القرار الذي صدر عند بداية العام الدراسي الحالي، وتم بموجبه تحديد اعتماد نظام الدراسة عن بُعد في جميع مراحل التعليم العام والعالي، تضمن تقييم التعليم في هذه المرحلة بعد سبعة أسابيع من بدايتها ليتم على ضوء هذا التقييم تحديد الشكل، الذي سيكون عليه التعليم في المرحلة اللاحقة من العام الدراسي، ولذلك فقد أعلن معالي وزير التعليم في مطلع هذا الأسبوع أن الوزارة والجهات المختصة أعدت تقريراً عن هذه المرحلة، يتم رفعه خلال الأسبوع الحالي إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب حول التعليم في المرحلة التالية، ولا شك أن هذه الخطوة هي خطوة عملية، وحكيمة، وضرورية، حيث إنها تتضمن أن القرار المرتقب يكون واقعياً ومعتمداً على الأساليب العلمية والإحصائية وقياس مخرجات التعليم في هذه المرحلة، كما أنه سيأخذ بالضرورة الإيجابيات والسلبيات وفرص التحسين الضرورية، لتحقيق أفضل المخرجات في ظل الظروف الحالية، ولا شك أيضاً أننا على ثقة بأن الفريق الذي كلف بهذه المهمة سوف يأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية العليا أولاً، التي تتمثل في سلامة المواطنين عموماً، وفي مقدمتهم أبناؤنا الطلاب والطالبات والمعلمون والمعلمات، وأهمية المحافظة على سلامتهم، وما يمكن أن يتسبب -لا سمح الله- التفريط أو التهاون في ذلك من انتشار الوباء، الذي لا يكاد يخلو بيت من طالب أو طالبة أو معلم أو معلمة، كما سيأخذ الفريق بالاعتبار بالتأكيد الإيجابيات والسلبيات، التي أظهرها أسلوب التعليم عن بُعد خلال هذه الفترة، حيث إنه في الوقت الذي كشفت فيه التجربة عن بعض فرص التحسين اللازمة، فإنها بلا شك كشفت أيضاً عن خبرات وإمكانات مادية وبشرية يمكن تعظيمها والاستفادة منها، خاصة أنها ضرورية في جميع الأحوال، حيث إن المستقبل كما يقول معالي الوزير إن التحول للتعليم عن بُعد هو الخيار الإستراتيجي للمستقبل، علينا أن نعمل من أجله حتى نتمكن من مجارات الدول والأمم من حولنا، التي تتحول بسرعة إلى هذا النوع من التعليم، بل إلى حكومات إلكترونية في جميع المجالات، فهو ليس خياراً إستراتيجياً فحسب، بل خياراً ضرورياً أيضاً لهذه الغاية، وأنه إذا كانت الجائحة قد تضطرنا إلى التعجيل في هذا التحول فإن الأمر الطبيعي أن يكون العمل من أجل ذلك دائماً وصولاً إلى هذه الغاية. وفي الوقت الذي كشفت فيه التجربة عن بعض الثغرات، التي كانت المفاجأة في التطبيق مسببات أساسية لها مثل: كفاءة الشبكة الإلكترونية، وبعض النقص في كفايات بعض المعلمين لممارسة هذا النوع من التعليم، وكذلك عدم تهيئة المقرر الدراسي ومواءمته بما يناسب التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، بحيث يصبح أكثر تفاعلية وأكثر قبولاً لمشاركة الطلاب والطالبات في الدروس الافتراضية، بحيث لا تتحول الحصص الافتراضية إلى محاضرات يتحدث فيها المعلم دون التفاعل بين المتعلمين، كما قد تكون التجربة قد كشفت عن ضرورة استكمال إجراءات إعداد بنك الأسئلة الإلكتروني لأهمية ذلك في إجراء عمليات التقويم وإتقان التعلم من قبل المتعلمين، وقد تكون قد كشفت عن عدم توافر الأجهزة الذكية والإلكترونية اللازمة لأداء بعض المتعلمين، وهو الأمر الذي يتطلب مشاركة القطاع الخاص مع مؤسسات التعليم ضمن المسؤولية الاجتماعية لتوفير هذه الأجهزة للطلبة والطالبات، الذين لا يستطيعون توفيرها من تلقاء أنفسهم، وقد حصل ذلك بالفعل من خلال جهود مشكورة لكثير من منظمات المجتمع غير مؤسسات عديدة في القطاع الخاص الوطني. وفي الوقت نفسه فقد كشفت هذه المرحلة عن قدرات وإمكانات إبداعية على المستوى الرفيع لدى العديد من المعلمين والمعلمات، بل وحتى الطلبة والطالبات، مما يبشر بأن عملية التحول الإستراتيجي لهذا النوع من التعلم يمكن أن تكون أسرع مما كان متصوراً إذا أحسن توظيف هذه الإمكانات والخبرات لتحقيق ذلك، فعلى سبيل المثال، فقد أمكن للوزارة أن تحشد خلال فترة قصيرة حوالي 23 قناة تعليمية إلكترونية مع منصة "مدرستي" لخدمة الطلاب والطالبات، منها قنوات خاصة للتربية الخاصة، وتكون المرحلة القادمة أيضاً فرصة لزيادة عدد هذه القنوات واكتشاف حلول إبداعية للعديد من المشاكل، التي واجهت التعليم عن بُعد خلال هذه الفترة القصيرة، ومما كشفت عنه هذه المرحلة هو جاهزية الإدارة التعليمية بمستوياتها الثلاثة العليا والمتوسطة والميدانية لإدارة هذا النوع من التعلم بكفاءة وفعالية.. ولا شك أن الفريق، الذي كلف بإعداد هذا التقرير، الذي سيتم بناءً على حيثياته اتخاذ القرار بنوع التعليم في المرحلة القادمة سوف يستفيد من التجارب العالمية في هذا المجال، التي تعددت فيها أنواع التعلم عن بُعد منها التحول الإلكتروني الكامل أو التعليم الهجين، الذي يجمع بين التعليم التقليدي والتعلم عن بُعد تبعا لطبيعة المادة الدراسية والمرحلة العمرية وخصائصها، والاستمرار في بعض الأحيان بطريقة التعلم الوجاهي في المناطق البعيدة، التي تقل فيها كثافة أعداد الطلبة في الفصول أو لا تتوافر فيها شبكة البث الإلكتروني، وسوف يكون من الضروري أيضاً تقييم مخرجات التعلم في هذه المرحلة، وهو ما سيتم في الأسبوعين القادمين كما صرح بذلك معالي وزير التعليم عن طريق تحليل نتائج الاختبارات، التي سيتم إجراؤها في هذه الفترة.. على أية حال فإن التحول الإلكتروني وتوفير مقتضياته المادية والبشرية ليس خياراً إستراتيجياً فقط، بل هو ضرورة ينبغي العمل عليها ليس لمواجهة الظروف الطارئة مثل ظروف هذه الجائحة فحسب، بل لمسايرة المستجدات العلمية والتطبيقية المتسارعة في عالم لا يعرف إلا التغيير المستمر، ولا يكسب فيه إلا مَنْ ينتهز الفرص ويحول السلبيات إلى إنجازات وهو ما نعمل به ونتطلع إليه. والله الموفق.Fahad_otaish @
مشاركة :