رغم الانتقادات الكثيرة، إلا أن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، يحاول إحداث فارق وتغيير الأمور على الساحة العراقية في ظل وجود معوقات كثيرة وتشابكات متلاحقة تتعلق بقضية انتشار السلاح بأيدي الجميع في البلاد. ومن بين أكثر الإشكاليات التي تؤرق العراق هي ظاهرة السلاح المنفلت، إذ تشكل تهديداً مباشراً على الدولة وسيادتها داخليا، حيث بات السلاح هو المرجعية للفصل في الخلافات بين العشائر، وكذلك يؤثر على علاقة العراق بدول أخرى، وكان آخرها هو تلويح واشنطن بنقل سفارتها من المنطقة الخضراء ببغداد إلى أربيل بسبب تكرار قصف بعثتها الدبلوماسية. ففي العاصمة بغداد التي تتمركز بها الدولة ومؤسساتها وتنتشر بها قوات الأمن، أحرقت منازل ومحال تجارية في نزاعات عشائرية، وأسفرت عن قتلى وجرحى، والغريب أن استخدام السلاح لم يعد مقتصراً على الأسلحة الخفيفة، بل تخطى لتدخل الأسلحة المتوسطة والثقيلة إلى دائرة الاستخدام بين الأفراد. يقول العديد من الخبراء والمتابعين للشأن العراقي أن البصرة هي معقل السلاح المنفلت في البلاد، وفي حال خلوها سيخلو العراق، إذ يرون أن تلك المحافظة هي منطقة تنازع إقليمي ودولي، يراد لها الانفصال عن العراق تحت مسمى الفبدرالية، ومن هنا تأتي حساسية هذه المدينة، التي إن انفصلت عن العراق، فإن الأخير سيقسم، لذا فالمعركة بها سياسية وليست عسكرية. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> ويبدو أن الأزمة لا تقتصر على العشائر فقط، فالسلاح المنفلت بات في أيدي ميليشيات وفصائل وعصابات إجرامية، بالإضافة إلى فلول تنظيم داعش الإرهابي. وتسبب هذا السلاح في تصفية عدد من النشطاء السياسيين ومتظاهرين كذلك. وتعهد الكاظمي بالتعامل مع تلك الأزمة، كلف قيادة العمليات المشتركة بالبدء بعمليات حصر السلاح بيد الدولة وسحبه من يد الجهات التي لا تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، اذ تعتبر الحكومة هذه المجموعات خارجة على القانون ولا يمكن ان تستمر بهذا النهج الذي أضعف مكانة القوات الأمنية بصنوفها كافة. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> إلا أن الأمر ليس بالسهل على رئيس الحكومة العراقي، لا سيما أن الجهات التي قد تقف بوجهه، هي جهات متنفذة ولها في ثقل داخل الدولة، ولا يمكن له أن يتجاهلها ويضعها خلف ظهره، رغم أن هذه الجهات استنفدت رصيدها الشعبي وأصبحت تشكل مصدر خطر على السلم الاجتماعي. الميليشيات والفصائل تعد تلك العقبة الأبرز أمام الحكومة العراقية، فنزع السلاح ليس بالأمر السهل، لا سيما أن الفصائل محمية بقوة القانون، وعلى رأسها تلك التي ساعدت في محاربة داعش الإرهابي، وعلى رأسها الحشد الشعبي والفصائل المنضوية تحته. وتكمن أكبر إشكاليات تلك الفصائل أنها مدعومة من الخارج، وشريحة واسعة من هذه الفصائل تدين بالولاء عقائديا للمرشد الإيراني علي خامنئي، وترفع أعلامها في مقراتها. وبات لها ظهيرا شعبيا مما جعل لها ثقلا سياسيا أيضا، لذا فإن أي خطوة يجب أن تكون محسوبة تحسباً للصدام. كما أن تلك الفصائل الشيعية المسلحة تشن هجمات صاروخية على القوات الأمريكية وبعثات دبلوماسية أجنبية في المنطقة الخضراء، معتبرة أنها قوات احتلال وتضغط