أربعة عقود من الدبلوماسية نسجت «شبكة أمان»

  • 9/30/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قضى أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، 40 عاماً في العمل الدبلوماسي وزيراً لخارجية بلاده، وواحداً من عمداء الدبلوماسية في العالم. وتمكن خلال هذه السنوات الطويلة من بناء منظومة حماية وشبكة أمان احتاجتها بلاده في أشدّ الأمتحانات التي تعرضت لها.في الثاني من أغسطس (آب) 1990 اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت، مخلفة أكبر زلزال هزّ العالم العربي وأدى لتغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، حين تعرضت الكويت إلى غزو عسكري أطاح النظام وابتلع الدولة برمتها.تولى الشيخ صباح الأحمد حقيبة الخارجية في 1963 بعد استقلال بلاده بسنتين. وكان أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة بعد قبول انضمامها في 14 مايو (أيار) 1963 وظلّ يقود الخارجية الكويتية طيلة 40 عاماً، صاغ خلالها منظومة العمل الدبلوماسي لبلد ثري وصغير يقع في مرمى الصراعات الدولية والإقليمية، وكان لزاماً أن ينتهج لنفسه شبكة حماية دولية تقوم على تعزيز العلاقات مع الدول الأكثر اقتراباً منه، كدول الخليج، وفي الوقت نفسه توثيق علاقات التعاون الدولية مع الدول الكبرى، من دون إغفال دور البلد كحلقة وصل وصانع للتوافقات في الصراعات العربية والإقليمية. ووظفت الكويت ثروتها المالية لكسب التأييد الدولي، وهو ما برز في امتحانها الصعب حين تعرضت للغزو من دولة جارة.وعانت الكويت من طموحات الأنظمة المتعددة في العراق. وخلال توليه وزارة الإعلام، لعب صباح الأحمد دوراً مهماً في التصدي لادعاءات الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم بتبعية الكويت للعراق، وبعد تعيينه في 1963 وزيراً للخارجية، كان همّ التصدي لمحاولات الهيمنة العراقية، الشاغل الأبرز لمهندس الدبلوماسية الكويتية. وفي ذروة الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات، انحازت الكويت إلى جانب العراق، لكنّ بغداد نست ذلك وحاولت ابتلاع الكويت.خلال الفترة القصيرة التي سبقت الغزو العراقي للكويت، حاولت الدبلوماسية الكويتية الزج بثقل الدول العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية، لوقف الجنوح العراقي نحو التصعيد. لكن مفاجأة الغزو، دفعت الكويت وخارجيتها إلى حشد تأييد دولي أسفر عن إرسال أكثر من 37 دولة قواتها إلى الأراضي السعودية بهدف تحرير الكويت. وبعد أيام من الاحتلال، تمكن الشيخ صباح الأحمد من استصدار قرار مجلس الأمن رقم 678 في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990، لاستخدام القوة لدحر الغزو العراقي للكويت.وعملت الدبلوماسية الكويتية كذلك على محاولة القضاء على ما كان يعرف بـ«دول الضد» التي تسوغ الاحتلال العراقي للكويت وبإعطائه مشروعية عربية أو إسلامية. - رابطة خاصة مع السعودية وتعتبر علاقات الكويت الخليجية هي مدماك أمنها القومي، وهنا تبرز مكانة خاصة للعلاقة مع المملكة العربية السعودية التي هبّت في 1990 لإدارة أكبر عملية عسكرية شهدتها المنطقة والشرق الأوسط، من أجل تحرير الكويت ودحر الاحتلال العراقي وإعادة الشرعية.كذلك سعت الكويت إلى علاقات متوازنة مع العراق الجديد، واستضافت في فبراير (شباط) 2018 مؤتمر إعمار العراق الذي اجتذب أكثر من 76 دولة وأكثر من 2100 شركة تمثل القطاع الخاص من مختلف دول العالم للمشاركة في خطط إعمار العراق، بعد دحر «تنظيم داعش» الإرهابي.