من بين جميع الأحداث العصيبة المثيرة للجدل لعام 2020 حتى الآن، كانت إصابة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بفيروس كورونا. ومع استمراره في التقليل من خطورة الفيروس، ورفضه ارتداء أقنعة الوجه أو الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي، كانت بالتأكيد مسألة وقت فقط قبل أن يصاب هو ورفاقه المقربون بالفيروس، ويدفعون واشنطن إلى حالة من الفوضى وعدم اليقين.وفي حقيقة الأمر، بدا الإعلان عن إصابة الرئيس الأمريكي والسيدة الأولى ميلانيا بالفيروس وكأنه نتيجة طبيعية لعدم إدراكه لخطورة الفيروس. وحتى الآن يبدو أن انتشار الفيروس بدأ من مساعدة الرئيس «هوب هيكس»، ولكن كانت هناك أيضًا شكوك حول عقد مراسم في حديقة الورود بالبيت الأبيض لاختيار ترامب القاضية الجديدة للمحكمة العليا الأمريكية، والتي أطلق عليها اسم «فائق الانتشار» لكوفيد-19.وفي حين أن إصابة الرئيس الأمريكي بالفيروس ليست كارثة عاجلة، نظرًا إلى المستوى العالي للغاية من الرعاية الطبية المتاحة له، فإن إدارة الأزمة من قبل البيت الأبيض كانت سيئة وفشلت في تهدئة الأزمة، حيث قدم الافتقار إلى التواصل الخارجي الواضح القليل من التفاصيل الملموسة حول حالة ترامب وسمح بانتشار الشائعات. يأتي هذا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث جاء الإعلان عن الإصابة قبل 32 يومًا فقط منها، وفي ظل عدم وضوح أوضاعها المستقبلية.ومنذ بداية الجائحة، حاول ترامب باستمرار التقليل من شأن الفيروس. وفي حديثه، بتجمع انتخابي بولاية أوهايو أواخر سبتمبر، وصفه بأنه يؤثر فقط على «كبار السن الذين يعانون من مشاكل في القلب»، وأنه «لا يؤثر فعليًّا على أحد». ونظرًا إلى قربه من مئات الأشخاص وقراره المتعمد بتجاهل بروتوكولات الصحة العامة، لم تكن نتيجة اختبار فيروس كورونا الإيجابية لترامب مفاجئة مثل الحالات السابقة بين قادة العالم. يقول «ديفيد جراهام»، في مجلة «ذا أتلانتيك»، إن الأخبار «يجب ألا تكون مفاجئة بشكل خاص لأن ترامب كان مهملاً بشأن تدابير السيطرة على الفيروس وحماية صحته منذ شهور».وعلى الرغم من الصدمة القليلة للإعلان، إلا أنه من الواضح أنه يمثل تهديدًا كبيرًا لرئيس الولايات المتحدة. ويشرح «لوري جاريت»، من «فورين بوليسي»، أنه «على الرغم من تصوير ترامب لنفسه على أنه قوي وبصحة جيدة ورياضي، إلا أنه ضمن المجموعة العالية الخطورة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الفيروس». وتضيف «أوغستا سارايفا»، في نفس المجلة أيضًا، أن «إصابة ترامب ربما تمثل أخطر تهديد صحي لرئيس في منصبه منذ محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريجان في عام 1981».وكما هو شائع خلال هذه الفترة الرئاسية، كانت هذه الأحداث دليلا على سوء الإدارة من زوايا متعددة. فلا يزال فيروس كوفيد-19 المنتشر داخل الولايات المتحدة، الذي يُعتقد أنه بدأ مع مساعدة البيت الأبيض، «هوب هيكس»، تاركًا العديد من الأسئلة من دون إجابة. وبعد مرض «هيكس»، في رحلة العودة من تجمع انتخابي بولاية مينيسوتا، أعلن ترامب أنه سيخضع للحجر الصحي الذاتي، لكن يبدو أن هذا الإجراء قد تم اتخاذه بعد فوات الأوان لوقف الانتشار المحلي للفيروس. فيما كان هناك أيضًا ارتباك فيما يتعلق بالجدول الزمني للأحداث، حيث إن موعد أول اختبار إيجابي لترامب بشأن الفيروس غير واضح. وكتب «ديميتري سيفاستوبولو»، من صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن «الجدول الزمني للأحداث أثار مخاوف من أن ترامب ربما يكون قد عقد تجمعًا انتخابيًا وحضر حملة لجمع التبرعات بعد أن علم أنه مصاب بالفيروس».