أثار قانون جديد أجاز منح اللّقب العائلي لمجهولي النّسب جدلا واسعا في الجزائر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض أن التبني يمنعه قانون الأسرة الجزائري، وهو من المحرمات في الشريعة الإسلامية، في حين يرى البعض الآخر أن القانون يتعلّق بالكفالة ولا علاقة له بالتبني، كما أنه جاء لينصف الأطفال مجهولي النسب. الجزائر - أعلنت الجزائر مؤخرا تعديلا قانونيا يتيح للأطفال مجهولي النسب أن يحصلوا على لقب من يتولون كفالتهم، إذا رغبوا في ذلك. ويأتي هذا القرار بعدما أدخل الوزير الأول الجزائري، عبدالعزيز جراد، تعديلا على مرسوم صدر في سنة 1971 بشأن تغيير اللقب. وصدر القرار في العدد السابع والأربعين من الجريدة الرسمية، وحدد شروط طلب تغيير اللقب. ويمكن للشخص الذي كفل بشكل قانوني طفلًا مجهول النسب من الأب، أن يقدم باسم هذا الطفل ولفائدته إلى وكيل الجمهورية لمكان إقامته أو لمكان ميلاد الطفل، طلب تغيير اللقب العائلي للطفل ومطابقته مع لقبه، بموجب المرسوم التنفيذي، المؤرخ في 8 أغسطس الماضي، والذي صدر في العدد الـ47 من الجريدة الرسمية. أما في حالة وجود أم معلومة وعلى قيد الحياة للطفل المكفول، فإن التعديل الجديد لنظام تغيير الألقاب يلزم الكافل بأن يرفق الطلب بموافقتها، وفي حالة تعذّر ذلك يمكن لرئيس المحكمة أن يرخص بمطابقة اللقب العائلي للطفل مع لقب الكافل، بناء على طلب هذا الأخير بشرط تقديم تصريح شرفي بأن مساعيه للاتصال بأم الطفل المكفول بقيت دون جدوى، حسب ما ورد في نص المرسوم التنفيذي. أصبح بموجب التعديل بالإمكان تقديم طلب تغيير اللقب بشكل عام والوثائق المرفقة به عبر البريد الإلكتروني دون عناء التنقل. ويمكن أن يودع الطلب بالنسبة للأشخاص المولودين في الخارج لدى المركز الدبلوماسي أو القنصلي لمقر إقامة المعني، على أن يتم إرسال الطلب عبر البريد الإلكتروني إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد بمجلس قضاء الجزائر. وأثار هذا التعديل جدلا وسط الجزائريين، اعتقادا منهم أنه تبن غير معلن، فيما يتخوف البعض من مشاركة الطفل المتكفل به في الميراث. ويرى حقوقيون أن من شأن منح الكافلين ألقابهم للأطفال أن يخلصهم من المعاناة التي يعيشونها وأن يخلف لديهم ارتياحا لأن الصغار سيكونون بمثابة أبناء فعليين على مستوى النسب ولن يشعروا بالتمييز ضدهم. وقال الأستاذ سليمان ولد خسال رئيس المجلس العلمي لكلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر2، والحاصل على إجازة في العلاقات القانونية والإدارية وشهادة الكفاءة المهنية في المحاماة لموقع جريدة “الشعب” الإلكتروني “في الحقيقة المرسوم الأخير الذي وقّعه الوزير الأول جاء بمناسبة تغيير اللقب وموضوع الكفالة جاء عرضا فيه، كما سيأتي بيانه فيما بعد. وعلى كل، التبني معناه إلحاق الولد لغير أبيه الحقيقي، أي ادّعاء شخص بأن هذا الولد هو ابنه، والحقيقة أنه لا علاقة تجمع بينهما، وصورة التبني هذه حرّمتها الشريعة الإسلامية ومنعها قانون الأسرة الجزائري صراحة بنص المادة 46 ‘يمنع التّبنّي شرعا وقانونا"”. وأضاف موضحا “لكن قانون الأسرة أبدله بنظام الكفالة من خلال المواد 116 إلى 125 من قانون الأسرة الجزائري، والكفالة هي التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية ورعاية قيام الأب بابنه وتتم بعقد شرعي، وهذا المكفول قد يكون معلوم النسب أو مجهول النسب، وعليه فإنّ الكفالة من أعمال البر والخير أما التبني فهو تزوير للنّسب. وحفاظا على الولد الصّغير، فإنّ الشّريعة ثم القانون راعيا هذه المصلحة، فشرعا الحضانة للأولاد ضحايا الطلاق، وشرعا الكفالة لمجهولي النسب. والخلاصة أنّ هذا القانون له علاقة بإجراءات الكفالة ولا علاقة له بالتبني”. كما أكد أنه تم اللجوء إلى هذا القانون نظرا للمشاكل التي يتعرّض لها مجهولو النسب خاصة في إثبات الحالة المدنية والهوية، بحيث يجد مجهول النسب نفسه مكبّلا لا يستطيع استخراج أوراقه الثبوتية، فيكون بذلك أشبه بعديم الجنسية، ومنح الاسم الثلاثي كما نصّت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 64 من قانون الحالة المدنية لم يستطع أن يعطي له صفة إثبات الحالة المدنية، فضلا عن أن الاسم الثلاثي في المشرق العربي متداول بخلاف دول المغرب العربي، التي تعتمد على اللقب معيارا حقيقيا في تمييز الأسر، بسبب ظروف تاريخية. اللجوء إلى هذا القانون تم نظرا للمشاكل التي يتعرّض لها مجهولو النسب خاصة في