ارتفعت أسعار النفط الخام مدعومة بخمسة عوامل إيجابية تتصدرها حالة التفاؤل في الأسواق مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد خروجه من المستشفى، حيث تلقى علاجا من فيروس كورونا، كما يدعم صعود الأسعار الآمال الخاصة بالاتفاق على حزمة تحفيز اقتصادي أمريكية لمواجهة تداعيات الجائحة. كما تتلقى الأسعار دعما آخر من إضراب العمال في حقول النفط والغاز البحرية في النرويج، وإخلاء منصات الحفر في الخليج الأمريكي بفعل اقتراب عاصفة "دلتا"، التي تحولت إلى إعصار، ويضاف إلى العوامل الداعمة للأسعار أيضا تخفيضات الإنتاج التي تطبقها مجموعة المنتجين في "أوبك +" بمستوى امتثال يتزايد تدريجيا. في المقابل، يكبح المكاسب السعرية المخاوف على الطلب جراء التنامي السريع للإصابات بفيروس كورونا في مختلف دول العالم، والشكوك المحيطة بتعافي الاقتصاد العالمي في ظل تخمة المعروض واستمرار بناء المخزونات النفطية، خاصة في الولايات المتحدة. وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، إن وضع الطلب المتدهور على النفط يضغط بقوة على الأسعار، على الرغم من العوامل الداعمة الجديدة المرتبطة بالإعصار والإضراب في النرويج وعودة ترمب إلى البيت الأبيض، لافتين إلى وجود كثير من السلبيات التي تضرب السوق في الوقت نفسه مع استمرار انخفاض الإمدادات بسبب نقص عمليات الحفر الجديدة، ما يؤثر في أمن العرض على المدى الطويل. وأوضح المختصون أن التجار يستأجرون مرة أخرى ناقلات النفط العملاقة بأعداد كبيرة لتخزين النفط الخام، حيث إن صهاريج التخزين البرية ممتلئة، مؤكدين أهمية الدور السعودي المؤثر في علاج فائض المخزونات، من خلال الحد من الشحنات إلى الولايات المتحدة لتقييد العرض ودعم تسريع الطلب على النفط الخام. وذكر سيفين شيميل مدير شركة "في جي آندستري" الألمانية، أن الأسعار مرشحة لمكاسب جيدة هذا الأسبوع في ضوء توقع التوافق على خطة التحفيز الأمريكية وتأثير الإعصار الجديد في تعطيل الإنتاج وتقليص وفرة الإمدادات في السوق، إضافة إلى التطمينات الخاصة بصحة الرئيس الأمريكي وقرب تعافيه. وأوضح أن انفراجة السوق تأتي في توقيت مهم بسبب الضغوط السلبية المقابلة، أبرزها الارتفاع الأخير في معدلات الإصابة بفيروس كورونا على مستوى العالم، وهو ما ينذر باستمرار ضعف الطلب على النفط حتى العام المقبل، خاصة في ضوء صعوبة تعافي قطاع الطيران وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين ذوي الأجور المرتفعة في هذه الشركات. من جانبه، قال روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، إن الصورة ليست بالكامل قاتمة فيما يخص الطلب العالمي على النفط الخام، حيث إن هناك مؤشرات على أن واردات الصين من النفط تعود ببطء إلى المستويات الطبيعية، لكن الوضع في الهند ما زال مقلقا بسبب ارتفاع الإصابات بوتيرة شديدة السرعة، كما يضاف إلى أعباء الطلب اقتراب موسم صيانة المصافي، حيث ينخفض حجم استهلاكها من النفط الخام خلال فصل الشتاء. وأشار إلى أن أغلب الاقتصادات في الولايات المتحدة وأوروبا تسعى حثيثا إلى تجنب سيناريو الإغلاق الثاني، لكن الإصابات الجديدة تضع الحكومات في مأزق كبير حول المفاضلة بين الصحة العامة والمحافظة على الوظائف وبقاء عجلة الاقتصاد مستمرة بالدوران. من ناحيته، أكد ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن تحسن صحة ترمب بثت أجواء إيجابية في السوق، وأدى إلى ارتفاع أسعار النفط من أدنى مستوى في ثلاثة أسابيع، وعزز المكاسب السعرية إضراب عمالي في النرويج تسبب في خفض الإنتاج بنحو 330 ألف برميل يوميا بعد