بعد حوال عقدين من شنّ الولايات المتحدة غارات جويّة ضد نظام طالبان الحاكم وبدء ما بات أطول حرب أمريكية في التاريخ، بات موقع هذه الحركة المتمردة أقوى من أي وقت مضى. وأطاح الغزو في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول سريعا بالحركة المتمردة التي وفرت ملاذا لتنظيم القاعدة المسؤول عن هجمات 11سبتمبر/ أيلول 2001 التي قتل فيها نحو 3 آلاف شخص في الولايات المتحدة قبله بأسابيع قليلة. والآن، مع مرور 19 عاما على انهيار نظامها الإسلامي المتشدد، تسعى الحركة المتمردة بقوة للعودة إلى الحكم، خصوصا بعد توقيعها اتفاقا تاريخيا لسحب القوات الأجنبية مع الولايات المتحدة في فبراير/ شباط وإجراء مباحثات سلام حاليا مع الحكومة الأفغانية. وأعرب الكثير من الأفغان عن مخاوفهم من بدء عهد جديد من نفوذ طالبان، وهم يخشون ألا تكون الحركة تغيرت كثيرا منذ أيام حكمها السابق الحالكة التي شهدت قتل نساء متهمات بالزنا ومهاجمة الأقليات ومنع البنات من ارتياد المدارس. وقالت ختيون أحمدي المقيمة في كابول “اتذكر حكم طالبان ككابوس. نحن مرعوبون على مستقبلنا ومستقبل ابنتي”. واسترجعت الأم البالغة 26 عاما مشاهدة أيادي وأصابع مقطوعة في شوارع كابول بعد تنفيذ عقوبة قطع الأطراف بسبب جرائم بسيطة بموجب تطبيق طالبان الصارم للشريعة الإسلامية. ومنح الاجتياح الأمريكي بعض المزايا المتواصلة للشباب الأفغاني، خصوصا الفتيات، وأدى لاعتماد دستور يضمن بعض الحريات بما في ذلك الحق في التعلم. لكن حتى الآن في مباحثات السلام الراهنة في قطر والتي انطلقت الشهر الفائت، لم تدل طالبان بالكثير حول موقفها من بعض القضايا مثل حقوق النساء أو حرية التعبير. وقال زوج أحمدي فارزاد فارنود (35 عاما) وهو باحث في معهد أفغانستان للدراسات الاستراتيجية إنّ تصاعد عنف طالبان منذ الاتفاق الموقع بين الحركة وواشنطن يظهر أنّ المتمردين لم يتغيروا. وقال “هل هذا يخلف آملا لدى الأفغان؟ لا، ليس كذلك”. وكمراهق، شهد فارنود مقاتلي طالبان وهم يرجمون امرأة حتى الموت وكذلك جلد متهمين في ستاد كابول. واضطرت أسرته لإخفاء هوائي تلفازهم الأبيض والأسود في شجرة حين منعت طالبان الموسيقى والترفيه. وأكد الأب الشاب “كل الإنجازات التي حققناها خلال الـ18 عاما الماضية لم تكن موجودة خلال عهد طالبان”. وفي بيان صدر الثلاثاء، زعمت طالبان أنّ الولايات المتحدة “رفضت بتعجرف” دعواتها للجوء إلى الدبلوماسية في 2001، وشنت “غزوا وحشيا”. وقالت الحركة، إنّ “أمريكا وحلفائها وتحالفاتها كان بوسعهم، أن يتجنبوا العار وجرائم الحرب بالإضافة إلى الخسائر المادية والبشرية الفادحة”. ورحبت الحركة بالفرصة الحالية التي تؤذن “بحكومة إسلامية ذات سيادة”. وقال ضياء الرحمن وهو مقاتل سابق حارب القوات الأجنبية والحكومة الأفغانية لأربع سنوات لوكالة فرانس برس إنّ طالبان تسعى “لتأسيس نظام إسلامي”، حتى لو كان دستور البلاد يعطي خصوصية للدين. وأوضح “ليس لدينا مشكلة مع تعليم الفتيات أو عمل النساء لكن عليهن أن يرتدين الحجاب”. وكان انخراط الولايات المتحدة في أفغانستان صعبا ومؤلما لواشنطن، إذ كلفها أكثر من تريليون دولار وأسفر عن مقتل نحو 2400 جندي في حرب وصفها البنتاغون بالمأزق. وفي الدوحة، يكافح مفاوضو طالبان والحكومة الأفغانية للاتفاق على تفاهم مشترك في عدد من القضايا المختلفة قبل حتى وضع جدول أعمال للتفاوض، في محادثات قد تستمر لسنوات. وقال بعض النواب الأمريكيون إنهم سيعارضون أي اتفاق يعجز عن حماية حقوق النساء والاقليات، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكّد أن بلاده لا يعنيها كثير نتيجة الاتفاق “المتروك للأفغان”. وقال جاويد رحماني، وهو موظف أمني يبلغ 38 عاما في كابول، إنّ الانسحاب الأمريكي سيؤدي حتما إلى سيطرة طالبان على أفغانستان. وأفاد “هذه ليست مباحثات سلام لكن اتفاقا لتسليم الحكومة المقبلة لطالبان”. وتابع أنّ “الناس أكثر سعادةً بما لديهم الآن مهما يكن مقارنة بعهد طالبان المظلم”.
مشاركة :