كمال بالهادي شنّ معارضون أتراك حملة على شركة «صادات»، التي يعتبرونها ذراعاً عسكرية مسلحة مخصصة لخدمة الرئيس أردوغان، ولخدمة حزب العدالة والتنمية الحاكم، لإسكات كل الأصوات الداخلية المعارضة، ولتنفيذ الأجندات الإخوانية في المجالات الحيويّة والاستراتيجية التي تتحرّك فيه تركيا. منذ أشهر وأردوغان يزجّ بالمقاتلين «الدواعش» في ليبيا، من أجل دعم الجماعات، والميليشيات التي تعمل على ضمان المصالح التركية في هذا البلد العربي، وبالرغم من أن ذلك يجري أمام أنظار العالم، إلا أنه، لا أحد حرّك ساكناً لوقف عملية إغراق ليبيا بالإرهابيين، بعد أن فعل الشيء نفسه في سوريا. وقف العالم صامتاً أمام جرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان. دعم للإرهاب، وللشبكات الإرهابية، تمويل علني للإرهاب من خلال الإعلان عن أجور المرتزقة الذين يتم نقلهم إلى بؤر القتال، والمساهمة في تهديد السلم والأمن الدوليين. تركيا إذاً، ومن هذا المنطلق، هي فوق المحاسبة القانونية الدولية عما تفعله في أكثر من منطقة. ومن الطبيعي ألاّ تحرّك القوى الغربية ساكناً ما لم يكن التهديد يمسّها، فما دام «الضرب» في الجسم العربي، فلا أحد سيحرّك ساكناً، بل إنّه يختار مشاهدة اللعبة من على الربوة، مع تصريحات من هنا، وهناك، لذرّ الرماد على العيون. فهل سيتواصل هذا الأمر عندما يتعلّق الأمر بأرمينيا؟ المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن تركيا شرعت فعلياً في نقل المقاتلين السوريين، والمرتزقة الأجانب إلى أذربيجان، لدعم القوات العسكرية الأذرية في حربها، وأضاف أنّ هؤلاء المقاتلين تم نشرهم على المواقع الحدودية لإقليم كاراباخ المتنازع عليه مع أرمينيا. ومعلوم أن القضية الأرمنية لديها حساسيّة كبرى، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي، نظراً لجرائم الحرب التي ارتكبت بحق الأرمن، والاتهامات بالإبادة الجماعية في بدايات القرن العشرين، من قبل الإمبراطورية العثمانية، والتي ترفضها تركيا حالياً. الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طالب حلف الشمال الأطلسي ،(ناتو)، بمواجهة تصرفات تركيا، وتجاوزها ما وصفه بخط أحمر عبر توجه مئات المقاتلين من سوريا إلى أذربيجان عبر أراضيها، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستواصل دعم أذربيجان بكل إمكاناتها. وشدّد ماكرون على أنّه يرفض نقل المرتزقة و«الدواعش» إلى بؤرة الصراع هناك، وهو الموقف الفرنسي نفسه الذي أعلن عنه ماكرون عندما بدأت تركيا تنقل جحافل الإرهابيين إلى طرابلس الليبية. سفير أرمينيا في موسكو قال إن تركيا أرسلت نحو 4000 مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان وإنهم يقاتلون هناك. وقالت أرمينيا أيضاً إن خبراء عسكريين أتراكاً يقاتلون إلى جانب أذربيجان في ناجورنو كاراباخ، وهي منطقة جبلية منشقة عن أذربيجان يديرها منحدرون من أصل أرميني، وإن أنقرة قدمت طائرات مسيرة، وطائرات حربية. كل هذه التصريحات تؤكّد أن أنقرة تعيد سيناريو تدخلها في ليبيا في النموذج الأذري، دفاعاً عن حلفائها، إذ تحدثت تقارير تركية سابقاً، عن تكليف أردوغان لشركة «صادات» التي تعتبر جناحاً ميليشياوياً لنظامه، بالتدخل المباشر في ليبيا، لدعم حكومة فائز السراج المعزولة في طرابلس، في مواجهة تقدم الجيش الوطني الليبي، وأن عملية نقل المرتزقة متعددي الجنسيات من الشمال السوري إلى الغرب الليبي تتم عبر تلك الشركة التي توفّر كذلك الضباط الميدانيين، والمستشارين. ويبدو أنّ هذا السيناريو يتكرر الآن، في الحرب الدائرة بين أذربيجان، وأرمينيا. ولكنّ اللافت للانتباه هو هذا التراخي الدولي في مواجهة التحدي التركي، فهل باتت تركيا فعلاً دولة قوية لا يمكن مواجهتها، حتى باستعمال الفيتو، أم أنّ المصالح المتشابكة لدولة عضو في حلف الناتو، تجعلها تتصرّف كقوّة إقليمية لا يمكن ردعها؟ هناك رغبة حقيقية في فتح بؤر صراع جديدة، فشركات السلاح، وشركات مقاولات المرتزقة، تجد في هذه البؤر المتجدّدة، سوقاً واسعة تدرّ عليها أرباحاً طائلة، في ظلّ اقتصاد دولي مختنق، أما الدولة الراعية لهذه العصابات الدوليّة، فهي تجد فيها أذرعاً قوية لبسط نفوذها من دون الحاجة إلى خوض حروب مباشرة، تدرك أنها حروب خاسرة.belhedi18@gmail.com
مشاركة :