في الساعات الأولى من صباح اليوم، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إصابته وزوجته بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، مؤكدًا دخولهما في حجر صحي داخل البيت الأبيض، مع أدائه لمهامه الرئاسية بشكل طبيعي. وجاء إعلان ترامب بعد يوم من انتظاره لنتيجة المسحة التي خضع لها، بعد تأكد إيجابية عينة مستشارته المقربة هوب هيكس، وقال عنها في تصريح لـ «فوكس نيوز»: «غالبا ما تضع قناعًا، لكن نتيجة اختبارها جاءت إيجابية (..) أقضي وقتا طويلًا معها مثل السيدة الأولى». بهذا الشكل، نال فيروس كورونا من الرئيس الأمريكي بعد عدة أشهر، لم يمل فيها ترامب من التقليل من شأن الجائحة، والسخرية منها، ومن طرق علاجها، وأساليب الوقاية منها، حتى دخل في مواقف محرجة نظرًا لما صدر عنه خلال هذه الفترة. ففي أبريل الماضي، فاجأ ترامب المجتمع الدولي، حينما تحدث عن فرضية حقن الجسم بالمواد المطهرة للحماية من كورونا، كونها تقضي على الفيروس في دقيقة واحدة، متسائلًا: «هل من طريقة للقيام بشيء مماثل مع حقنة في الجسم؟». وشطح ترامب وقتها بخياله قائلًا عن مقترحه: «الفيروس كما تعرفون يدخل إلى الرئتين ويكون له أثر هائل، وقد يكون مفيدًا التحقق من ذلك، يجب الاستعانة بأطباء لذلك، لكنه أمر يثير الاهتمام». ولم يكتف ترامب بهذا القدر، فسعى إلى محاربة إحدى أهم وسائل الوقاية من فيروس كورونا، بتعمده عدم ارتداء الكمامة وتقليله من فاعليتها، رغم توسل مساعدوه إليه ليرتديها في الأماكن العامة وأمام الصحافيين حسب ما نشرته «دويتش فيلا»، رغم النصيحة الإرشادية الطبية للأمريكيين بضرورة وضعها على الفم والأنف. ولم يستطع ترامب تخيل نفسه وهو يرتدي الكمامة، إذ قال: «لا أتخيل نفسي وأنا أرحب بالرؤساء ورؤساء الحكومات والملوك والملكات في البيت الأبيض وأنا أرتدي الكمامة، الالتزام بهذه النصيحة الإرشادية اختياري وليس إلزاميًا.. لا أعتقد أنني سأقوم بذلك». كذلك سعى ترامب إلى عدم الظهور بالكمامة أمام عدسات الصحافيين، قائلًا خلال زيارته لمصنع فورد في ولاية ميشيجان: «لا أريد أن أعطي الصحافة متعة رؤيتها.. كانت لطيفة جدًا.. وكانت يبدو جميلة جدا.. لكنهم قالوا إن ارتدائها ليس ضروريًا»، لكن رغم محاربته الدائمة لها، إلا أنه ظهر بها لأول مرة في يوليو الماضي، أثناء تواجده في منشأة طبية عسكرية خارج واشنطن. وبعيدًا عن الكمامة، عمد ترامب إلى التقليل من شأن الفيروس، إذ تجاهل 12 تحذيرًا تلقاها من تقارير الاستخبارات الأمريكية في شهري يناير وفبراير الماضيين، حسب ما أوردته صحيفة «واشنطن بوست». وأكدت الصحيفة، حسب ما نقلته من أشخاص داخل الوسط الرئاسي، أن ترامب لم يكن يقرأ مثل هذه الوثائق، وكان ينزعج حتى حين يضطر للاستماع لعروض شفوية عن الأوضاع، رافضًا فرض القيود على السفر بين الولايات المتحدة والصين وقتها. ومع تدهور الأوضاع داخل الولايات المتحدة، داوم ترامب على التقليل من شان الكارثة، من خلال إطلاق تصريحات بدت للبعض أنها تدعو للتفاؤل، حينما أكد في مايو الماضي أن «الفيروس سينتهي حتى من