عنـاويـن الكتب المخـادعـة تسـتخـف بعقـول القـراء

  • 10/7/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود انتشرت مؤخراً العديد من الأعمال الروائية والكتابات السردية تحمل عناوين تتعدى حد الإثارة إلى الصدمة، وهو الأمر الذي ربما لا يلفت فقط نظر القارئ وانتباهه؛ بل قد يحرضه على اقتناء العمل؛ من أجل إشباع فضوله في معرفة ما يحمله النص صاحب العنوان الغريب؛ لكن المفارقة في كثير من الأحيان تكمن في أن القارئ يكتشف أن النص لا علاقة له بالعنوان؛ بل ولا يحمل ذات الإثارة والتشويق؛ أي أن الأمر مجرد خدعة، وهو الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى اتهام بعض الكتّاب بالتعامل مع كتاباتهم ك»منتج تجاري»، يسعون نحو تسويقه. «الخليج»، وضعت سؤال العناوين البراقة أمام عدد من كتّاب الإمارات؛ من أجل الإحاطة بهذا الموضوع الذي يبدو بسيطاً؛ لكنه شائك. الروائي علي أبو الريش، يرى أن موضوع العنوان البرا ق يرتبط بسيادة ثقافة الاستهلاك، ويعبر عن العصر الذي أصبحت فيه الأشياء عبارة عن منتجات تجارية يسعى صاحبها للترويج لها، بما في ذلك الإبداع، وهو أمر مؤسف أن يصبح الأدب ضمن البيع والشراء، ويرى أن العنوان يجب أن يعبر عن المضمون والنسيج الداخلي للنص الروائي، فهو يأخذ أهميته من أهمية الموضوع نفسه. وشدد أبو الريش على أن الناس يعيشون في عصر الهشاشة، فالأعمال الروائية التي تحمل عناوين مبتذلة، هي فقط من أجل إثارة القارئ، وهو أمر يحدث تحت مسمع ومرأى دور النشر، فالقارئ صار يمر على المؤلفات وكأنه يمر على «فترينات» العطور والملابس وبقية السلع الاستهلاكية. وأكد أبو الريش أن هذا الاتجاه السائد في كتابة «العنوان»، سيسقط، كما سقطت الكثير من النظريات في الأدب التي أثبتت فشلها، فهي وليدة مرحلة وستنتهي، ويقول أبو الريش: «إن الإمارات تقود مرحلة تنويرية، ويجب على دور النشر أن تنتبه وتمارس دورها التنويري، فهذه قضية ثقافة». قضية شائكة ومن جانبه، أكد الروائي حارب الظاهري، أن قضية العنوان، شائكة جداً، فهو من المفترض أن يكون جزءاً من المتن الروائي لا ينفصل عنه، أما الإيحاء الذي نراه في بعض العناوين الصادمة فهو مجرد غش لا يحترم القارئ ولا فكرة الثقافة، فالعنوان إما أن يؤخذ من فكرة الرواية وإما أن يشير إليها. وشدد الظاهري على أن العمل الروائي هو إبداعي في المقام الأول؛ لذلك فحتى الغلاف يجب أن يأتي منسجماً مع روح الرواية وموضوعها؛ لذلك فإن توظيف عنوان يستهدف البيع والتسويق هو كارثة كبيرة، ومما يساعد في تفشي مثل هذه الظاهرة أن الكثير من دور النشر قد صارت تجارية، ولابد من توفر مؤسسة تراقب مثل تلك الظواهر التي تسيء للأدب. الروائية أسماء الزرعوني ذكرت أن بعض الكتّاب مؤخراً صاروا يستهدفون الشهرة؛ لذلك يختارون العناوين التي تثير الفضول، بينما يكون المحتوى فارغاً لا يشير إلى شيء، وتحكي الزرعوني عن قصتها مع رواية كُتب على غلافها «الطبعة 45»، وقد ظنت لأول وهلة، أن تلك الرواية قد طبعت 45 مرة، وعندما طالعتها وجدتها مجرد رواية بلا محتوى حقيقي، وتقول الزرعوني: «بعض دور النشر تتلاعب بالقرّاء ولا تحترم عقولهم، فهي تهتم فقط بالإثارة من أجل التسويق». وذكرت الزرعوني أن بعض الروايات لا يبقى منها شيء في ذهن القارئ إلا عنوانها المثير، بينما يتوارى النص والكاتب في النسيان، وقد ساعد انتشار وسائل التواصل في رواج مثل هذه العناوين، فبعض الكتّاب يتخذون منها