بعد أن تقطعت السبل في شمال فرنسا، وجد مئات المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط أنفسهم أما خيارين أحلاهما مر؛ إما المغامرة بعبور بحر المانش الذي يفصل فرنسا عن بريطانيا، أو البقاء في مدينة كاليه الساحلية وضواحيها ومحاولة الاستقرار فيها. ويأتي ذلك وسط رفض شعبي في كلا البلدين لأعداد القادمين الكبيرة التي بدأت تؤثر سلباً على الحياة العامة في المدن المعنية. وفيما تمكن عدد من المغامرين من الوصول إلى سواحل بريطانيا من خلال التسلل والتخفي، قرر آخرون التخلي عن هذا الحلم، لأن تكلفته باهظة على ما يبدو. ومن أجل البقاء في فرنسا يتعين على القادمين الجدد الاندماج في المجتمع، وأول ما يواجه هؤلاء مشكلة التواصل مع الآخرين؛ فبالنسبة للقادمين من بلدان تعتبر اللغة الانجليزية لغتهم الثانية أو لغة دراستهم، فإن الأمر صعب ويحتاج إلى جهود مكثفة. نظرة سلبية تقول المعلمة الفرنسية جيني فلاو كنت أصادف هؤلاء الناس في كاليه، وأردت أن أقوم بشيء ما لأساعدهم. وعبرت المدرسة الفرنسية عن غضبها من السياسيين الذين يتناولون قضية اللاجئين بشكل غير صحيح، على الرغم من أن معظمهم لم يزر الأماكن التي يتجمعون فيها، وفقاً لتعبير جيني التي ترى أن السياسيين في فرنسا وبريطانيا لا يعرفون حقيقة المهاجرين الموجودين في كاليه، وأن لديهم نظرة سلبية إزاءهم. وتضيف المعلمة المتطوعة معظمهم أشخاص جيدون، إنهم يرحبون بالآخرين، ووديعون جداً، إنهم يريدون تطوير أنفسهم وجعل حياتهم أفضل، والتعليم هو جزء من العملية. يقول كمال (29 عاماً)، وهو لاجئ من منطقة دارفور في السودان، الفرنسية لغة صعبة جداً، لكن سأبذل قصارى جهدي. ويضيف المهندس السوداني الذي يرتاد مدرسة مؤقتة في ضواحي مدينة كاليه، إذا التزمنا بالدراسة ربما سنحقق أحلامنا هنا. من المفيد أن تظل عقولنا نشطة. وكمال من بين العشرات وربما المئات، الذين يعيشون في المعسكر المؤقت في الغابة القريبة من المدينة، وقد تقدم معظمهم بطلبات اللجوء. وفي انتظار قبولها، يعكف الشباب والفتيات على تعلم لغة بلد يأملون أن تصبح بلدهم الجديدة. وعبر المقيمون في الخيام عن غضبهم من تغطية وسائل الإعلام المحلية والعالمية، التي ركزت على عمليات التسلل إلى بريطانيا، متجاهلة الجوانب الأخرى من الأزمة وحياة الباقين في فرنسا. وفي ذلك يقول كمال أريد أن أقول للناس في بريطانيا الذين يعتقدون أن الجميع يريدون الوصول إلى المملكة المتحدة، إن هناك الكثير من المهاجرين يرغبون في البقاء في فرنسا. يُذكر أن فرنسا استقبلت حتى الآن نحو ربع مليون مهاجر، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، أي ضعف الموجودين في بريطانيا، على الرغم من أن عدد السكان متقارب في البلدين. وفي الوقت الذي ينتظر فيه طالبو اللجوء دراسة طلباتهم، لا توفر السلطات الفرنسية دعماً مالياً ولا تسمح لهم بالعمل؛ علماً بأن دراسة الطلبات قد تستغرق أشهراً طويلة. وفي غضون ذلك، يحصل المهاجرون على وجبة مجانية في مخيم الغابة، كل يوم، إضافة إلى وجود مسجد وخيمة للتسلية. ويفضل الكثيرون هناك التحلي بالصبر وانتظار قبول طلباتهم، ولا يهدمون مشروع بقائهم في فرنسا بالعمل بطريقة غير شرعية. وراودت مجموعة من الشباب الإفريقي المقيم في المخيم فكرة المدرسة، في وقت بدأ الملل يتغلغل إلى نفوسهم، بسبب الوضع الجديد. وفتحت المدرسة أبوابها في 11 يوليو. ويقول مؤسس المدرسة، زيماركو جونز، الذي جاء من نيجيريا قبل عامين، أطلقنا المدرسة لجمع الإخوة. ويضيف اللاجئ الذي ينتظر الرد على طلب اللجوء منذ عامين، الآن يتعين علينا إنشاء مدرسة أخرى، في إشارة إلى تزايد عدد المقبلين على تعلم اللغة الفرنسية، سعياً للاندماج والحصول على حق اللجوء. أما المدرسون فهم من المتطوعين الفرنسيين، الذين قرروا تعليق إجازاتهم الصيفية للالتزام بهذا العمل الاختياري. وقد تحمست جيني فلاو، (33 عاماً)، للتدريس في مخيم اللاجئين، بعد أن قرأت إعلاناً على موقع فيس بوك، في فبراير الماضي.
مشاركة :