بإيعاز من إيران لإخراجها، ما يسبب حرجاً للكاظمي الذي يجد نفسه أمام اختبار صعب للموازنة بين حليفي بلاده الخصمين في آن واحد: الولايات المتحدة وإيران. سلاح العشائر لطالما احتفظت العشائر بالأسلحة لديها، لكن دوما كانت الأسلحة الخفيفة من بنادق ومسدسات، إلا أن الأمر تعدى هذا وبات لديها أسلحة ثقيلة ومتوسطة، فمنذ الغزو الأمريكي بات السلاح متناثر في أرجاء العراق، وبات مهماً كذلك للحماية من هجمات تنظيم داعش الإرهابي الذي استولى على عدد من المناطق العراقية. وكانت العشائر الوجهة الأولى للأجهزة الأمنية لدعوتها لتسليم أسلحتها، إلا أن مراقبين رأوا أن الدعوة لن تجدي، وأنه كان من الأفضل إمهالهم فترة لتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة على فترات والسماح لهم بامتلاك الأسلحة الخفيفة حتى تجد الدعوات قبول لديهم. عصابات إجرامية إشكالية إضافية أمام رئيس الحكومة، وهي العصابات الإجرامية والسلاح لديها، إذ شكلت تلك العصابات جهد إضافي استنفذ قدرات الأمن العراقي، والتي تقوم بعمليات متعددة من سرقة ونهب وتهريب واختطاف وإتجار في المخدرات والتزوير وغيرها من الفظائع. ووصل الأمر إلى اغتيال متظاهرية وتصفية نشطاء سياسيين، الأمر الذي مثل عبء على كاهل الحكومة في هذا التوقيت، في ظل مساعي تصفية بقايا التنظيم الإرهابي “داعش” ومحاولات تأمين الحدود من عمليات التهريب ووقف هجمات الفصائل على البعثات الدبلوماسية. بقايا داعش يرى البعض في بقايا تنظيم داعش هو الأخطر على الساحة الأمنية العراقية، لما يحدثوه من أضرار تستهدف استنزاف الدولة، فهم بخلاف الميليشيات والفصائل لا يهدفون إلى تحقيق مكاسب سياسية أو الضغط على الدولة كتلك الفصائل، بل أن الهدف الرئيس هو إرباك الدولة واستنزافها. وتنشط تلك العناصر في الأطراف الصحراوية للمحافظات أو على المناطق الحدودية، خاصة مع سوريا، ومن هناك تستطيع التواصل مع عصابات إجرامية تمدها بالسلاح اللازم لشن الهجمات. مصادر السلاح يعد أحد أهم أسباب انتشار السلاح هو الحدود الرخوة، حيث يتمتع العراق بحدود برية طويلة، وفي ظل الأزمات التي عانتها المنطقة منذ 2011 ، والعراق من 2003، بات من الصعب تأمين الحدود بالشكل الكافي، على الأقل حتى الأن، مما ترك ملعباً واسعاً أمام الميليشيات وعصابات التهريب والإرهابين للحصول على الأسلحة عبر التهريب، كذلك تنامي قوة الميلشيات المسلحة المتجاوزة لسلطة الدولة، إذ تحتاج تلك الميليشيات للسلاح بشكل دائم لتعزيز تواجدها بقوة على الساحة لفرض شروطها باعتبارها مصدر للتهديد والقوة، لذا نجد بعد المحاور الإقليمية التي تمد الميليشيات الموالية لها بالأسلحة. مهمة صعبة رغم محاولات الكاظمي، إلا أن حصر السلاح بيد الدولة يعني فتح جبهة داخلية جديدة ضد حكومته، إذ من الصعوبة بإمكان إقناع بعض المحاور التخلي عن وظيفتها التي أوجدتها لنفسها دون الرجوع لقيادة القوات الأمنية والتنسيق معها بصورة منتظمة، ما جعل الكثير من الأطراف تُشكل على هذه التصرفات وركنها الى خانة التخبط وعدم الانضباط. وبذلك يكون الكاظمي ملزم أمام الجماهير التي وعدها في يومه الأول بانه سيقضي على هذه المظاهر التي اعتادوا على رؤيتها منذ سنوات متعددة، لكن الأمر ليس سهلا.
مشاركة :