العرب وأفريقيا.. وسنوات الفرص الضائعة

  • 10/4/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لسنوات طوال، كنت أتساءل: ماذا يعرف الرجل العربي عن الرجل الأفريقي، وماذا يعرف الرجل الأفريقي عن الرجل العربي؟، وماذا يعرف المستثمرون العرب عن نظرائهم الأفارقة، ولماذا يفضل أبناء القارة السمراء رفع نزاعاتهم السياسية والاقتصادية مع العرب إلى المؤسسات الدولية، بدلاً من الذهاب إلى آلية مشتركة لحل النزاعات المتفاقمة بين الطرفين، وعلى ما يبدو فإنه كان تساؤلاً محيراً وجباراً شغلني لسنوات طويلة، لكن إجابته كانت للأسف مفزعة وبائسة جداً، بالرغم من توافر مقومات النجاح لهذه العلاقات المتأرجحة بفعل الضرورة الجغرافية التي تجعل من القارة السمراء بمثابة الحديقة الخلفية للعالم العربي، تماما مثلما هو وضع أمريكا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة. أتاح الغياب العربي الطويل عن القارة الأفريقية، الأسرع نمواً على مستوى العالم، والتي تتمتع بقوة استهلاكية تقارب 1.27 مليار نسمة، وناتج محلي إجمالي يصل إلى 3.4 تريليون دولار، أتاح الفرصة للعديد من الدول وخاصة الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي، والذي لا يخلو من نفس استعماري، في إفريقيا على حساب الكعكة العربية السهلة والمهملة، فتضاعفت التجارة على سبيل المثال بين روسيا والدول الإفريقية، خلال السنوات الخمس الماضية متجاوزة سقف الـ20 مليار دولار، وشطبت موسكو ديون أخرى بقيمة 20 مليار دولار، في مقاربة برجماتية تفتح مجالات جديدة أمام الشركات الروسية الحالمة بالتوسع. يثير النفوذ الروسي المتعاظم مخاوف القوى الغربية دون شك، في حين يستمر تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط ككل وفقاً لشعار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أميركا أولاً"، أما عن التواجد الصيني المذهل في القارة السمراء (55 دولة) فحدث ولا حرج، إذ يتجاوز حجم تجارتها السنوية مع الدول الأفريقية 200 مليار دولار، حيث تعمل بكل جد واجتهاد أكثر من 10 آلاف شركة صينية في أفريقيا، ويستوطن صينيون القارة السمراء، حيث ينتشرون بكثافة في الحقول الزراعية والمصانع والشركات الناشئة، وقد تشربوا ثقافة السكان الأصليين وكأنهم أفارقة أبناء أفارقة، واللافت أن العديد من القوى الغربية وبينها واشنطن تحاول محاصرة الصينيين في تلك البقعة المهمة من العالم، مخافة أن تصبح القارة السمراء فناءً خلفياً لبكين. في المقابل، لا يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الدول العربية ونظيرتها الأفريقية 14 مليار دولار، في الوقت الذي يوجد فيه فراغ معلوماتي هائل بشأن وضع العرب في أفريقيا، ووضع أفريقيا في العالم العربي؛ إذ تمثل كل منهما للأخرى منطقة مجهولة، والغريب أن معظم رجال الأعمال العرب يجهلون الكثير عن فرص الاستثمار المتاحة في القارة الإفريقية، بينما تعد المعلومات المتوفرة في العالم العربي والقنوات الاقتصادية عن الأسواق والبورصات الأفريقية نادرة للغاية. بالرغم مما يعصف بالقارة السمراء من أزمات بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي على نطاق واسع جراء جائحة كورونا، إلا أنه من المتوقع يتوقع أن يصل الإنفاق السنوي للمستهلكين والشركات الأفريقية إلى 6.66 تريليون دولار بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 4 تريليونات دولار في الوقت الحالي، وستصبح قارة أفريقيا أهم دعائم النمو العالمي وأبرز وجهة لأنشطة الاستثمار طويل الأجل لما تتمتع به من موارد وأسس اقتصادية قوية مثل تنوع ووفرة الثروات الطبيعية ووجود ما يقرب من 60% من الرقعة الزراعية غير المستغلة في العالم، إلى جانب التنبؤات التي تشير إلى تحول أفريقيا إلى أكبر مركز للقوى العاملة بحلول عام 2040، ولا شك أن هذا الأمر يؤشر على الازدهار المرتقب للطلب المحلي في الأسواق الأفريقية، والذي يشمل قطاعات حيوية أبرزها البنية التحتية، والطاقة والأغذية والمشروبات والأدوية، والخدمات المالية والرعاية الصحية والتعليم، كما أن هناك توقعات بقدرة الصناعات الأفريقية، وبخاصة قطاع السيارات، على مضاعفة الإنتاج إلى نحو تريليون دولار في غضون عشر سنوات. يقيناَ، فإن لدى المستثمرين العرب، حكومات وأفراد ومؤسسات، فرصة هائلة لكتابة تاريخ جديد في قارة تفتقر إلى بنية تحتية أفضل، إذ تعد البنية المتهالكة والمتخلفة نقطة ضعف رئيسية وعائقاً كبيراً أمام نمو الاستثمارات الأجنبية، فمازال600 مليون أفريقي محرومين حتى الآن من الكهرباء، ولهذا ضاعفت دول القارة الاستثمارات السنوية في البنية التحتية إلى قرابة 80 مليار دولار منذ بداية القرن الحالي، ووفقاً للمؤشرات الحالية والمستقبلية فإنه يمكن تحديد أفضل عشر وجهات استثمارية في أفريقيا، حيث تأتي مصر في المقدمة، ثم المغرب، فجنوب أفريقيا، وكينيا، وراوندا، وغانا، وكوت ديفوار، ونيجيريا، وإثيوبيا، وتونس، حيث تتميز تلك الدول الافريقية في المجمل بارتفاع الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات من خلال قوة استهلاكية هائلة تتجاوز 400 مليون مستهلك، مع توافر بيئة أعمال مواتية، وتشجيع حكومي للاستثمار الأجنبي، وزيادة استثمارات القطاع الخاص لتعزيز النمو الاقتصادي الواعد.

مشاركة :