثالث من 2020. وأكد المختصون أهمية البيانات والتوقعات التي أطلقها أخيرا محمد باركيندو أمين عام "أوبك" والتي أوضح فيها أنه بالنسبة لعام 2021 من المتوقع أن تقف المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلى قليلا من متوسط آخر خمسة أعوام في الربع الأول من العام المقبل ثم تنخفض إلى ما دون متوسط خمسة أعوام خلال الفترة المتبقية من 2021. وقال روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن "أوبك+" تبذل جهودا حثيثة في الكفاح تحت تأثير الجائحة الواسع في السوق النفطية، التي فقدت التوازن على نحو غير مسبوق في تاريخ الصناعة، مشيرا إلى تأكيد "أوبك" أن مهمتها مستمرة، ولم تكتمل بعد من أجل إصلاح الفجوة والاختلالات بين العرض والطلب في السوق. وأوضح أن استقرار سوق النفط العالمية غائب، حيث يواجه تهديدات مستمرة جراء الجائحة التي تزايدت وتيرة الإصابات بها أخيرا وهو ما قاد بدوره إلى إلحاق أضرار واسعة بالطلب العالمي، خاصة في قطاع الطاقة الأمريكي، الذي تعرض قطاع كبير من المنتجين فيه إلى الإفلاس، كما تأثر قطاع خدمات حقول النفط العالمية وشركات الحفر البحرية سلبا في وقت تكافح فيه بشدة حاليا من أجل البقاء. من جانبه، أكد ألكسندر بوجل المستشار في شركة "جي بي سي إنرجي" الدولية، أن الاستثمارات الجديدة في الوقود الأحفوري ستظل الحاجة إليها مستمرة وملحة لتلبية احتياجات الطاقة، خاصة في الدول النامية، إذ يجري العمل حاليا على رفع الكفاءة وخفض الانبعاثات في إطار الجهود الدولية لخفض البصمة الكربونية لاستثمارات الطاقة التقليدية وتسريع الخطى في الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. ولفت إلى أهمية تأمين إمدادات الطاقة مستقبلا من خلال الاستمرار في الاستثمارات الجديدة لمنع حدث أزمة مستقبلية في العرض، خاصة في ضوء تقارير حديثة تشير إلى أن المستثمرين العالميين استبعدوا بالفعل 5.4 تريليون دولار من استثمارات الوقود الأحفوري بسبب التصميم الدولي على إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من أجل مواجهة تحديات تغير المناخ. بدورها، قالت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية إن بعض المستجدات والمخاطر الجيوسياسية تدعم تقليص وفرة المعروض وهو أحد أهداف "أوبك+" ومن أحدث الأمور في هذا الشأن توقعات بأن أكثر من 20 في المائة من إنتاج النفط والغاز في النرويج يواجه خطر الإغلاق بحلول نهاية الشهر الجاري إذا فشلت مفاوضات بشأن أجور العمالة مع ترجيحات بوقوع إضرابات واسعة. وأشارت إلى أن عمليات الإغلاق من المتوقع أن تؤدي إلى خسائر إنتاجية واسعة من الجرف القاري النرويجي بنحو 900 ألف برميل يوميا من النفط المكافئ أو نحو 22 في المائة من إجمالي الإنتاج اليومي من النفط والغاز والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي، مبينة أن صناعة النفط والغاز نفسها وبشكل عام في وضع مالي صعب للغاية بسبب الوباء العالمي، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط والغاز بشكل كبير حاليا، مقارنة بالعام الماضي. وفيما يخص الأسعار، ارتفع النفط 1 في المائة أمس مع صعود أسواق الأسهم العالمية بفعل آمال بحزمة تحفيزية أخرى في الولايات المتحدة، لكن تزايد الإصابات بفيروس كورونا يغذي مخاوف بشأن الطلب على الوقود ويكبح مكاسب العقود الآجلة للخام. وبحسب "رويترز"، أنهت عقود خام برنت القياسي العالمي لأقرب استحقاق جلسة التداول مرتفعة 51 سنتا، أو 1.22 في المائة، لتسجل عند التسوية 42.43 دولار للبرميل. وصعدت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 35 سنتا، أو 0.87 في المائة، لتبلغ عند التسوية 40.60 دولار للبرميل. ويمضي برنت على مسار الانخفاض لأول شهر في ستة أشهر، بينما يتجه خام غرب تكساس الوسيط صوب تكبد أول خسارة شهرية منذ نيسان (أبريل)، إذ تغلف ضبابية ناجمة عن إعادة فرض بعض الدول قيودا على الحركة آفاق تعافي الطلب على الوقود. وقال محللو "أيه. إن. زد" في مذكرة "أعداد الحالات الجديدة لكوفيد-19 تتسارع في ولايات أمريكية كبيرة، ما يجدد المخاوف من أن تشكل القيود على الحركة تحديا للتعافي الجاري للطلب على النفط في الربع الأخير". وفي الأسبوع الماضي، أضافت شركات الطاقة الأمريكية منصات حفر للنفط والغاز الطبيعي للأسبوع الثاني على التوالي بحسب بيكر هيوز. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 41.93 دولار للبرميل الجمعة الماضية مقابل 41.22 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب تراجع سابق، كما أن السلة خسرت نحو دولار واحد، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 42.98 دولار للبرميل.
مشاركة :