دون إنتاج لقاح مضاد له». وأردف ترامب تصريحاته، حسب ما نقلته «سكاي نيوز» وقتها: «أشعر بأن الوباء سيختفي حتى من دون تطوير لقاح له، سينتهي بعد مدة معينة ولن يعود مجددًا، قد يعود للظهور في فصل الخريف أو السنة المقبلة، لكنه سينتهي على أي حال». وخلال نفس الفترة، لجأ الرئيس الأمريكي إلى الدعاية لعقار هيدروكسي كلوروكين المضاد لمرض الملاريا، باعتباره يشفي من فيروس كورونا رغم عدم خروج نتائج طبية تثبت هذا، بجانب تحذير الجهات المعنية من تناوله. لكن ترامب سار عكس الجميع وتناول العقار، حسب ما كشف عنه في مؤتمر صحفي مايو الماضي: «أعتقد أنه جيد. لقد سمعت أمورًا جيدة جدًا عنه. أنتم تعرفون عبارة: ما الذي ستخسره؟ ستفاجؤون بعدد الأشخاص الذين يتناولونه، خاصةً من هم في الخط الأمامي قبل أن يصابوا». ورغم دعوة ترامب إلى تناوله، أوقفت المستشفيات الأمريكية استخدام عقار هيدروكسي كلوروكين، بعدما أشارت عدة دراسات إلى عدم فعاليته، بل وقد يسبب مخاطر كبيرة، إذ يزيد من فرص الوفاة. سير ترامب عكس التيار استمر دون توقف، فمع تفاقم الأزمة داخل بلاده، طالب حكام الولايات بفتح دور العبادة خلال عطلة نهاية الأسبوع، محذرًا إياهم من عدم الانصياع لأوامره: «إذا لم يفعلوا ذلك فسوف أتجاوز سلطة حكام الولايات، لأننا في أمريكا نحتاج مزيدًا من الصلوات لا التقليل منها». وفي وقت بلغ فيه عدد الإصابات داخل الولايات المتحدة أكثر من 3 ملايين شخصًا، صرح ترامب لصحيفة «فوكس نيوز صنداي»، في يوليو الماضي، أن الفيروس ما هو إلا نزلة برد بين الشباب وستزول: «سأكون على حق». ومع سوء الأحوال يومًا تلو الآخر، فاجأ الصحفي بوب وودورد الجميع بأن ترامب كان على علم بحجم خطورة الجائحة، وذلك في حوار معه أجراه مارس الماضي. وقال ترامب خلال هذا الحوار، وفق ما نقلته «سي إن إن»: «أردت أن أقلل على الدوام من مدى خطورة الفيروس (..) ما زلت أرغب بالتقليل من مدى خطورته، لأني لا أريد أن أخلق حالة من الذعر». كما أكد ترامب، في تسجيل آخر مع «بوب»، أن الفيروس ينتقل عبر الهواء، كما وصفه بأنه «قاتل»، ومع كشف هذه التصريحات دافع الرئيس الأمريكي عن نفسه قائلًا: «أردت تجنب التسبب في ذعر لدى الأمريكيين». واليوم، ومع تأكد إصابة ترامب بالفيروس، الذي رفض الانصياع لأوامر الوقاية، صرحت طبيبة لـ«سي إن إن» أن الرئيس الأمريكي يقع ضمن فئة «عالية المخاطر من المصابين»، بسبب عمره المتقدم ووزنه الزائد: «لا نعلم إن كانت لديه أي حالة صحية أخرى سابقة أم لا». وبعد رفع فيروس كورونا راية التحدي أمام ترامب، أطلق البعض عددًا من التساؤلات حول السبل التي سيتعامل بها الرئيس الأمريكي مع المرض، وهي: هل سيحقن جسده بالمطهرات للشفاء؟ أم سيتناول عقار هيدروكسي كلوروكين؟ وهل سيرتدي الكمامة بدءًا من اليوم أم لا؟ جديرٌ بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر قائمة الدول التي تفشى فيها فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، فتجاوز عدد الإصابات فيها حاجز الـ7 ملايين حالة، وتوفي فيها أكثر من 200 ألف شخص.
مشاركة :