خلاف بين أصحاب العمل والموظفين حول الأجور. ولفت إلى أنه في المقابل توجد ضغوط واسعة بسبب تجدد وفرة المعروض في الأسواق بعد ارتفاع الإنتاج الليبي إلى نحو 300 ألف برميل يوميا في أعقاب الهدنة بين الفصائل المسلحة في البلاد، كما حدثت زيادات في إنتاج العراق في أيلول (سبتمبر) الماضي على الرغم من إعلانها الدعم المستمر لاتفاق خفض الإنتاج الذي ينفذه تحالف "أوبك +"، وهو ما أدى بشكل إجمالي إلى بقاء أساسيات السوق ضعيفة وارتفاع إنتاج "أوبك +" وسط حالة من ضعف الطلب، ما قيد فرص تحقيق مكاسب وارتفاعات في أسعار النفط الخام. بدورها، قالت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، إن ضعف مؤشر الدولار يقدم دعما إضافيا لأسعار النفط، مبينة أن الآمال تتعلق بخطة التحفيز الأمريكية، التي تبلغ قيمتها 2.2 تريليون دولار، حيث ما زالت الخلافات الحزبية تعطلها، لكنها أصبحت ضرورية في ظل الأعباء الواسعة الناجمة عن الجائحة. وأضافت أن "أوبك +" تكافح لاستعادة التوازن في سوق مليئة بالاضطرابات المستمرة، خاصة مع ارتفاع مخزونات النفط الخام في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، إلى جانب الزيادة الحادة في الإنتاج من إيران وليبيا، تحول دون استمرارية المكاسب الواسعة التي يتطلع إليها المنتجون للمحافظة على موازنات قوية، مشيرة إلى أن الصين لا تزال تشتري النفط، لكن الوتيرة بطيئة نسبيا، كما تعمل المصافي بأقل من 80 في المائة من طاقتها. وفيما يخص الأسعار، صعد النفط بفعل مخاوف من تضرر مصافي التكرير من عاصفة تتكون في خليج المكسيك، فيما استمد المشترون بعض الطمأنينة من عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد علاجه من مرض كوفيد - 19 في المستشفى. وزادت الأسعار على نحو طفيف بعد المكاسب التي حققتها أمس، عندما صعدت بأكثر من 5 في المائة، بعد أن هدأ إعلان ترمب عودته إلى البيت الأبيض قلق المشترين، وكذلك بفضل آمال بشأن اتفاق على حزمة تحفيز أمريكية لمواجهة تداعيات الجائحة. وبحسب "رويترز"، فإنه بحلول الساعة 07:10 بتوقيت جرينتش، زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 36 سنتا، أو نحو 0.9 في المائة إلى 39.58 دولار للبرميل. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 25 سنتا أو 0.6 في المائة إلى 41.54 دولار للبرميل. وتراجعت أسعار النفط بشدة بعد دخول ترمب المستشفى الجمعة الماضية، حيث سادت حالة من الضبابية بين المستثمرين القلقين بشأن ما سيحدث في الولايات المتحدة، التي تترقب انتخابات رئاسة في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر). لكن مع تبدد هذه الضبابية، سادت السوق مخاوف بشأن المعروض بعد إضراب عمال آخذ في الانتشار في النرويج، تسبب في إغلاق ستة حقول نفط وغاز بحرية، وإخلاء منصات نفط في خليج المكسيك، حيث تتجه العاصفة الاستوائية "دلتا" صوب سواحل لويزيانا وفلوريدا. في غضون ذلك، نمت الآمال بشأن حزمة دعم اقتصادي يوافق عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، حيث تحدثت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي، مع ستيفن منوتشين وزير الخزانة، أمس . من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 39.08 دولار للبرميل أمس مقابل 38.09 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، إن سعر السلة الذي يضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة، حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق، كما أن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 41.61 دولار للبرميل.
مشاركة :