قمة أممية جامعة عُقدت في الثلاثين من سبتمبر في بيت الأمم المتحدة في نيويورك تزامناً مع اجتماعات الجمعية العمومية حول قضية حيوية تعتمد عليها استدامة حياة الإنسان على وجه الأرض، بل إن كل كائنٍ حي آخر ترتبط حياته مباشرة، بطريقة أو بأخرى مع هذه القضية.هذه القمة كانت تحت عنوان: «التحرك السريع لحماية التنوع الحيوي من أجل التنمية المستدامة»، وقد جاءت الحاجة الملحة إلى تنظيم هذه القمة الدولية، وبهذا المستوى العالي والرفيع من مشاركة رؤساء الدول وكبار المسؤولين بعد أن دقت أجراس الإنذار مُعلنة الانقراض الجماعي للكثير من الكائنات الفطرية الحية في البر وفي الصحاري الكبرى النائية، وفي البحر، في أعماق المحيطات المظلمة، فهناك الملايين من الأنواع من النباتات، والحيوانات، والكائنات الدقيقة التي انقرضت فعلياً، أو انها باتت على أبواب الانقراض، ومهددة بأن تمحى من وجه الأرض إلى الأبد. فقد جاء في «تقرير كوكبنا الحي 2020»، وهو تقييم يُجرى كل سنتين عن حالة التنوع الحيوي على كوكبنا، حيث أفاد بأن التنوع الحيوي انخفض بنسبة تقدر بنحو 68% خلال العامين 1970 و2016. فهذه القمة تُلقي الضوء على الأزمة الحالية الخانقة التي تعاني منها البشرية بسبب تدهور التنوع في الأحياء نوعياً وكمياً، فتركز جلساتها الحوارية على العمل بسرعة وبشكلٍ جماعي مشترك لحماية التنوع والمحافظة على الأحياء التي توشك أن تودع الكرة الأرضية، كما تسعى القمة إلى وضع الآليات والسبل لتفعيل أهداف التنمية المستدامة ذات العلاقة بالتنوع، فهي تُعد فرصة ذهبية نادرة للتحول من الأقوال إلى الأفعال، وذلك تمهيداً لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية التنوع الحيوي الخامس عشر في العام القادم. فحياة الإنسان لا تستقيم ولا تستديم بدون التنوع الحيوي بشقيه النباتي والحيواني والسليم نوعياً والكافي عددياً، فهو كنز طبيعي وثري، وثروة لا يمكن تعويضها للبشرية، وحياة مجتمعاتنا مرتبطة مباشرة بهذا التنوع الحيوي، فدواء الإنسان وعلاجه من الكثير من الأمراض والأسقام المزمنة مصدره الحياة الفطرية النباتية والحيوانية التي تمثل صيدلية عامة تمتلئ بالأدوية والعقاقير الفريدة، وغذاء الإنسان يعتمد على وجود التنوع الحيوي وبكميات تفي باحتياجات الملايين من البشر، والإنسان لا يستطيع أن يبني له سكناً يأويه بدون الرجوع إلى المصادر النباتية والحيوانية، والبشر يرون عطشهم بالماء العذب الزلال من وجود الغابات والبيئات الرطبة، بل إن بعض البيئات، كشجيرات القرم الموجودة على السواحل، تعد بيئة خصبة ومنتجة لتكاثر ونمو الحياة الفطرية البحرية، إضافة إلى قيامها بدورٍ أمني يحمي السواحل والبنية التحتية الموجودة على السواحل من الأمواج الرفيعة والشديدة، ومن الرياح الصرصر العاتية، فيُخفف من وطأتها وشدتها على الناس، وعلى مساكنهم، ومرافقهم وممتلكاتهم الساحلية.