كنت أستمع لبرنامج يتحاور مع مستمعيه حول قضية تبدو مهمة لولا أن المستمعين أخذوا القضية من الزاوية المواعظية التي يجيدها الغالبية، إذ أن إنسان هذا الوطن وما إن يخرج للحياة إلا ويجابه بكم هائل من الوعاظ في كل مكان، بالبيت الأب والأم والعم والعمة والخال والخالة وكل من يكبره سنا سيمارس عليه دور الواعظ، وحين يخرج من البيت للمدرسة سيلتقي بأفراد جدد يحملون نفس خاصية الواعظ، وهكذا يمضي هذا الإنسان إلى أن يصبح واعظا، مع أن بعض القضايا أعقد من أن تناقش بـ«يجب ولا يجب»، وأحدث من أن يحلها «حكماء عاشوا قبل مئات السنين» الذين يستعان بهم لحل مشاكل طارئة وجديدة لم تصادف أولئك الحكماء في حياتهم. كان البرنامج يطرح قضية «الجوال» ولماذا أصبح أهم من كل من حولك وما تملكه، وأن صاحبه لا يسمح بالاقتراب منه، وأن الكل حين يعمل أحدهم حادثا بسيارته ورغم جروحه أول اهتماماته أو مطالبه للمسعفين: «عطني أو وين جوالي»؟ وكان الوعاظ/ المستمعون يتحدثون حول سخافة هذا الطلب، وأن على من عمل حادثا أن يهتم بجروحه وترديد الشهادة إن كانت إصابته خطيرة بدل المطلب السخيف «عطني الجوال». ولم يسأل المذيعان ولا المستمعون ما الأسباب التي تدفع إنسان/ة هذا الوطن لهذا الطلب، وخصوصا أن أحد المتصلين أكد أن وصية أخيه له «إن مت أحرق جوالي»؟ ترى مما يخاف إنسان/ة هذا الوطن، أو هل يخيفه أن يكتشف من حوله إن اطلعوا على «جواله» أنه ورغم كل الوعاظ الذين مروا في تاريخه الشخصية لم يصبح كما يراد له، وأنه إنسان يخطئ ويصيب ولديه فضول كجده وجدته الأولين؟ أم هو بسبب تصويره لمناسبة واحتفال أسرته يخاف أن يسرق «جواله»، فتعرض الصور على «الإنترنت» بطريقة وعظية، وكيف أن هذا الإنسان وأسرته فسقة وفاسدون يحتفلون «بعيد ميلاد»؟ والسؤال الأهم بالنسبة للمقال: ما هذه الحياة إن كان إنسان/ة هذا الوطن فقد الثقة بكل من حوله الذين يحبون لعب دور الواعظ، ولم يتركوا له سوى قطعة حديد صغيرة «جوال» يتقبله كما هو إنسان، رغم أن قطعة الحديد لا تعقل، ولا تعرف ما الذي يعنيه أن تكون إنسانا؟.
مشاركة :