يظن أردوغان أنه المفوض بإدارة الإقليم، ورسائله سيئة السمعة التي يرسلها لدول وشعوب المنطقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام قذافي جديد، لا يخلو من جنون العظمة ولا ادعاء الزعامة المفقودة، أردوغان ربما ينسى أن الغرب لم يقم بتصفية قائد من المنطقة إلا المصابين بالمغرور (صدام والقذافي) على سبيل المثال، الذين تصوروا أنفسهم ذات يوم أنهم فراعنة العصر ولم يبق إلا أن يدعوا الألوهية، ويبدو أن أردوغان يسير في نفس الطريق. ما يفعله أردوغان اليوم هو نقض أساس الدولة التركية الحديثة حجرا حجراً، ويهدم شكلها وقيمها التي بنتها منذ مئة عام على أطلال احتلال الحلفاء لنصف بلادهم، وتخليهم عن الفكر العثماني الاستعماري الذي فرضوه على العرب طوال خمسة قرون. وما يحصل في شرق المتوسط ليس سوى مناورات ومخادعات سياسية حتى يسمح له الأوروبيون بالتحرك بعيدا عنهم جنوبا -الدول العربية-، وشرقا -أرمينيا وأذربيجان-، وقبل أن يصطدم أردوغان بالأوروبيين، كان يعلم يقينا أنهم لن يتركوه يتمدد نحو مالطا وقبرص واليونان. وبعيدا عن السياسة وتقلباتها فإن النزعة الاستعمارية والعنصرية التي نسمعها في تصريحات أردوغان وفحيحه الذي نراه في تصرفاته، ليست عبثية، ولا هي كلام يسبق العقل كما يقال، ولا تقف طموحاته عن الاستيلاء على حلب السورية أو الموصل العراقية وطرابلس الليبية، بل إن عينيه على الحرمين الشريفين في نهاية الأمر. ولعل المتفحص في السياسة التركية يجدها تقوم على أربعة محاور. أولا.. التصعيد في اتجاه لا تريد الاستمرار فيه مثل الدخول في صدامات صغيرة مع اليونان بينما أنقرة وقواتها هناك في أذربيجان. ثانيا.. المناطق التي تضع يدها عليها وتستقر الأمور لها يتم تبريدها فورا وصرف الأنظار عنها، مثال ذلك الاحتلال التركي لأجزاء من الصومال ومصراتة الليبية والشمال السوري، التي سكت عنها الإعلام وأصبحت نسيا منسيا. ثالثا.. التصعيد الممنهج والمبرمج ضد السعودية ومحاولة تفتيت سمعتها الدولية والعربية والإسلامية، صحيح أن الرياض تبقى قوية وصلبة بل وعصية على أردوغان ومخططاته، لكنه يدير تلك الحرب والخصومة عن قصد وبمساعدة فاعلة من الأموال القطرية وتفاني الإخوان المسلمين ورضا اليسار الغربي. رابعا.. تقديم نفسها كشرطي للمنطقة وحارس أمن إمدادات الغاز إلى أوروبا. النتيجة النهائية التي يسعى إليها أردوغان هي الدفع بالسعودية لتكون دولة فاشلة كما هي سوريا وأن يشعل في أطرافها النيران، وأن يصبح أبناؤها مقاتلين مرتزقة يجول بهم في مناطق الصراع يخدمون أجنداته ويقاتلون خصومه، بينما أبناؤه الأتراك في الملاهي الليلية وأندية الشواذ. نسي أردوغان وهو يصف بعض دول الخليج العربي بأنها دول حديثة وأن مصيرها الزوال -قاصدا المملكة- أن سعوديي اليوم هم أصلب مما يتخيل وأقوى مما يقدر، وأنهم في نهاية الأمر أحفاد عمرو بن العاص وأبي عبيدة عامر بن الجراح وكل الفرسان العرب الذين سحقوا الإمبراطورية الفارسية في العراق والرومانية في بلاد الشام والأناضول. وعليه أن يتذكر أن أجداده المغول الوثنيين الذين قدموا من بلاد الإيغور في أقصى شرق آسيا هم الطارئون على هذا الإقليم، وإذا كان لأحد حق في الأناضول فهم الرومان أجداد اليونان والبلغار، وما تركيا اليوم إلا أراضيهم وموطنهم الأصلي. نحن في الجزيرة العربية لسنا طارئين على هذا الإقليم الذي حكمه أجدادنا الأمويون والعباسيون وأهلنا من آل سعود الكرام منذ 1400 عام وحتى اليوم، وإذا كان هناك من طارئ فهو أنت ليس على المنطقة وحسب بل على القومية التركية، فأنت وأبوك وجدك لستم سوى أحفاد جالية جرجانية استوطنت تركيا للعمل في العتالة ونقل البضائع، وهو أمر تنكره وتحاول الهروب منه. وعندما كانت السلطنة العثمانية تئن من كساحها وهزائمها المتتالية، كان أئمة الدولة السعودية يديرون شبه الجزيرة العربية من أواسط الشام إلى ميناء الحديدة جنوبا ومن جدة ومكة والمدينة المنورة غربا إلى سواحل الخليج شرقا ويطلون على بحر العرب والمحيط الهندي، وإذا كان يعتقد أردوغان أن السعوديين سيلبسون الطربوش ويأكلون البقلاوة فهو واهم وجاهل. نقلا عن عكاظ
مشاركة :