منصة إعلان لمنتج خاوٍ تماماَ ينتمي لثقافة «التيك أواي». العتبة الأولى الكاتبة فتحية النمر أكدت أن عنوان الرواية هو العتبة الأولى نحو النص الروائي، فهو في غاية الأهمية، ويعبر عن التقاطة ذكية من المؤلف، وهذه البراعة في عملية الالتقاط الحساس الجيد، تختزل المتن الروائي وتحدد معالمه ومساراته وأبعاده؛ ولذا فعلى العنوان أن يكون مطابقاً للنص، معبراً عنه منذ البداية وليس مجرد اسم عفوي هامشي تم اختياره فقط؛ لأنه رنان، وعلى الكاتب المبدع أن يجتهد كثيراً في إيجاد العنوان فهو أول التحديات الفنية في عملية كتابة الرواية، ومن الملاحظ أن بعض العناوين هي السبب الأول في افشال النص؛ وذلك عندما يكون بعيداً وغير معبر عنه بشكل كامل، إما لأن المؤلف، فشل في إيجاد ما يعبر عن نصه بشكل سليم أو أنه يعرف أن العنوان فارغ ولا معنى له ولا علاقة له بنصه؛ لكنه وضعه متعمداً فقط؛ ليجذب القرّاء ويكون حينذاك فخاً ومقلباً. وشددت النمر على ضرورة أن يفهم الكاتب جيداً أن القارئ ذكي جداً، وعندما يعمد هو إلى اصطياده بهذه الطريقة، فلن يصدقه في المرات التالية وسيشك فيه، وهنا سيخسر قراءه الحقيقيين الذين يعُول عليهم من أجل حفنة متوهمة من القرّاء لا يعول عليهم، وتشير النمر إلى تجربتها الشخصية في الكتابة، فهي لا تكتب نصاً روائياً قبل أن تكون قد أعدت العنوان سلفاً، ثم تأتي بعد ذلك الرواية، وربما تلجأ إلى تغيير العنوان إذا وجدت ما هو أفضل في التعبير عن النص. وتشير النمر إلى أن ضرورة الاهتمام بالعنوان، لا ينطبق على الرواية فحسب؛ بل حتى على القصة والمقال وأي موضوع فني آخر، فالاسم مهم جداً، وهو الذي يساعد الكاتب في السير في طريقه بسلاسة ويسر، ويفتح له الكثير من المغاليق، فهو قد أخذ فكرة عامة ومختصرة عن نصه؛ لذا فهو لا محالة سيستعين بالاسم الذي سيعيده إلى مساره الصحيح كلما زل أو ابتعد، فهو دائماً يقارن ما يكتب بالعنوان عند كتابته العمل الفني، أما بدون الاسم فهو كالسائر في ليل الصحراء دونما بوصلة. أروقة النص الكاتبة فاطمة محمد الهديدي، ذكرت أن هنالك فرقاً بسيطاً بين الجاذبية والإثارة، فعلى الكاتب أن يتخير العنوان الذي ينتمي للنص، وفي السابق كان الناس يقولون: «الكتاب يقرأ من عنوانه»، فالعنوان هو المفتاح الأول للتأويل، والعامل الحقيقي الذي يمهد لنا الدخول في أروقة النص، فهو في بعض الأحيان يعد جزءاً أساسياً من النص، وفي أحيان أخرى هو نص كامل قائم بذاته له وظائفه وتطلعاته التي يهدف أو يسعى النص إلى تحقيقها، لكن هذا لا يعني أن تكون للعنوان خصوصية مستقلة عن النص. وذكرت الهديدي أن صاحب النص له أهداف عدة من العنوان، يترتب عليها اختياره، منها ما هو للتأثير إن كان فكرياً، أو معرفياً، ومنها ما هو للتسويق، وبعض دور النشر تتدخل في اختيار العنوان، ويسعى المؤلفون إلى تحقيق وظائف العنوان ودلالاته؛ لذلك هم أحياناً يختارون عناوين رمزية، أو إيحائية غير مباشرة تستنبط من موضوع فرعي في النص، وقد لا ترتبط بالمتن بصورة مباشرة، وأحياناً يعتمدون عناوين أقل أهمية ربما من النص، أيضاً هناك العناوين الساخرة التي تأتي عكس مضمون النص؛ بهدف استفزاز المتلقي. ولفتت الهديدي إلى انتشار العناوين الشكلية السهلة في الآونة الأخيرة، فهي تعتمد على الإثارة وتستهدف جذب القارئ من دون هدف في النص، وهنالك روايات نفدت الطبعة الأولى منها على الفور؛ ذلك لأن ما أثار القارئ هو العنوان فقط.

مشاركة :