والحياة الفطرية النباتية جزء رئيسي من التنوع الحيوي، ولذلك فإنه تزامناً مع قمة التنوع الحيوي في نيويورك، وبهدف تنوير قادة الدول حول التهديدات التي تواجه التنوع الحيوي عامة، والتنوع الحيوي النباتي خاصة، فقد نشرت «الحديقة النباتية الملكية البريطانية» تقريرها السنوي الرابع حول حال النباتات والفطريات على المستوى الدولي (State of the World›s Plants and Fungi). فهذه سلسلة من التقارير السنوية التي تنشرها هذه الجمعية، وتجري تقييماً معمقاً وشاملاً من قبل خبراء علم النبات في العالم لحالة النباتات والفطرية على المستوى الدولي، فتُقدم آخر المعلومات والمستجدات العلمية المتعلقة بالتنوع النباتي والفطري من ناحية الاكتشافات الجديدة، ومن ناحية الأعداد الموجودة حالياً والأعداد المهددة بالزوال من على وجه الكرة الأرضية، إضافة إلى السياسات والاستراتيجيات التي يجب تبينها دولياً لحمايتها، وصيانتها، والمحافظة عليها نوعياً وكمياً. وقد توصل التقرير إلى عدة استنتاجات خطيرة، منها أن نحو 20% من الأنواع يواجه اليوم خطر الزوال من على سطح كوكبنا، وقرابة 40% من النباتات تواجه خطر الانقراض ومهددة بأن تمسح كليا من فوق سطح الأرض.وهناك عدة أسباب أدت إلى هذا التدهور النوعي والكمي السريعين، وعلى نطاق واسع للتنوع الحيوي بشكلٍ عام، وهذه العوامل والأسباب نُعاني منها أيضاً في البحرين على حدٍ سواء. فمن أهم أسباب القضاء على الكائنات الحية هو الفساد النوعي والكمي الذي يلحق بهذه البيئات المنتجة والثرية في البر والبحر من الناحيتين النوعية والكمية. فالبيئة البحرية في البحرين، على سبيل المثال، تُعاني من تعديات كبيرة على حرماتها منذ أكثر من خمسين عاماً، وبالتحديد من عمليات دفن سواحل البحرين التي تهدم كلياً وإلى الأبد وبدون رجعة حياة كل كائنٍ حي نباتي أو حيواني يعيش في تلك المنطقة المدفونة، وهذه المناطق الساحلية عادة ما تكون الأكثر إنتاجاً وحيوية للكائنات الحية في البيئة البحرية، حيث تبدأ السلسلة الغذائية بها فتؤثر على الأحياء في داخل البحر. فعلى سبيل المثال، دمرت عمليات الدفان والحفر البحري مناطق شاسعة وغنية بشجيرات القرم التي تعيش تحت ظلها المئات من الكائنات البحرية، وخاصة الروبيان. وهناك أيضاً في البحر، الصيد الجائر بشتى الوسائل والطرق الشرعية وغير الشرعية، والذي يُعرض الكائنات التجارية لخطر الانقراض، إضافة إلى تلوث المياه الساحلية بالمخلفات السائلة للمصانع ومخلفات مياه المجاري. ومن جانبٍ آخر هناك البيئات البرية التي تتعرض مباشرة لأعمال التنمية والتعمير، فتقلصت مساحتها يوماً بعد يوم، وانخفض نتيجة لذلك تنوع الأحياء فيها، إضافة إلى إزالة غابات النخيل وجفاف العيون العذبة المرتبطة بها، والتي كانت تشتهر بها البحرين ويتغنى بها الشعراء والفنانون، فهذه البيئات الغنَّاء الشديدة التنوع كانت تحتضن مئات الأنواع من الطيور المستوطنة والمهاجرة، إضافة إلى الكائنات البرمائية والبرية. ولذلك جاءت قمة التنوع الحيوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور ومشاركة كل دول العالم لترفع العلم الأحمر أمام هذا التحدي المستمر عقودا طويلة من دون اتخاذ تدابير علاجية ووقائية فاعلة، فتنبه إلى ضرورة العمل المشترك بصفةٍ عاجلة، فالتنوع الحيوي وتدهور البيئة بشكل عام مشكلة متداخلة لها أبعاد كثيرة، كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو جيوتيريش قائلاً: «تدهور الطبيعة ليس قضية بيئية بحتة ولكنه يؤثر على الجانب الاقتصادي، والصحي، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان». bncftpw@batelco.com.bh
مشاركة :