فجرت قضية "جيسي جليسنجر" عام 1999 مأساة أخلاقية نتيجة تضارب المصالح غير المقبول في الولايات المتحدة، والذي جاء على أثرها تفعيل آليات متعددة لتنظيم وتصنيف وضعيات تضارب المصالح في مجال الطب، حفاظًا على مصلحة المريض وتحقيقًا لسلامته. حيث يروى "Brooke Schmidt" أحد المتخصصين في مجال تنظيم تضارب المصالح في مقالته 2010 حول تنظيم تضارب المصالح المؤسسي والفردي، قصة جليسنجر الذي كان ضحية ثقافة سلبية تعمدت عدم التعامل مسبقًا مع وضعيات تضارب المصالح، مما أدى إلى تحقيق أشخاص مكاسب مالية على حساب مصلحة المرضى. فقد كان جيسي جليسنجر ذو الـ18 عشرة عامًا، أحد المشاركين في الدراسات السريرية التي أجرتها جامعة بنسلفانيا، والذي خضع لتجربة الحقن الجيني، حيث كان غليسنجر يعاني من نقص "الأورنيثين ترانسكارباميلاز"، الذي بدروه يؤثر على كفاءة الجسم فى التخلص من الأمونيا، وعلى الرغم من أن غليسنجر كانت حياته مهددة، ونسبة شفائه منخفضة، إلا أنه تم التعامل مع حالته من خلال اتباع نظام غذائي وعلاجات ذات نسبة منخفضة من البروتين، حتى أن التحقيقات كشفت أنه كان يتمتع بعدها بحياة صحية وطبيعية. وقد جاءت دوافع جليسنجر للمشاركة في التجربة، أملًا في التخلص من نظامه الغذائي المقيد له طيلة حياته، وأن هذه التجربة ستفيده في الحصول على بديل علاجي آخر يحقق له الشفاء. ولذلك بدأ جيلسنجر في الخضوع للتجربة، ولكنه ظهرت على الفور مشاكل صحية، تفاقمت بعد حقنه بالعلاج الجيني، مما أدى إلى أصابته بحمى شديدة وألم في البطن، وبحلول صباح اليوم التالي أصيب بفشل كبدي حاد وتجلط الدم، أدى إلى دخوله في غيبوبة. الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته الصحية أدى إلى إصابته بالسكتة الدماغية، ومفارقته للحياة. الأمر الذي أدى إلى ابلاغ السلطات الفيدرالية الأمريكية، للبدء في التحقيق التي افترضت في البداية أن وفاة جليسنجر كانت بسبب خطأ طبي، لكن ما لبثت هذه التحقيقات أن تغيرت بعد أن اكتشفت السلطات وجو تضارب المصالح الفردي والمؤسسي التي اشترك بها أفراد في لجان التحقيق في الجامعة من ناحية، ورئيس الجامعة والمسئول عن التجربة وشركة تجارية من ناحية أخرى. وبعدها أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أن حالة جليسنجر لم تكن تسمح لخضوعه لهذا النوع من التجارب، ولم يقف الأمر عند ذلك فحسب، بل اكتشفت التحقيقات أن المحققون في لجان التحقيقات انتهكت قواعد إدارة الدواء والغذاء الأمريكية التي تقوم على اهمية الابلاغ الفوري بالحالات المتضررة للمرضى الخاضعين للتجارب السريرية قبل خضوع جليسنجر، غير أنه تم التلاعب في الوثائق وتغيير بيانات المرضى المشاركين وحذف المعلومات المتعلقة بوفاة الحيوانات التي خضعت للتجارب السريرية للحقن الجيني. ناهيك عن المخالفات المؤسسية التي اكتشفتها السلطات المحققة عن تضارب المصالح التي لم يتم تنظيمها، وتزوير التقارير المقدمة لإدارة الدواء والغذاء حول نتائج التجارب السريرية، كما تم اكتشاف أن كل من مدير المعهد المسؤول عن التجربة ورئيس جامعة بنسلفانيا كانا مرتبطين بمصالح مالية مصالح مع شركة التقنية الحيوية التي تسوق للعلاج الجيني، حيث استفاد كل من العميد السابق لكلية الطب في الجامعة والمسئول عن البحث والتجربة ماليًا من تسويق العلاج، كما كشفت المزيد من التحقيقات أن الجامعة لم تكن حريصة على إدارة مواقف تضارب المصالح منذ البداية، رغم اعتراف أحد اللجان في الجامعة بوجود علاقات تجارية مع شركة التقنية الحيوية المسؤولة عن تسويق العقار، إلا أنها وافقت على استكمال التجارب والبحث وخضوع المرضى المشاركين للتجارب. على أثر هذه القضية، تم المطالبة بتفعيل لجان تحقيق وتدقيق داخلية في الجامعة للتعامل المبكر مع حالات تضارب المصالح المؤسسية والفردية، والحفاظ على مصلحة المرضى.
مشاركة :