في أعقاب القرار الأمريكي بفرض عقوبات جديدة أحادية الجانب على إيران جاءت بعض التحليلات حول هذه المسألة رافضة، وبالأخص ما يتعلق بالنهج الدبلوماسي الفريد لإدارة ترامب، وزيادة التوترات مع طهران؛ لكن على الجانب الآخر كان هناك دعم لآلية «سناب باك» من قبل العديد من المعلقين الغربيين، في ضوء أن هناك شبه إجماع واسع النطاق على المخاطر المستقبلية للسماح لإيران باستيراد الأسلحة من حلفائها وتصديره إلى وكلائها.وتعني آلية «سناب باك» «العودة التلقائية إلى العقوبات»، وقد استخدمها «ترامب» لكونها تمنح إعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران بدعوى انتهاكها التعهدات المنصوص عليها في الاتفاق النووي. وقد وردت هذه الآلية في قرار مجلس الأمن رقم (2231)، الصادر بعد التوصل إلى الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران عام 2015.ومن خلال تفعيل هذه الآلية يمكن لأي دولة طرف في الاتفاق النووي إعادة فرض العقوبات على إيران عن طريق تقديم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن انتهاك إيران الاتفاق النووي، على أن تفتح الأمم المتحدة تحقيقًا يستمر 30 يومًا قبل العودة بإيضاحات وضمانات للطرف الذي قدم الشكوى. وفي حال لم يقتنع المشتكي بالإيضاحات الواردة يحق له تطبيق مبدأ «سناب باك» من دون موافقة مجلس الأمن، لتعاد جميع العقوبات التي كان قد أقرها المجلس على إيران. وعند فرض الآلية تُحث الدول على فحص الشحنات الداخلة والخارجة من إيران وستحصل على تصاريح بمصادرة أي شحنة محظورة، فضلا عن حظر صادرات النفط والغاز.وبدعم من وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» حشدت آلية «سناب باك» الأمريكية دعمًا كبيرًا من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، لكنها فشلت في إقناع حلفائها الأوروبيين في الأمم المتحدة.وبالنسبة إلى العديد من المحللين الغربيين فإن هذه الآلية ضرورية لمواجهة العدوان الإيراني الذي لم يظهر سوى رغبة قليلة لاستمرار الوفاء بالتزاماته الحالية. وكتب «جيد بابين» في صحيفة «واشنطن تايمز» أن «إيران انتهكت بشكل متكرر اتفاقية عام 2015، وأن لديها المعرفة والوسائل والنية لإنتاج أسلحة نووية». ويشير «إيزاك شور» من مجلة «ناشونال ريفيو» إلى أن «آلية سناب باك مصممة خصيصًا لمعاقبتها على مثل هذا السلوك».وحول مخاطر حصول إيران على أسلحة متطورة أوضح «ريتشارد جوين» و«أشيش برادان» و«نيسان رافاتي» من «مجموعة الأزمات الدولية» أن «القيود تتحقق من قدرة إيران على استيراد أو تصدير مجموعة من الأسلحة التقليدية، مثل الدبابات والطائرات، وقد صرحت طهران علانية بأنها ستزيد من وارداتها العسكرية». كما أفاد موقع «المونيتور» بأن الحكومة الروسية تستعد لتصعيد تعاونها العسكري مع إيران مع اقتراب انتهاء العقوبات، إذ أكد نائب وزير الخارجية الروسي أن «فرصًا جديدة ستظهر في تعاوننا مع إيران بعد انتهاء مدة النظام الخاص الذي فرضه قرار مجلس الأمن رقم (2231) في 18 أكتوبر».ومن ثمّ قوبل هذا السيناريو بقلق من خصوم إيران في الشرق الأوسط. وعلق مسؤول أمني إسرائيلي قائلا: «الخليج لديه مخاوف من إمكانية حصول إيران على أسلحة بمجرد انتهاء عقوبات الأمم المتحدة، وأن حقيقة أن إيران ستكون الآن قادرة على تجديد ترساناتها التقليدية، وشراء زوارق الصواريخ، وطائرات مقاتلة والصواريخ والقذائف وأسلحة أخرى من أجل تصعيد الضغط على دول المنطقة؛ تؤرق الكثيرين في المنطقة». بالإضافة إلى ذلك دعا العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» مرة أخرى إلى «حل للعدوان الإيراني في الشرق الأوسط، وهي القضية التي من المرجح أن تزداد سوءًا إذا تمكنت طهران من نقل الأسلحة من دون عوائق كبيرة».