البحرين مع الكويت الشقيقة.. في السراء والضراء

  • 10/9/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر صدقت يا أبا تمام نعم قلتها .. وأنا وغيري معك في هذا البيت الرصين الذي يأتي معبرا عن الضراء التي أصابت الكويت الشقيقة برحيل أميرها سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله وأكرم مثواه بالجنة. في  يوم الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 اختطفت يد المنون روح المغفور له بإذن الله.. شيخ الدبلوماسية العربية وحكيم العرب أمير دولة الكويت الشقيقة. لا شك أن الأمة العربية والإسلامية بل الإنسانية جمعاء فقدت الأمير الشيخ صباح الأحمد، فقد كان له حضور خليجي مرموق ووجود على الساحة السياسية العربية بل والدولية. الخبرة في السياسة التي استمدها من تجاربه الطويلة التي تمتد أربعين عاما وزيرا للخارجية لبلاده دولة الكويت، احتك خلالها ليس بدول الخليج العربي ودول المنطقة وحدها، وإنما بدول العالم بأسره شرقه وغربه.حينما تفرح الكويت بأعيادها يتردد الصدى في مناحي البحرين ،وحينما تقطر دمعة من عيون الكويتيين تقطر الدموع من عيون أشقائهم البحرينيين، فالبحرينيون مع أشقائهم الكويتيين في السراء والضراء، وأي ضراء تمس الكويت أكبر من رحيل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. إذا كانت البلد لم تعرف الحزن منذ الغزو، فإنها تعرفه اليوم يوم وفاة أمير الإنسانية والسلام أبي ناصر رحمه الله. وأنا إذ أكتب ما يدور في خلدي في هذه اللحظات، لم يكن ذلك من أجل الكتابة في حد ذاتها، وإنما هي مشاعر من خلجات نفسي لا أستطيع كتمانها، تطفو تلقائية من وجداني، حيث كنت قريبا من الساحات السياسية التى كان للفقيد موطئ قدم بحكم موقعه الدبلوماسي والسياسي وبحكم ما كنت فيه من موقع دبلوماسي خلال ما يزيد على ثلاثة عقود مستمرة. وكانت لي معه لقاءات عديدة، ليست خلال وجودي كسفير مقيم بدولة الكويت مدة أربع سنوات فحسب، وإنما حينما كنت سفيرا لدولة البحرين آنذاك في واشنطن، وحينما كنت سفيرا لبلادي في فرنسا ،وكذلك حينما كنت أمينا عاما مساعدا للشؤون السياسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.وكان أولها، ولم تكن لي معرفة بشخصه الكريم رحمه الله حينما كان وزراء الخارجية العرب يجتمعون عندما يحضرون دورة الأمم المتحدة في نيويورك، وقد كنا في الاجتماع وكانت المفاجأة بالنسبة لي حينما فاجأني باسمي بشكل اعتيادي وعلى كامل سجيته وتبسطه: أخ عبد العزيز أي أحسن لك واشنطن أم طهران؟ كانت تلك كلماته الأولى معي ولا تهم الإجابة، ولكن تهم الروح الجميلة لدى المرحوم بهذه المبادرة. كانت الروح الجميلة تعني أن سفير البحرين في إيران عبدالعزيز بوعلي كأنما هو ابن للكويت والعلاقة طبيعية. وتأخذني الذكرى في مواقف عديدة مع الأمير الراحل وإن كنت أنسى فلا أنسى هذه الرابطة الأخوية المتمثلة في العلاقة الأسرية الجميلة بين حكام الكويت والأسرة الحاكمة في البحرين وانعكاس هذه المودة والإخاء على العلاقة الجميلة بين الشعبين الشقيقين البحرينيين والكويتيين. وأذكر فيما أذكر كان المرحوم حينما كان وزيرا للخارجية لدولة الكويت يزور دولة البحرين آنذاك خلال الثمانينيات، وكنا في اجتماع بحضور المرحوم بإذن الله سمو الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وبلا مقدمة بادر  المرحوم الشيخ صباح بالقول يا طويل العمر مخاطبا المرحوم الشيخ عيسى عندكم لاعب تنس ممتاز استطاع أن ينال الكأس في دورة الدبلوماسيين بالكويت، فاستغرب المرحوم الشيخ عيسى وقال من تعني ..؟