وظلّت علاقات الكويت القائمة على حفظ التوازن الإقليمي ومنع التدخلات الأجنبية، وتقديم حزم المساعدات المتكررة للدول الأقل نمواً، وسيلة لإمداد البلاد بشبكة أمان دبلوماسي. - وسيط المنطقة وعلى الصعيد العربي، لعب صباح الأحمد دوراً محورياً، بحكم موقعه على رأس الدبلوماسية الكويتية، في حلّ الصراعات العربية، كما حدث في حرب اليمن سنة 1966، وكانت أول تجربة كويتية للقيام بدور الوسيط الدولي في منتصف الستينات من القرن الماضي، عندما توسط صباح الأحمد بين مصر والسعودية لحل الصراع، واستضافت الكويت وقتها اجتماعات بين الأطراف المصرية والسعودية واليمنية، ونجحت في جمع الأطراف المتحاربة في الشطر الشمالي من اليمن الذي كان منقسماً، لوضع حد للحرب الأهلية اليمنية في أغسطس 1966.وفي عام 1968، أسهمت الخارجية الكويتية تحت قيادة صباح الأحمد بجهود وساطة لحل قضية المزاعم الإيرانية فيما يخص البحرين، إذ نظّمت اجتماعات بين مندوبي البلدين في مقر الممثلية الكويتية في جنيف، نتج عنها اتفاق الطرفين على عرض القضية على الأمم المتحدة، وصولاً إلى استفتاء شعبي واستقلال البحرين في 1971. وفي عام 1969 بذل صباح الأحمد جهوداً للتوسط من أجل حل النزاع الحدودي بين العراق وإيران، حول السيادة على شط العرب، أسفر في عام 1975 عن توقيع اتفاقية الجزائر بين الشاه وصدام حسين.كما قاد وساطة لوقف القتال بين القوات الأردنية والفلسطينية في أحداث «أيلول الأسود» عام 1970، ثم ترأس اللجنة السداسية العربية لوقف الحرب الأهلية اللبنانية. وقام في سنة 1980 بوساطة ناجحة بين سلطنة عُمان وجمهورية اليمن الديمقراطية السابقة، لحل الخلافات بينهما.وفي عام 1971 سعى صباح الأحمد إلى حل النزاع بين باكستان وإقليم البنغال الذي كان جزءاً من باكستان قبل أن ينفصل عنها في بداية السبعينات من القرن الماضي، وأسفرت المساعي عن تطبيع العلاقات بين باكستان وبنغلاديش.مؤخراً، كانت الكويت استضافت مشاورات السلام اليمنية برعاية الأمم المتحدة في إطار المساعي الدولية لإنهاء هذه الأزمة في أبريل (نيسان) 2016 حتى تعليقها في أغسطس 2016، من دون التوصل إلى نتائج ملموسة. - الخلافات الخليجية على صعيد آخر، تلعب الكويت بقيادة الشيخ صباح الأحمد دوراً محورياً في الأزمة الراهنة بين دول المجلس، لكن اضطلاعها بدور الوسيط لم يمنع أو يحد من تنامي علاقاتها مع المملكة العربية السعودية التي لعبت الدور الأبرز في تحرير الكويت بعد الاحتلال العراقي في 1990.وتسعى الكويت إلى الوساطة لحلّ هذه الأزمة، بين دول الرباعية العربية (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) وبين قطر. وتصرّ «الرباعية» على التزام الدوحة بالمبادئ الستة التي أقرت عام 2013 ووضعت آلية تنفيذها عام 2014 مدخلاً لتسوية الأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو (حزيران) 2017 على خلفية اتهام قطر بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الأربع.وفي ظل هذه الأزمة، استضافت الكويت القمة الخليجية في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2017 ونجحت في ضمان انعقاد القمة من دون مقاطعة أي دولة خليجية، رغم أن الأزمة القطرية ألقت بثقلها على كاهل القمة الـ38 التي سجلت غياباً لأغلب قادة الخليج.

مشاركة :