الحمدُ للهِ الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. إن المسلم في هذه الحياة الدنيا يتعرّض للابتلاء، وإني أحمدُ الله سبحانه وتعالى حمدَ الصابرين الشاكرين على ما قضى وقدّر بوفاة الابن الشاب (عبدالملك بن محمد السلومي)، زوج ابنتي (غادة)، وذاك مساء يوم الاثنين 24/11/1434هـ، إثر حادث مروري بمكة المكرمة. تلقيتُ هذا النبأ المؤلم المفجع، وحينها غلبني الحُـزن، وتسابق من عيني الدمع المتواصل؛ فهذا الخبر نزل عليّ، وعلى أهله، وأقاربه، ومعارفه، وأصدقائه نزول الصاعقة!! في تلك اللحظات استرجعتُ وأكثرتُ من قول "إنا لله وإنا إليه راجعون"، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيرًا منها، وسألت الله الكريم، رب العرش العظيم أن يثبّته عند سؤاله في قبره، ويغفر له يوم حشره. كان عبدالملك -رحمه الله- رجلاً قويًّا وشريفًا في المواقف، عاش حياته حميدًا ودودًا، ومات مفقودًا. يا كوكبًا ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يستدر بدرًا ولم يمهل لوقت سرار عجل الخسوف عليه قبل أوانه فغطاه قبل مظنة الإبدار فكأن قلبي قبره وكأنه في طيّه سر من الأسرار أبكيه ثم أقول معتذرًا له وفقت حين تركت أدنى دار وداعًا ابني الحبيب (عبدالملك)، فلقد كنت محبًّا للخير، حريصًا على أداء الشعائر والعبادات في وقتها. رحمك الله، فقد كنت حنونًا، ذا قلب، وذا رأي وحكمة وأدب. وداعًا ابني (عبدالملك)، فلقد كنت ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النفور، طيّب الكلمة، تدوم بين الناس محبته، وتتأكد مع مرور الأيام مودته. وإلى ابنتي الحبيبة وقُـرّة عيني غادة أقول لها: إن موت الفجاءة وقعه شديد، ومرارته صعبة، لكن حكمة الله البالغة أنه لم يَـدع البشرَ يعيشون حياة تعطيهم كل آمالهم، ثم طبيعة الحياة عجيبة، لأنها لا تعطينا إلاّ لتأخذ منا، ولا تهب لنا شيئًا إلاّ لتنال مقابلاً، إنها تكيل لنا صاعًا بصاع. والحياة ليست إلاَّ كأسًا نصفه مملوء بالماء، ونصفه الآخر فارغٌ، فلست بمستطيع أن تحكم بأنه مملوء كله، ولا فارغ كله، وهكذا الناس لن تجد فيهم ذا حياة مملوءة كلها، ولا ذا حياة فارغة كلها، وإنما لكل واحد منهم نصيب من السعادة، ونصيب من الحزن. فإذا نزعتِ يا بُـنيتي إلى الحزن والجزع والأسى تذكّري النصف المملوء من الحياة. تذكّري تلك الزهرتين الجميلتين ابنتيك (مريم ووفاء) ابنتي فقيدك عبدالملك السلومي -رحمه الله-. كوني يا بنيتي في شدتكِ قوية الصلة بربك، استسلمي لإرادته، واعتمدي عليه، وتحمّلي ما أصابك، لأن الله شاء ذلك، ولا رادّ لمشيئته، ومشيئته موضع التسليم والإعزاز. بُـنيتي الغالية: استشعري معنى قوله سبحانه وتعالى: "إنا لله وإنا إليه راجعون" فيما يعرض لك من بأساء وضرّاء، حتى تكوني أهلاً لرحمة الله بعد صبرك على البلاء، فرحمة الله وثوابه خير لك من الحزن والجزع والأسى، والصبر روح الإيمان، ومناط الثواب بالقضاء إذا سلًم لله أمره، وصدق الله العظيم القائل: "إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب". وإلى مهجتي القلب والفؤاد حفيدتي (مريم ووفاء) أقول لهما: أنتما في العين والقلب مني، ومن جميع المحيطين بكما، والله يتولاكما بعنايته ورحمته وفضله وجوده وإحسانه ولطفه وبركته؛ فلقد كان أبوكما -رحمه الله- رجلاً من أنبل الرجال؛ فحقكما الفخر والاعتزاز به -يرحمه الله-. ويا والد عبدالملك ووالدته وأخويه وأخواته -حفظهم الله- اعلموا -رعاكم الله- أن الخطب فادح، والمصاب جلل؛ فما أصعب على الوالدين شيئًا من فقدان فلذة الكبد فجأة.. فأسأل الله أن يربط على قلوبكم جميعًا، وأن يرزقكم الصبر والاحتساب. وإلى جميع مَن شيّعوا الفقيد عبدالملك -رحمه الله- وجميع مَن شاركونا، وشاركوا أهله وعشيرته العزاء والمواساة، أتقدّم إليهم بموفور الشكر والتقدير، وأقول لهم: شكر الله سعيكم، وغفر الله ذنبكم، ولا أراكم مكروهًا في عزيز لديكم. وفي الختام دعاء صادق من القلب: رحم الله الابن (عبدالملك)، حَـسَـن الذكر والسيرة بين الناس في محياه وبعد وفاته، وإن حُـسْـن الذكر جائزة معجّلة لمن أحبه الله عز وجل. "إنا لله وإنا إليه راجعون".
مشاركة :