ولا شك أن إدارة البيت الأبيض للأزمة قد زادت من حدتها. وفي هذا الصدد، انتقد «جراهام»، «تهور ترامب»، وكتب أنه كان «غير مكترث لمصلحة الآخرين، ولم يتخذ أي تدابير لحماية مستشاريه السياسيين ومساعديه، ولم يعطهم تفاصيل دقيقة بعد ثبوت إصابته». وحتى بعد رحلته لمركز «والتر ريد»، الطبي لتلقي العلاج، أظهر تجاهلاً متهورًا للسلامة العامة. وتعرض الرئيس لانتقادات شديدة بسبب جولته بالسيارة حول المستشفى في الرابع من أكتوبر، والتي كان من الممكن أن تعرض عملاء الخدمة السرية الأمريكية لخطر الإصابة بالفيروس. ووصف «جيمس فيليبس»، من المستشفى الرحلة على تويتر بأنها «غير ضرورية وجنونية واستعراض سياسي».وتزداد الأمور تعقيدا، مع امتداد الكارثة إلى ما وراء البيت الأبيض؛ حيث أصيب العديد من أعضاء الحزب الجمهوري بالعدوى، من بينهم حاكم ولاية نيوجيرسي السابق، «كريس كريستي»، والسيناتور الجمهوري، «مايك لي». وأشار المحللون إلى الحدث الذي أقيم بحديقة الورود للإعلان عن اختيار القاضية الجديدة للمحكمة العليا الأمريكية، باعتباره حدثًا «فائق الانتشار» للفيروس، وأدى إلى هذه الإصابات الجديدة. ووفقًا لـ«كريستي»، «لم يكن أي من الفريق الذي كان يُحضر ترامب للمناظرة الرئاسية الأسبوع الماضي يرتدي أقنعة أيضًا، لذلك هناك احتمال أن يكون هذا قد أسهم أيضًا في انتشار الفيروس».وإلى جانب سوء الإدارة ومعالجة قضية انتشار الوباء، مازالت هناك أيضًا أزمة كبرى في مسألتي التواصل والشفافية التي يبديها البيت الأبيض. ومنذ ثبوت إصابة الرئيس كان هناك نقص في المعلومات المقدمة بشأن الحالة الصحية له. ووصف «جراهام»، الإدارة الأمريكية بأنها تقدم «معلومات ناقصة ومضللة ومتناقضة». بينما كتب كل من «بيتر بيكر» و«ماجي هابرمان»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «البيانات والرسائل المختلطة من البيت الأبيض أدت إلى تفاقم حالة الشك والريبة وعدم اليقين بشأن وضع الرئيس الصحي». وربما مصدر كل هذه الشكوك هو رئيس موظفي البيت الأبيض «مارك ميدوز». وفي يوم3 أكتوبر قال «ميدوز» للصحفيين: «إن العناصر الحيوية للرئيس الأمريكي خلال الـ24 ساعة الماضية كانت مقلقة للغاية، وأن الـ48 ساعة القادمة ستكون حرجة أيضًا»؛ وجاءت هذه الرواية متناقضة بشكل صارخ مع البيان الرسمي الذي قدمه أطباء المركز الطبي.من ناحية أخرى، كان هناك حالة من الارتباك والتخبط بشأن الإعلان عن طرق العلاج التي تلقاها «ترامب». وكانت هناك روايات متناقضة حول ما إذا كان قد تلقى أكسجين إضافيًا. وزعم كل من «بيكر» و«هابرمان»، أن «ترامب تلقى مزيجًا تجريبيًا من الأجسام المضادة، وخضع أيضًا لبروتوكول علاجي شمل عقار ريمديسفير المضاد للفيروسات طوال خمسة أيام، ويُعتقد أيضًا أنه عُولج بـدواء الديكساميثازون». ووفقا لقولهما، فإن الدواء الأخير يساعد المرضى الذين يعانون من ظروف مرضية شديدة الخطورة جراء الإصابة، لكنه لا يستخدم عادة في الحالات المرضية الخفيفة أو المتوسطة». ومع عدم إعلان البيت الأبيض الكثير من الحقائق حول الحالة الصحية للرئيس، انتشرت التكهنات والشائعات، وكان أكثرها إثارة للجدل تلك التي تطرقت إلى إمكانية تنفيذ ما نص عليه التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، حال عجز الرئيس عن أداء مهامه، ونقل صلاحيات الرئاسة ومقاليدها إلى نائب الرئيس بشكل مؤقت. ومع ذلك فقد عارض مسؤولو البيت الأبيض هذا الأمر حتى الآن. وصرح مستشار الأمن القومي الأمريكي «روبرت أوبراين» بأن هذا «ليس شيئًا مطروحًا على الطاولة في هذه المرحلة».