البحث عن الإنسان في رواية موجيتوس للكاتب منير عتيبة

  • 10/3/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحمل رومانسية عتيقة مستوحاة من جميع قصص الحب الخالدة في كل العصور، تأخذ بلبك ما أن تسمع حواراتها ومونولوجها الداخلي العميق، تُسيرك لا إراديا في عبر طريق ممهد بأوراق الزيتون رحلة تشويقية في دروب التاريخ وفلسفته مساراته، فرواية موجيتوس للكاتب منير عتيبة تم حبكتها لتكون لوحة فنية متكاملة العناصر، على الرغم من العزف على وتر سبق للجميع العزف عليه.(1) القصةمنذ اللحظة الأولى يضعك المؤلف حول إشكالية البحث عن الذات والهوية، فيقول على لسان راويه العليم:" هل هو مجاهد أم موجيتوس؟". فالرواية تشير إلى قصة مجاهد هذا المجاهد الروحي الشحاذ الباحث عن الحقيقة، في تراثه وتراث الآخرين، كما أنه هو الرواي الذي يكتب عن العشرين رجلا الذين قرروا الجهاد لنشر دين الله عبر البحر، لا يعتمدون في ذلك إلا على رغبتهم في الجهاد للوصول كما يطمح مجاهد في الوصول للجنة.ومن ثم فالرواية تبدأ من ظلال قديمة في أجواء أندلسية باستخدام تقنية الفلاش باك. لكن البؤرة الأوسع من ذلك محاولة الكاتب إستجلاء العلاقة ما بين الشرق والغرب، مع محاولة التقريب بينهما من خلال البطل الأسطوري مجاهد أو موجينوس، الذي ينمو دراميا على طول العمل الأدبي، كونه شحصية تتميز بالمرونة في قبول أفكار، ورفض أخرى، متى استيقن من فسادها وعدم صحتها. (2) فوران الحب في موجيتوسمنذ سطورها الأولى وهي تحرك الرومانسية والسحر في النفس الإنسانية بمخاطبة الوجدان ونوازع النفس بحثا عن مخرج إنساني لصراع الشرق مع الغرب:"كانت عجب بالنسبة لى رفيقة سنوات التفتح، الطفلة التى لهوت معها، ولعبنا في حديقة دارنا، ساعد ا في أعمال الدار، ساعدتنى في زراعة حديقة الدار، مسحت دموعى بيدها، قبلت وجهها، احتضنتها تحت شجرة التين، فتفتحت بجسدى مشاعر جديدة لم أعرف كنهها"(3) جماليات السرد يتولى عملية السرد راو عليم هو موجيتوس أو مجاهد نفسه، وهو شخصية تحمل ذات عدسة موسعة وظيفتها مراقبة الجميع، واكتشاف مكامن أسرار في هذه الشخصيات؛ بحثًا عن الحقيقة الكلية، فهو أقرب إلى الصوفي المستنير، الذي يحمل كعبات مختلفة القبلات يدور بينهم بحسب إنبعاثات العاطفة. وقد دار السرد وجودا وعدما مع الشخصيات، وهذه ملمح غاية في الأهمية في الرواية ومن ذلك لقاء مجاهد مع الطماشكة:كان لقائى بالطماشكة عاديا لكنه غيَّر حياتى، كنت أشترى"أقمشة من دكانه بسوق قرطبة، عرف من الحديث أننى بحار، طلب منى أن أحدثه عن بلاد الفرنجة، أخبرته أن معظم رحلاتى كانت إلىإيطاليا، والغزوات الخاطفة التى شاركت فيها كانت على سواحل صقلية". كما يحمل السرد رؤية موضوعية للتاريخ القديم، ومن ثم فالسرد يأخذك في منحى فض اللثام عن أسباب الفشل والهزيمة خلال حقبة تاريخية معينة:" لو كان عبد الرحمن الغافقى أكثر حسما لما اندحرالمسلمون تحت ضربات شارل المطرقة ولتغير تاريخ العالم".(4) الشخوص والتقارب الروحي بينهمتتبدى حبكة الرواية من تقارب الشخصيات فيها بعضها من بعض، فتعدد الأنماط الشخصية منح العمل الأدبي متانة وقوة شديدة، ما جعله يشد بعضه بعضا فعلى سبيل المثال العلاقة ما بين مجاهد وأمير البحار يوسف فهو الشخصية المقربة منه"لا يتكلم أمير البحار يوسفكثيرا، لكننى أشعر أنىِّ أفهمه جيدا..".كما تقترب الشخصيات وتبدو سهلة الإستشكاف من خلال المونولوج الداخلي في حوار موجيتوس مع مجاهد: "أحيانا أشعر أن الإنسان كان أفضل حالا قبل أن يعرف اللغة. كان الطماشكة وإبراهيم بن عامر وسعيد الإشبيلى يشاركون عبد الرحمن بن سالم في الصائفة نفسها، لكنهم لم يلتقوا إلا بعد ذلك بوقت طويل، وكان عبد الله البلوطى يحاول في نفس الوقت أن يقول شعرا في ابنة الفقيه المقلص، فلا تفلح الكلمات في التعبير عما يحسه حقا".وهو يكشف عن تقارب هذه الشخصيات ومدى التلامس بينهم من خلال لغة السرد:"خرج عبد الله البلوطى من قريته فحص البلوط القريبة من قرطبة لا يعرف إلى أين لكنه يعرف طريقه جيدا، لذا كان البلوطى أقرب العشرين إلى الطماشكة الذى كان يعيش حيرة مشاة". ويعيش مجاهد وهم الأسطورة، والبحث عن مخلص كاشفا عن شخصية عربية بعدسة زووم مفتوحة لآخرها فتراه يهرب إلى الماضي ليبحث فيه عما يحلم به في مستقبله:" لكن طارق بن زياد يأتينى كثيرا في الفترة الأخيرة، ليس فقط فيمنامى، بل في يقظتى، لا يتحدث إلىّ بل يشير إلى هناك، عبر البحر، إلى بلاد الفرنجة، وكأنه يطلب منى فتحها كما فتح هو الأندلس"..(5) اللغة الشعرية قلما يبحث الروائيون عن اللغة الشعرية، إذ يرتكزون على السرد، لكن ما يميز عتيبه لغته الشاعرية، تلك التي تضيف قوة فوق قوة مع جماليات السرد،بإثارته وتشويقه وتسارع أحداثه، وهو يعي أنه يقيم بهذه اللغة المميزة علاقة تضافر مع وظيفة السرد في العمل الروائي"لا يتكلم أمير البحار يوسف كثيرا، لكننى أشعر أنىِّ أفهمه جيدا، أحيانا أشعر أن الإنسان كان أفضل حالا قبل أن يعرف اللغة، كان يعبر عما يريده مباشرة وبوضوح، أما اللغة فقد اخترعها حتى لا يفهمهاحد"."صبح هى كل النساء، لكننى أشتاق إلى الولد، ما لا يعرفه أبى وأمى وأعمامى الذين يلحون علىّ طوال الوقت، ما لا تعرفه صبح التى تريدنى أن أنجب من أية امرأة، أن الولد القادم لن أحسه إلا إذا كانمنها". والعمل الروائي بكل مشتملاته تضافرت كل عناصره الفنية في إخراج تحفة درامية، لا تحتاج سوى إلى مخرج لن يجتهد كثيرا لإخراج صورة تحمل المتعة البصرية والسمعية، لتاريخ نحن في أمس الحاجة لفهمه بوجدان وحس فني، وليس بحرفية قاتلة كما سبق وشاهدناه مُرا ومرارًا من قبل.

مشاركة :