بعد عمر امتد لما يربو على 80 عامًا ومسيرة من العمل السياسي والانساني جاوز النصف قرن، نفد أمر الله، ففي فجر يوم الثلاثاء 11 صفر 1442هـ الموافق 29 أكتوبر 2020 انتقل سمو الشيخ صباح الاحمد الصباح الى جوار ربه راضيًا مرضيًا بعد أن بذل كل جهده حتى أيام حياته الأخيرة في المساعي الخيرة. وأستعرض هنا مساعي الراحل في الجوانب الخيرية من خلال استعراض كتاب. «الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.. قائد إنساني» الصادر عن «كونا» بمناسبة تكريمه من قبل الأمم المتحدة في سبتمبر 2014 ومنحه لقب «قائد للعمل الإنساني» وتسمية الكويت «مركزًا للعمل الإنساني». كما أنه بموازاة ذلك، اختير صاحب السمو الأمير كذلك شخصية العالم العربي الإنسانية لعام 2014 من قبل الأسرة العربية نظير إسهاماته الكبيرة في المجال الإغاثي والإنساني، مؤكدة أن صاحب السمو الأمير أطلق مفهومًا دبلوماسيًا جديدًا جوهره «الدبلوماسية الإنسانية» التي تميزت بها الكويت، إضافة إلى ما أطلقه سموه من رؤى استشرافية تقوم على أساس الدبلوماسية الاقتصادية. يقول وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب في الكويت آنذاك الشيخ سلمان صباح السالم: «إن تكريم الأمم المتحدة لصاحب السمو الأمير هو تكريم لجميع الشعب الكويتي؛ لعطاءاته وقيمه الإنسانية ونصرته للمظلوم وحبه لأوجه الخير والمساعدة ودعمه التنمية ومكافحة الفقر والجهل والأمراض والكوارث، وهذا ما دفع العالم أجمع إلى أن يقف إلى جنب الكويت أيام الغزو العراقي في التسعينات». مبينًا أن كرم وعطاءات الكويت مجاني لأنه شعب يؤمن بالعطاء وأن الكرم لا يضيع معروفه عند الله. إن التمهيد للكتاب استعرض الدولة الفتية في العمل الخيري بدءًا من عام 1613، معرجًا على الأعمال الخيرية التي أسست بالكويت مثل إنشاء صناديق خيرية للمقيمين بصورة غير قانونية، مرورًا بالدعم الإنساني والسياسي للشعب السوري بتنظيم مؤتمرات المانحين وتوحيد جهود العمل الإغاثي للشعوب المنكوبة. «لا يغفل دور سمو الأمير في الالتفات لتكريم رواد العمل الخيري بالدولة اعترافًا بفضلهم، وإن أنشطة سموه والدولة جعلت الكويت في مقدمة الدول الريادية على الخريطة الإنسانية». توضحت مسيرة سمو الأمير صباح من خلال الفصول الـ4 التي احتواها الكتاب، وهي «سمو الأمير سيرة في مسيرة» و«وطن للإنسانية» و«الكويت والأزمة السورية» و«مساعدات الكويت للعراق». «معروف عن سمو الأمير -المولود عام 1928 في الكويت- أنه صاحب ابتسامة لا تفارقه»، ان هذه الابتسامة تعني في علم السياسة «ان الحياة تستحق المحاولة من أجل إسكات خلاف الرصاص والمدافع، والذهاب عوضًا عن ذلك الى طاولة الحوار والمفاوضات». واستعرض الكتاب الحياة السياسية العملية لسمو الأمير التي بدأت عام 1954 عندما عيّن عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا لتنظيم دوائر الحكومة ووضع خطط عملها، وتدرج في العمل الرسمي والوزاري الى أن تقلد منصب وزير الخارجية في يناير 1963 وامتدت فترة توليه حقيبة الخارجية الكويتية 4 عقود من الزمان، كما يُعد سموه من أوائل الأعضاء المؤسسين للمجلس الوزاري الذي واكب عمل مجلس التعاون الخليجي منذ نشأته في مايو 1981. وفي الفصل الثاني من الكتاب جاء الحديث عن الكويت كوطن للإنسانية مستعرضًا تجربتها الإقليمية منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي عندما تم إنشاء أول مؤسسة تنموية على مستوى الشرق الأوسط، ممثلة في «هيئة الجنوب والخليج العربي»، والتي قامت بجهود ملموسة في تلبية احتياجات التنمية التعليمية والصحية في منطقة الخليج العربي واليمن وصولاً إلى السودان. وتطرق الكتاب إلى إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في ديسمبر 1961 بعد أشهر قليلة من استقلال الكويت، ليكون أول مؤسسة للمساعدات الإنمائية في العالم العربي النامي آنذاك. وتناول الكتاب تاريخ وإنجازات الصندوق بلغة الأرقام مع إحصاءات بالتوزيع الجغرافي لقروض الصندوق الكويتي للتنمية لغاية عام 2014، حيث تنوعت أنشطة الصندوق بين المنح والمساعدات الفنية ودعم المؤسسات الإنمائية ومنح حكومية ومكافحة الأوبئة. أما الفصل الثالث فجاء مستعرضًا موقف الكويت من الأزمة السورية منذ بدايتها عام 2010 ولغاية الآن، «فلم تتوانَ الكويت عن تقديم الدعم للحد من محنة الشعب السوري، حيث كان لها موقف بارز في كل من مؤتمر أصدقاء سوريا ومؤتمر المانحين في يناير 2013 والذي افتتحه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح معلنًا عن تبرع الكويت بمبلغ 300 مليون دولار لدعم الوضع الإنساني للشعب السوري، وجاء المؤتمر بمشاركة 59 دولة و13 منظمة وهيئة ووكالة متخصصة». وقد أسفرت قيمة التعهدات التي أعلنت من قبل المشاركين عن جمع مبلغ 1.5 مليار دولار، ثم انطلقت أعمال المؤتمر الثاني للمانحين في يناير 2014 بمبادرة من سمو الأمير كذلك وأسفرت عن التعهد بتقديم دعم دولية بقيمة 2.4 مليار دولار، تبرعت منها الكويت بمبلغ 500 مليون دولار. ويختم الكتاب بالفصل الرابع بعنوان «مساعدات الكويت للعراق» إنسانية تسامت على كل الجراح، وفيه تم استعراض لبعض صور الدعم الذي قدمته الكويت منذ تولي الشيخ صباح الجابر مقاليد الحكم وحتى وقتنا الحاضر، تمثلت في المساهمة العينية المالية والخدمية وغيرها في إعادة إعمار العراق وتسوية الكثير من الديون العراقية وتعزيز وحدة الصف العراقي، وعلاج المصابين العراقيين في الكويت ودعم اللاجئين العراقيين. رحم الله صباح الأحمد الصباح وغفر له وأسكنه في عليين، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وعزائي لأسرة الصباح الكرام، والى الشعب الكويتي الحبيب، ونعزي أنفسنا جميعًا في دول الخليــج العربيــة، وعزاؤنا للأمتــين العربية والاسلامية. حفــظ الله الكويــت وخليجـــنا من كل شر، وقوى وحدتنــا وزادنا من فضله وتوفيقه. مواطن خليجي من مملكة البحرين
مشاركة :