لا تستغني أي دولة عن الدول الأخرى لتلبية احتياجاتها المختلفة من السلع والخدمات، بحيث أصبح التكامل الاقتصادي بين الدول من مبادئ التجارة العالمية والتجارة البينية بين دولتين أو أكثر. ولقد بنت الولايات المتحدة علاقاتها مع كل من ألمانيا واليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية على أسس اقتصادية متينة من خلال مشروع مارشال الذي أعاد بناء اقتصاديهما بطريقة تزيد من التكامل والتعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، وذلك انطلاقاً من الفلسفة القائمة على أن المصالح المشتركة تخدم السلام الذي بدوره يخدم النمو الاقتصادي، وبالتالي تنمو معه الاستثمارات المشتركة.واليوم تترابط مصالح الشعوب ودولها بشكل غير مسبوق ما يجعل هوية الشركات العابرة للأوطان تنتهج درجة عالية من الحساسية تجاه زبائنها والدول التي تنتمي لها من حيث الثقافة والدين والقيم والعادات والتقاليد، وهذا ما لمسته بعد قراءة متأنية للدعوى القضائية التي أقامتها شركة بيزون BZone ضد صحيفة جيلاند بوستن الدانماركية لإساءتها للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والإسلام والمسلمين لأن ذلك أثر في تعاملاتها التجارية مع العالم الإسلامي. تعد بيزون من الشركات الرائدة في سوق المستحضرات التجميلية النسائية، حيث تنتشر منتجاتها في أسواق العديد من الدول، ومنها 17 دولة عربية وإسلامية. ويحفل موقعها على شبكة الإنترنت بمعلومات متميزة لزبائنها حول العالم، فهي شركة متخصصة في البيع المباشر لمستحضرات التجميل والعناية الشخصية.وتعد الدانمارك من الدول الأوروبية التي تشكل عقود الإنتاج فيها حوالي 7 في المائة من جميع منتجات شركة بيزون التي تحرص على سمعتها الطيبة وحساسيتها الشديدة تجاه زبائنها من المسلمين المنتشرين حول العالم، لذلك استنكرت بيزون ما قامت به صحيفة جيلاند أوستن الدانماركية من نشر لصور مسيئة للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل قامت بتوكيل محاميها برفع دعوى قضائية ضد الجريدة. لقد انتظرت الشركة مبادرة الحكومة الدانماركية لتقديم اعتذار رسمي عما حدث من إساءة للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين حول العالم، لكن ذلك لم يحدث ما جعلها تتخذ الإجراءات المناسبة لحماية مصالحها، ومنها إيقاف جميع عقود الإنتاج والتوريد في الدانمارك. ولقد بادرت شركة بيزون BZone بإغلاق مكاتبها في الدانمارك وتعويض العاملين فيها.وقد تنتج عن المصالح الاقتصادية المشتركة بين الدول تحالفات أمنية وعسكرية لحمايتها من المخاطر والصراعات التي تهددها بأي شكل من الأشكال. وليس بالضرورة أن تتفق المبادئ السياسية عامة بين الدول، لكن نرى نسبة كبيرة من التطابق بين المصالح السياسية والمصالح الاقتصادية.وحصيلة هذه المصالح المشتركة أنها ستدفع جميع الأطراف نحو المزيد من التعاون التجاري والصناعي والثقافي والأمني والإستراتيجي لما فيه خير شعوب هذه الدول ورفاهيتها. وسنرى المزيد من التدفقات الاستثمارية بين هذه الدول والمملكة ما يزيد من ترابط المصالح التي تزيد من التفاهم بين الدول، ومضاعفة الجهود الدولية الداعمة للأمن والسلام العالميين.الخلاصة أن علاقات المملكة بالدول يجب أن تكون على أسس تخدم مصالحها بالشكل المطلوب، بل من المهم أن تكون في مقدمة أولوياتنا. كما أنه من الضرورة بمكان تجنب قرارات العاطفة التي تقلل من شأن مصالحنا.@dr_abdulwahhab
مشاركة :