وعلى الرغم من أن عددًا من المحللين الغربيين قد أعربوا عن معارضتهم لهذه الآلية فإن هناك أيضًا إجماعًا من قبل آخرين على أن إيران تخرق التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. ولاحظ «ديفيد ج. شيفر» من «مجلس العلاقات الخارجية» أن «الوضع آخذ في التدهور، بعد أن تبين أن طهران قد تجاوزت حدود مخزون اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة، من بين الانتهاكات الأخرى المتعلقة بالمجال النووي». وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل قد اتهمتا إيران بمواصلة تطوير برنامجها السري للأسلحة النووية، المسمى «مشروع آماد»، وذلك في انتهاك واضح لاتفاق إيران النووي. وتضيف «كارول موريلو» من صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أنه على الرغم من النية الواضحة لإعادة فرض العقوبات مجددًا على إيران، وهو ما يبشر بـ«فترة جديدة من عدم اليقين والتوتر»، «لا أحد يشك في أن إيران كانت تنتهك القواعد التي وافقت عليها».وعلاوة على ذلك فإن جزءًا كبيرًا من الانتقادات الموجهة إلى تفعيل آلية «سناب باك» يتعلق بمدى نجاح دبلوماسية إدارة ترامب في وقف أي تهديدات من إيران، بدلا من مجرد فرض العقوبات فحسب. وبالنسبة إلى «إسحاق شور» من مجلة «ناشيونال ريفيو» الأمريكية فإنه يشير إلى أن الشكوك الواضحة حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تنفيذ عقوبات جديدة على إيران أم لا تعمل فقط بمثابة «تشتيت» لخطورة التهديدات الأمنية الإيرانية».وأوضح «جيمي كوين» من نفس المجلة أيضًا أن «الواضح هو أن معارضي تلك الآلية ليس لديهم حلول لمشكلة انتهاء حظر استيراد الأسلحة المفروض على طهران». وأشار «ميشيل دوكلوس» من «المجلس الأطلسي» إلى أن سياسة «الضغط» التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه إيران قد «قوت شوكة المتشددين في طهران الذين قد يرفضون إجراء مفاوضات جديدة أو يركزون على أولويات أخرى بدلا من ذلك».وبالنظر إلى هذه المخاوف بشأن سلوك إيران وأعمالها العدائية المستقبلية تساءل محللون أيضًا عن سبب كون الولايات المتحدة القوة الوحيدة التي تتحدى تصرفات طهران. وتساءل «شور»: «لماذا تعتبر الولايات المتحدة الدولة الوحيدة المصممة على منع الصين وروسيا من تسليح قوة خطرة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط مثل إيران؟». كما كتبت الرئيسة التنفيذية لـ«بيروت إنستيتيوت»، في صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية، أن الاتحاد الأوروبي «عليه التزام بالوقوف في وجه إيران بسبب تجاوزاتها في لبنان، وأن على تلك الكتلة الآن أن تعيد إحياء غرائزها السياسية والإنسانية وحتى البراجماتية، وأن تدعم حملة الضغط الأمريكية على النظام الإيراني». من جانبه، اتهم «بومبيو» نفسه القوى الأوروبية في أغسطس باختيار «الوقوف إلى جانب آيات الله في إشارة إلى إيران».ومع ذلك فإن رفض المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا دعم الولايات المتحدة في الأمم المتحدة لم يُنظر إليه على أنه تراجع كبير عن التصدي لطهران. ولعل هذا يرجع إلى ما أوضحه «مارك دوبويتز» رئيس مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات» بقوله: إن «رفض حلفاء الولايات المتحدة آلية إعادة فرض العقوبات يعتبر غير منطقي في الأساس؛ لأن واشنطن لا تحتاج إلى دعم خارجي حتى تكون عقوباتها فعالة. وبدلا من ذلك أكد أن آلية العقوبات الأمريكية تساعد في فرض عقوبات الأمم المتحدة بالشكل ذاته. وفي الواقع إنهاء الإجراء الوحيد الذي يمكن تطبيقه على أرض الواقع بالفعل». مضيفا: «كان هناك حديث عام 2015 عن أن العقوبات الأمريكية لن تنجح بدون دعم متعدد الأطراف، وكان هذا خاطئًا آنذاك، وهو كذلك الآن أيضًا. وبالنهاية فعالية العقوبات تتعلق بالأسواق، وليس بالسياسة والرؤساء التنفيذيين والدبلوماسيين».على العموم، على الرغم من أن الاهتمام الكبير من قبل المعلقين والمحللين بشأن عودة فرض العقوبات الأمريكية على إيران قد ركز على الإخفاقات الدبلوماسية لإدارة ترامب خلال الأشهر الماضية في هذا الصدد؛ فإن النقد التحليلي لإعادتها اقتصر فقط على التأثير المستقبلي المحتمل الذي يمكن أن يحدثه هذا الأمر على أي مفاوضات غربية-إيرانية بشأن استمرار تطلعات طهران النووية. وفي الواقع، هناك إجماع واضح على أن القدرة الإيرانية على الحصول على أسلحة روسية وصينية متقدمة ستكون بمثابة أنباء سيئة للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط؛ ولكن حتى الآن يبدو أن الخوف هو فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في نوفمبر القادم.
مشاركة :