بدأ العراق في صرف رواتب الموظفين المتأخرة لشهر سبتمبر جراء أزمة مالية حادة في ظل انهيار إيرادات النفط والاعتماد الشديد على الدعم الحكومي في كافة القطاعات ما يربك الاقتصاد الريعي. بغداد - أعلنت الحكومة العراقية، بدء تسديد رواتب الموظفين المتأخرة، عن شهر سبتمبر بعد موجة احتجاجات واسعة في وقت تظهر فيه مؤشرات إفلاس نتيجة ضخامة فاتورة الرواتب وانهيار أسواق النفط. وجرت العادة على تسديد رواتب الموظفين، بدءا من يوم 15 من كل شهر، إلى غاية 26 من الشهر نفسه، إلا أنه في سبتمبر الماضي، تأخر دفع رواتب الموظفين في الحكومة لأول مرة، بسبب الأزمة المالية. وقالت وزارة المالية، في بيان، إنه “بناء على توجيهات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تؤكد وزارة المالية أن المدفوعات المتأخرة لرواتب القطاع العام عن سبتمبر، سيبدأ تسديدها بالكامل ابتداء من الأربعاء والأيام التالية”. وأضافت الوزارة، أن “الضغط المالي في البلاد، سيستمر في المستقبل المنظور، حيث إن مصدر الدخل الرئيسي للبلاد من صادرات النفط سيتأثر باستمرار الانخفاض العالمي في الطلب والتفشي الهائل للوباء”. وخلال سبتمبر الماضي، بلغ مجموع الإيرادات المالية، من بيع النفط 3.1 مليار دولار، بينما يحتاج العراق لـ5 مليارات دولار، لتغطية رواتب 4.5 مليون موظف في الدولة. وأثار تأخير صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين، لشهر سبتمبر، موجة استياء شعبية واسعة ضد الحكومة. واتهم مواطنون في بغداد، الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد على مدى السنوات الماضية بتدمير اقتصاد البلاد، وتعطيل جميع مصادر التمويل غير النفطية، كالزراعة والصناعة والتجارة. والعراق، ثاني أكبر منتج للخام في منظمة “أوبك” بعد السعودية، بمتوسط يومي 4.6 مليون برميل في الظروف الطبيعية، ويعتمد على الخام لتوفير أكثر من 90 في المئة من إيراداته. ومنذ أكتوبر يشهد العراق موجات احتجاجية مناهضة للطبقة الحاكمة التي اعتبرها آلاف المتظاهرين فاسدة، ما تسبب في استقالة عادل عبدالمهدي، ليحل الكاظمي مكانه في مايو الماضي. والعراق من بين أكثر دول العالم التي تشهد فسادا، وفق مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية. ويواجه العراق شبح الإفلاس بسبب ضخامة فاتورة الرواتب التي يجب أن يدفعها لملايين الموظفين شهريا، في وقت تشهد فيه أسواق النفط اضطرابات كبيرة، ما ينعكس سلبا على استقرار اقتصاد البلاد الريعي. ومنذ 2003 يعتمد العراق على بيع النفط لتسيير شؤون الدولة، فيما تحولت الوظيفة الحكومية إلى قبلة لدى العراقيين بسبب انهيار القطاع الخاص، ما تسبب في تضخم الجهاز الإداري للقطاع العام بشكل مبالغ فيه. ولا يوفر العراق أرقاما رسمية عن العديد من الأشخاص الذين يتقاضون رواتب شهرية ثابتة، لكن تقديرات غير رسمية تقول إن نحو 8 ملايين مواطن، بين مدني وأمني وعسكري ومتقاعد وعاطل، يتقاضون رواتب من الدولة تتراوح بين 400 و3000 دولار شهريا. وأظهرت أرقام غير رسمية عجزا بنحو مليار ونصف المليار دولار في موازنة الرواتب، بعد أن غطت مبيعات النفط الشهر الماضي نحو ثلثي الحاجة المطلوبة. وأجبرت هذه الحقائقُ الحكومةَ على إقرار قانون للاقتراض الداخلي، يسمح بسحب جزء من الاحتياطات الفيدرالية في البنك المركزي العراقي، بشرط موافقة البرلمان. وقال وزير المالية علي عبدالأمير علاوي، الأحد، إن صرف رواتب الموظفين مشروط بتصويت مجلس النواب على قانون الاقتراض. وأوضح علاوي حينها أن “المبالغ ستكون متوفرة في حال وافق مجلس النواب على قانون الاقتراض”، مشيرا إلى أن “قانون الاقتراض مهم جدا لأنه يلبي احتياجات الدولة المالية ويعالج العجز الموجود بالموازنة”. لكن اللجنة المالية في البرلمان صدمت الحكومة برد حذرت فيه من “إفلاس العراق”. الضغط المالي سيستمر حيث أن مصدر الدخل الرئيسي من صادرات النفط سيتأثر بكورونا والانخفاض في الطلب وقالت اللجنة في وثيقة داخلية اطلعت عليها “العرب”، “في الوقت الذي طال انتظارنا فيه بتطبيق الحكومة ووزارة المالية لنصوص قانون الاقتراض المحلي والخارجي الذي أقره البرلمان في الرابع والعشرين من يونيو الماضي، والتي حددت ستين يوما لتقديم خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي، فقد فوجئنا بمشروع قانون اقتراض آخر وكأن عمل وزارة المالية هو الاقتراض فقط”، محذرة من أنه “لو استمر ذلك فسيعلن العراق إفلاسه خلال ستة أشهر من الآن”. وجاء في الوثيقة “ماذا لو انخفضت أسعار النفط أكثر مما عليه هي الآن”. واستغربت لجنة المال البرلمانية، المسؤولة عن مراجعة الموازنة الحكومية العامة، من “محاولة الحكومة رمي الكرة أمام مجلس النواب وتخييره بين الموافقة على اقتراض سيؤدي إلى الهلاك قريبا بإفلاس البلاد والذي ستتحمل نتائجه الأجيال، وبين تصريحات تحاول الضغط علينا بتصدير أنه لا رواتب من دون مصادقة المجلس على ذلك الاقتراض لإحراج المجلس وخلط الأوراق”. وترى اللجنة المالية أن “مسألة الرواتب ليست من مسؤولية السلطة التشريعية وهي من الواجبات الحكومية البحتة ومن بين التزاماتها أمام شعبها”، معتبرة أن “أي محاولة لرمي الكرة على مجلس النواب هي تنصل من تلك المسؤولية ومن بين الالتزامات الواجب على الحكومة القيام بها”. ويقول مراقبون إن الكتلة النيابية التي تمثل المصالح الإيرانية في البرلمان العراقي تحاول استثمار أزمة الرواتب لإبراز فشل حكومة الكاظمي في مهمتها، مستعينة بحشد كبير من وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني. ويتوقع نواب أن ينعقد البرلمان قريبا للموافقة على قانون الإقراض للمباشرة في صرف الرواتب، بالرغم من ممانعة الكتلة الإيرانية، نظرا إلى المخاطر الكبيرة التي قد تترتب على تأخير معاشات الموظفين.
مشاركة :