عرض إيمانويل ماكرون الجمعة خطة عمله ضد "الانعزالية الإسلامية" ومشروع "المجتمع المضاد" الذي يجري العمل عليه في فرنسا حسب قوله، من خلال الإعلان عن عدة إجراءات خاصة في مجال التعليم وكذلك مسألة تنظيم عمل أئمة المساجد. هذا الخطاب المناهض للنزعة الانعزالية، الذي كان منتظرا بترقب شديد وأرجئ مرارا، يأتي في سياق حساس في فرنسا حيث تعد العلمانية قيمة أساسية ويمثل الإسلام الديانة الثانية في البلاد. ويأتي كذلك فيما يتعرض ماكرون لنيران اليمين واليمين المتطرف اللذين يتهمانه بالتراخي، واليسار الذي يندد بوصم المسلمين لأسباب انتخابية. وقبل أسبوع، شهدت باريس اعتداء بالساطور نفذه باكستاني فيما تجري محاكمة المتهمين في قضية الهجوم على شارلي إيبدو عام 2015 والذي قام منفذه الإسلامي بتصفية أعضاء هيئة تحرير الصحيفة الساخرة. وبعد أن قال إن "الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"، تحدث ماكرون بإسهاب عن "الانعزالية الإسلامية" في فرنسا التي أدت إلى "تسرب الأطفال من المدارس"، و"تطوير ممارسات رياضية وثقافية" خاصة بالمسلمين و"التلقين العقائدي وإنكار مبادئنا على غرار المساواة بين الرجال والنساء". وشدد الرئيس الفرنسي الذي كان يتحدث في ليه موروه، وهي بلدة حساسة يقطنها 30 ألف نسمة في منطقة باريس، "لا أود أن يكون هناك أي التباس أو خلط للأمور"، لكن "لا بد لنا من الإقرار بوجود نزعة إسلامية راديكالية تقود إلى إنكار الجمهورية". وهكذا أعلن ماكرون عن عدة إجراءات مثل إلزام أي جمعية تطلب إعانة عامة بالتوقيع على ميثاق العلمانية، وتعزيز الإشراف على المدارس الخاصة التابعة لطائفة دينية، وفرض قيود صارمة على التعليم المنزلي. وفقًا للسلطات، هناك 50 ألف طفل يدرسون حاليًا في المنزل. وقال الرئيس الفرنسي إن التعليم في المنزل سيكون من بداية العام الدراسي 2021، "مقتصراً بشكل صارم على المتطلبات الصحية على وجه الخصوص". وأوضح: "كل أسبوع، يبلغ مدراء المدارس عن حالات أطفال خارج النظام التعليمي بالكامل. ... كل شهر، يغلق محافظون ’مدارس’ يديرها غالبًا متطرفون دينيون"، متحدثاً عن أولياء أمور يرفضون مشاركة أطفالهم في دروس الموسيقى أو السباحة. وقال إن مشروع القانون الذي يتضمن هذه الإجراءات المختلفة سيُعرض في 9 كانون الأول/ديسمبر على مجلس الوزراء وسيهدف إلى تعزيز العلمانية وترسيخ المبادئ الجمهورية "بعد 115 سنة من المصادقة النهائية على قانون 1905". ومع ذلك، اعتبر أن السلطات تتحمل قسما من المسؤولية إذ سمحت بتطوير ظاهرة "تحول الأحياء إلى معازل". وقال "قمنا بتجميع السكان حسب أصولهم، لم نبذل جهدا كافيا في سبيل الاختلاط، ولا ما يكفي من امكان الانتقال الاقتصادي والاجتماعي (لقد) بنوا مشروعهم على تراجعنا وتخاذلنا". وفيما يتعلق "بالماضي الاستعماري" لفرنسا، " لم تُحل بعض الصدمات ... بعد من خلال حقائق راسخة في النفس الجماعية"، حسب قوله، في إشارة إلى الحرب الجزائرية. ودعا الرئيس الفرنسي إلى "فهم أفضل للإسلام" وتعليم اللغة العربية. كما تمنى "إسلامًا يكون في سلام مع الجمهورية"، وخالياً من "التأثيرات الخارجية"، متطرقاً إلى موضوع يتكرر طرحه في فرنسا. وقال إنه سيتم تعزيز الرقابة على تمويل دور العبادة، من خلال تشجيع الجمعيات الدينية الإسلامية على تغيير نظامها، ووضع حد لما وصفه بأنه "نظام التعتيم". وقال "إن المسألة ليست مسألة حظر التمويل" الخارجي، "بل تنظيمه". وأضاف أنه سيتم تضمين القانون "آلية تمنع الانقلاب" لمنع استيلاء متطرفين على المساجد. كما أشار ماكرون إلى إعلان صدر في شباط/فبراير يقوم على إنهاء نظم الأئمة المبتعثين في غضون أربع سنوات. ويوجد من هؤلاء الأئمة 300 ترسلهم تركيا والمغرب والجزائر إلى المساجد الفرنسية، فضلاً عن جامعي الزكاة خلال شهر رمضان. ولكي تتمكن فرنسا من تعويض هذا النقص، أكد إيمانويل ماكرون أنه "اتفق مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، المحاور الرئيسي للسلطات العامة، على أن ينتهي "في غضون 6 أشهر على الأكثر" من إعداد برنامج "تدريب الأئمة في بلادنا". وقال "علينا معاً، في صحوة جمهورية، أن نتصدى لأولئك الذين يبتغون الفصل فيما بيننا".
مشاركة :