إثبات الحالة المدنية والهوية وأشار إلى أن هذا المرسوم جاء ليعالج مشكلة لطالما أرهقت مجهولي النسب، فضلا عن أنّه وضع ضوابط كعبارة مكفول حتى لا تختلط الأنساب ولا يقع التوارث، وبذلك يتّضح أن الآثار الاجتماعية لهذا المرسوم جاءت إيجابية فتحقّق الاستقرار وخفّف من الآفات الاجتماعية، وتحقّق واقعا ملموسا مفهوم مجهول النسب باعتباره أخا في الدين ومواطنا يتمتّع بكامل حقوقه وواجباته. كما أوضح أن “الطّفل المكفول يستفيد من مركزه القانوني بحيث يتمتّع بالحالة المدنية، ويستخرج وثائقه الإدارية، ويندمج في المجتمع بشكل عادي، والكافل يكون بذلك قد قدّم خدمة كبيرة للمكفول ليس فقط في جانبها المادي، وإنما كذلك في مجالها المعنوي، لكن منح اللقب العائلي للمكفول لا يؤهّله لأن يأخذ نفس أحكام الفروع كالميراث أو النسب لأنه ليس من الورثة، كل ما في الأمر أنه يستحق الوصية أو الهبة”. وأكد حقوقيون أن هذا القرار يمكن أن يضع نهاية لمعاناة فئة كاملة من المجتمع، منبهين إلى أن الكثير من المواطنين يتعاملون معه بشكل إيجابي، وأشاروا إلى أن مثل هذه العلاجات راعت ظروف هؤلاء باعتبارهم ضحايا والكثير منهم أجبروا على الانحراف. ويمكن لهؤلاء في ظل هذا القانون أن يجدوا المسكن المناسب والعائلة التي تخلصهم من الحرمان العاطفي الذي يعيشونه وتمكنهم من الاندماج في المجتمع. وكشفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن حوالي 45 ألف طفل غير شرعي يولدون في الجزائر سنويا، وتتم أغلب هذه الولادات خارج المستشفيات والعيادات، معتبرة أن تفعيل مرسوم منح اللقب للطفل مجهول النسب من طرف العائلة التي تتكفل به، خطوة إيجابية من شأنها إدماج هذه الشريحة في المجتمع وتسهيل ولوجها إلى التعليم والعمل. وقال الناطق باسم الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، المحامي زكريا بن لحرش، في تصريح لـموقع ”الشروق اليومي” إن التعديل جاء لسد بعض الثغرات في إجراءات منح اللقب للطفل المتكفل به، كما يمكن للعائلات التي لديها أطفال متكفل بهم، أن تقدم طلبا إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة الاختصاص بعد أن كان الطلب يقدم مباشرة إلى وزير العدل، وهذا تسهيل للفصل في هذه الطلبات، والتي كانت تستغرق وقتا طويلا، وتنتهي بالرفض في الكثير من الأحيان. وأكد المحامي إبراهيم بهلولي أن مشكلة الأطفال مجهولي النسب والأمهات العازبات تتفاقم يوما بعد يوم، وتحتاج إلى تعديلات جذرية، يجب أن تتضمن الجانب النفسي والمعنوي لهذه الشريحة، مع تطبيق قوانين الردع في حق مرتكبي جرائم الاغتصاب والمتسببين في إنجاب الأطفال خارج إطار الزواج الشرعي، معتبرا أن مثل هذه الإجراءات لا يمكنها التحكم في ظاهرة تزايد الأطفال مجهولي النسب، حيث تبقى بعض الآليات والحلول المتعلقة بالجانب التربوي والأخلاقي. ومن جانبه رحب رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل” ندى”، عبدالرحمن عرعار، بالتعديل واعتبره قفزة نوعية وخطوة ستسهل الإجراءات الإدارية وتقضي على الكثير من العراقيل التي كانت تواجه العائلات المتكفلة بطفل مجهول النسب، وتريد أن تمنحه لقبها، كما رحب أئمة ومشايخ بمرسوم منح اللقب العائلي للأطفال مجهولي النسب، وأكدوا أنها ستحقق مصلحة وتساعد هؤلاء في الوسط المدرسي، ولوضع حد للجدل الذي أثاره المرسوم الجديد المعدل لمرسوم 1992، حيث اختلط الأمر على الكثير من الجزائريين معتقدين أن منح اللقب للطفل مجهول الهوية هو تبنّ. وقد أوضح هؤلاء الأئمة أن التبني هو اتخاذ الشخص طفلا غريبا عنه، ابنا له، وجعل الجميع يعتقدون أنه ابنه فعلا ويورثه ولا يفصل بينه وبين المحارم. وأكد إمام مسجد القدس بحيدرة، الشيخ جلول قسوم، أن هذا الإجراء فرصة للحفاظ على كرامة أطفال يتامى لا ذنب لهم، وعلى الأقل في السنوات الأولى لحياتهم، حيث يصبح الكثير منهم ناقمين على المجتمع، ومنفصلين عنه، ويمكن أن يتم استغلالهم في الجرائم وتفكيك المجتمع. وأكد الشيخ محمد الأمين ناصري، إمام مسجد الفتح بالشراقة، تفاؤله بالمرسوم الجديد المتعلق بمنح اللقب العائلي للطفل مجهول النسب الذي يتم التكفل به، موضحا أن هذه الشريحة عانت الكثير وحملت عبئا وذنبا لم ترتكبه، وخاصة في المراحل العمرية الأولى سواء في الشارع أو في المدرسة، وهي وضعية سيئة تضر بالمجتمع ككل، لافتا إلى أن منح اللقب فيه مصلحة كبيرة للطفل، وشدد على أن المهم في هذا الأمر أن لا يرث المكفول أو يتم تجاوز اختلاط المحارم.
مشاركة :