جندت تركيا أعمالها الدرامية والفنية المدبلجة، لغزو العالم ثقافيا لنشر إيديولوجية تمهيدية للسيطرة عليه من جديد، كما يرون ذلك من منظورهم التاريخي. رغم أن هناك محاولات من دول عربية، لصد الهجوم العثماني على عقول ووجدان الشعوب العربية، بعد مرحلة دامت عدة سنوات من غزو الأتراك للعرب، عن طريق أعمالهم الدرامية التي بثت سمومها وغسلت تاريخ العثمانيين المُزين بالمظالم والاحتلال واستغلال حقوق الشعوب. ورغم أن الدراما العربية في حاجة ملحة إلى تحسين محتواها الفني، وتطوير آليات إنتاجها؛ فإنه يبدو أنها بدأت تستعيد عافيتها من جديد، لتواجه موجة الغزو الدرامي التركي المُسَيَّس قبل أن يكون عملًا فنيًّا له ما له وعليه ما عليه. ويقول الكاتب علي قاسم: «الحكومة التركية بزعامة أردوغان، تتفاخر بالإرث العثماني، وتعمل على إحياء هذا الإرث بثوب جديد كما تقول. ونجحت إلى حد كبير في استخدام الدراما لترويج فكرة أن أنقرة هي المنقذ للأمة العربية. إلى جانب الدراما سعت أنقرة لتوظيف جماعات الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، الذين يعتبرون أداة طيعة في يد أنقرة، ووصفهم مستشار أردوغان للشؤون الخارجية، ياسين أقطاي، أنهم مروجون لتركيا ومشروعها في العالم العربي، وهم إن وصلوا إلى الحكم سيعملون بإخلاص على خدمة الأجندات التركية في المنطقة. استفادت أنقرة من الاضطرابات التي رافقت ما سمي بالربيع العربي، وأفول حقبة الدراما السورية، وبعد عقد من السيطرة، جاء الرد من خلال مسلسل ممالك النار. حيث تسابقت الفضائيات العربية على عرض المسلسلات التركية، وكان مسلسل سنوات الضياع، أو تحت أشجار الزيزفون، ثاني مسلسل يدبلج إلى العربية، ولحق به مسلسل فاطمة والحب الأسود. حيث تأثر نمط حياة المتابع العربي للمسلسلات التركية، بما في ذلك الوجبات التي يتناولها في المطاعم، بالإضافة إلى شراء منتجات تركية مختلفة، بما فيها الملابس والسجاجيد والشموع المعطرة. المسلسلات التي تسربت إلى الفضائيات العربية تحت غطاء قصص الحب والرومانسية، سرعان ما تغيرت وتحولت إلى مسلسلات تمجد الحقبة العثمانية. وأكدوا أن أنقرة استفادت من الاضطرابات التي رافقت ما سمي بالربيع العربي، وأفول حقبة الدراما السورية، وبعد عقد من السيطرة، جاء الرد من خلال مسلسل ممالك النار. نجح المسلسل الذي شارك في بطولته فنانون من دول عربية عدة، وأخرجه البريطاني بيتر ويبر، من إثارة جدل كبير، وحرض المشاهدين على إعادة النظر في الفترة التي حكم فيها العثمانيون دول المنطقة منذ نحو خمسة قرون. يحكي المسلسل قصة آخر سلاطين المماليك، الأشرف طومان باي، الذي هزم أمام جيش السلطان العثماني سليم الأول في مصر العام 1517 في معركة الريدانية، بعدما تعرض لخيانات متتالية على أيدي أمرائه. وكان أول مسلسل تم تصديره إلى العالم العربي والإسلامي الذي لم يكن يعرف عن تركيا أي شيء، «إكليل الورد» حيث حقق شهرة كبيرة ومشاهدة منقطعة النظير، ثم مسلسل «سامحيني»، «وودادي الدءاب»،»قيامة أرطغل»،»حريم السلطان». وبعدما حققت تركيا مكاسب كثيرة من إنتاجها أو نشرها للأعمال الدرامية، لم تتوقف عند هذا الحد، بل وسعت الأطماع واتجهت نحو شمال إفريقيا، فباتت تغزو شاشات دول المغرب العربي الكبير، وأزاحت بل وقضت على الأعمال المحلية وطمس كل هويات هذه البلدان العربية منها والأمازيغية، بعد أن تعاطت لأعمالها بشكل كبير، وذلك لنوعية الموضوعات التي صدرت لها، حيث جعل الأتراك من محور المرأة المتحررة والحب أهم الموضوعات، ثم صراع الطبقات الفقيرة التي تحاول النيل من الأغنياء بسبب فسادهم وفساد حكامهم، كما عملت أيضا على تصوير هذه الأعمال بدقة متناهية، تصويرا جميلا مزينا بالأثاث التركي وكل ما تزخر به الثقافة التركية، ما يجعل المشاهد يتيه في الفضاء والجمال أكثر من تركيزه على موضوع العمل الدرامي، فقد وصل عدد متابعي هذه الأعمال إلى ما يفوق 400 مليون مشاهد وهذه نسبة كبيرة جدا. واستفادت تركيا من نشر ثقافتها عبر الأفلام الدرامية من تنمية اقتصادها الذي بات ينافس اقتصادات دول العالم المتقدم، وأضحت بلدا مصنعا ومصدرا عوض أن يكون متلقيا ومستهلكا، فانتعشت بذلك السياحة وكثر الإقبال على مدن تركيا وخاصة مناطق التصوير، فحلم كل عربي مشرقيا كان أو مغاربيا، أن يزور هذا البلد الذي عرفه ولربما أحبه عن طريق المسلسلات، فالسياحة لوحدها حققت مداخيل قياسية غير متوقعة، حيث زار تركيا ما يقارب 50 مليون سائح العام الماضي 2018، بزيادة إجمالية بلغت نسبتها 22 %.
مشاركة :