وإلى جانب هذه الأمور كان هناك أيضًا افتقار واضح للقيادة داخل الإدارة الأمريكية في ظل غياب الرئيس. وأوضحت «آني كارني» من صحيفة «نيويورك تايمز»، أن رئيس موظفي البيت الأبيض، «مارك ميدوز»، «لم يقدم أي توجيهات لمساعدي الرئيس حول الكيفية التي يتوقع أن يتصرفوا بها في تلك اللحظة الحاسمة من مرض ترامب». وتضيف أن «عدم وجود أوامر وتوجيهات من قبل «ميدوز» لم يكن مفاجأة لأن موظفي البيت الأبيض أعربوا منذ فترة طويلة عن إحباطهم من طريقة عمله التي تركز فقط على محاولة إحراز نصر لنفسه لإرضاء رئيسه».من ناحية أخرى، أدى انتشار الفيروس في محيط البيت الأبيض إلى ترك مقر الحكومة. وفي مذكرة إلى الموظفين الحكوميين بالبيت الأبيض أرسلها يوم 2/10 نائب رئيس الأركان، تم تشجيع الموظفين على الابتعاد عن مكاتبهم، بينما استمرت جهود تتبع الأطراف التي يشتبه في إصاباتها. وذكر المحللون أن الوضع قد يكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي. وعلق «نيكولاس بيرنز»، مسؤول سابق في «الخارجية الأمريكية» على تويتر: أنه «مع مرض الرئيس وسط حملة انتخابية مثيرة للانقسام، يجب ألا نستبعد احتمال أن تصعد الصين الضغط على تايوان أو تسعى روسيا لاستغلال الموقف في أوروبا الشرقية». مضيفا: «من المهم الآن التوضيح لكليهما بأننا نراقب ومازلنا قادرين تمامًا على ردعهما».وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت هناك أيضًا تداعيات خطيرة جراء إعلان إصابة ترامب، حيث يصعب التكهن بالآفاق المستقبلية للحملات الانتخابية خلال السباق الرئاسي. وكتبت «آن أبلباوم» في مجلة «ذي أتلانتيك»، أن «مرض ترامب ربما سيقنعه بمعالجة المرض بجدية أكبر، ولكن أيضًا ربما ستقنع هذه الإصابة الناس أن ينظروا إليه بتعاطف أكثر». وأوضحت الكاتبة «لوري غاريت»، أيضًا أنه «على الأقل، لم يعد بإمكان ترامب تنظيم تجمعات انتخابية جماهيرية من أجل صحته الشخصية وسلامة الآخرين». وقال «أنتوني زورشر» مراسل «بي بي سي»، إن الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها بشأن عدوى فيروس كوفيد-19 سيجيب عنها قطعًا نتيجة حالة الإصابة ومدى الضرر الذي قد يلحقه الفيروس بالرئيس على صحته وسمعته ومكانته السياسية.على العموم، مع التجاهل الواضح لأخطار فيروس كورونا والقرار المتعمد بتجاهل تدابير الصحة العامة من الإدارة الأمريكية، فإن إصابة دونالد ترامب بالفيروس تحمل احتمالية إعادة النظر في كل ذلك دون أدنى شك. وعلى الرغم من نقص المعلومات الملموسة من البيت الأبيض حول هذه العملية برمتها، فمن المؤكد أنها سيكون لها تداعيات سياسية كبرى. وفي الواقع، هذا السيناريو المحرج يلخص تمامًا الجهل المتعمد للإدارة الأمريكية وللرئيس الحالي لتهديد الوباء مع إصابة 7.4 ملايين أمريكي بالفيروس، ووفاة ما يقرب من 210 آلاف شخص بسببه، حيث تمثل عدوى الرئيس الذروة المؤسفة لانتشاره داخل الولايات المتحدة.
مشاركة :