فرد عليه: سفيركم عبد العزيز بوعلي وكان الرد بكل خفة روح الشيخ عيسى رحمه الله ما يصير كيف كان يلعب بين عميان ...ويعم الضحك القاعة ويسود جو الألفة والمحبة.وأضيف من بعض ذكرياتي من المواقف التي أريد أن أثبتها للقارئ أن روح المرحوم تتحلى بالسجية المطبوعة على المودة وعدم التكلف وبعيدا عن العنجهية والتصنع غير المستحب لدى العموم.كنت ازور سموه رحمه الله بمناسبة نقلي من الكويت وانتهاء إقامتي وكنت حزينا، وبعد أن شكرت سموه والحكومة الكويتية على ما غمرتني به من كرم الإخاء وتسهيل مهمتي الخ.. عبرت عن حزني العميق لمغادرة الكويت، وكان السؤال المفاجئ: وين بيكون نقلك سعادة السفير؟ قلت بكل حزن باريس يا طويل العمر، وكان الرد المفاجئ مرة أخرى الدال على تلك الروح التي يتميز بها تقول انك حزين «تقص» علينا احنا نبغي نروح ثلاثة أيام ما نقدر، ما جعلني أضحك على نوعية التعبير العامي السهل المعتاد بين الأصدقاء الخليجيين.أعتقد أننا جميعا نتفق على انه لو لم تكن هناك مباركة فعلية لهذا الإخاء  الشعبي الجم الذي يربط الكويت بالبحرين من القيادتين البحرينية والكويتية منذ القدم أي أنها موجودة في القمة وتنحدر إلى القاعدة لما نعم الشعبان بهذه الرابطة الشعبية النادرة، وإن كانت ملامحها موجودة في كل دول الخليج العربي نعم، كانت البحرين  حكومة وشعبا أيام الغزو لدولة الكويت تعيش المأساة بكل معانيها، وفي تلك الأيام كنت سفيرا لبلادي في فرنسا، وقد حضر الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد إلى باريس في جولة له تشمل عدة دول أوروبية ليطلعها على ما حدث و حث الدول الصديقة  للاستعداد في المساهمة  لدعم هذه الدول لعملية التحرير، واجتمع رحمه الله بسفراء دول مجلس التعاون في فرنسا  ليضعهم  في الصورة كما نقول. كان المرحوم بإذن الله أول مرة أراه خارج بلاده وفي زيارة رسمية وبدون عباءة بدون بشت، ولم يكن مهتما بهندامه بالشكل الذي كان عليه أيام ما قبل الغزو، إذ لم  يكن  اهتمامه  منصبا على مظهره، وإنما كان فكره كله على ما يحمله من هم كبير ذاك هو تحرير الكويت. أنا لن أستطيع في هذه العجالة  أن أغطي ما لهذا الرجل من كفاح دؤوب في العمل من أجل بلاده والخليج والعرب، فهذا يحتاج إلى كتابة سفر وإنما هي عدة أسطر أحاول من خلالها أن أقول وأعيد القول لن أتمكن من تغطية مناقب المرحوم وعطاءاته لبلاده الكويت والخليج العربي والعرب عموما، ولكني لا بد أن أنوه عن الدور البارز لهذا الرجل طيلة سنوات خدمته  وزيرا وأميرا.. في محاولاته الصادقة لرأب الصدع العربي ومن ثم الخليجي. فقد كان حاضرا بكل قوة لبذل ما بإمكانه للمحافظة على لم الشمل العربي والخليجي، وتلك ميزة حباه الله بها واستحق اللقب بكل جدارة «حكيم العرب».إن ما يصيب أشقاءنا في الكويت من محنة إنما صداها هنا في البحرين والحزن هناك حزن وألم هنا والمسرة هناك سعادة وغبطة هنا. وليس بأيدينا إلا أن نرفع اكفنا إلى الباري عز وجل داعين للأمير الراحل أن يتغمد روحه الجنة ويدخله فسيح جناته مؤمنين بقضائه وقدره،  وان نقول جميعا كما يريد لنا المولى سبحانه أن نقول كمسلمين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.ونحمد الله سبحانه ونشكره أن تمت البيعة بهدوء وسلاسة وسلام لسمو الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح أميرا للدولة خلفا للمغفور له بإذن الله واني لعلى ثقة تامة، وذلك من منطلق معرفتي بسموه الشخصية الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح بأنه سيكون خير خلف لخير سلف إن شاء الله.‭{‬ سفير مملكة البحرين في دولة الكويت سابقا. 

مشاركة :