مالت أسعار النفط الخام إلى الارتفاع بفعل عملية إخلاء المنصات النفطية الأمريكية نتيجة إعصار دلتا، الذي دخل خليج المكسيك واستمرار جهود المنتجين في "أوبك+" في تحجيم الصادرات وتقييد المعروض العالمي من النفط الخام. وفي المقابل، يكبح المكاسب السعرية استمرار الإصابات السريعة بفيروس كورونا، ما جدد المخاوف على الطلب العالمي، خاصة مع تعثر التوافق على خطة التحفيز الأمريكية وعودة تنامي المخزونات النفطية. وفي هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن التقلبات السعرية مستمرة في السوق بسبب الأبعاد المتغيرة للجائحة، وهو ما جعل الطلب العالمي متباطئا، وتحيط به الشكوك المتزايدة بشأن التعافي وسط عودة حالات الإصابة بفيروس كورونا في أجزاء كثيرة من العالم. وأضاف أن فرص تحقيق مكاسب سعرية ما زالت محدودة للغاية، وتذهب أغلب توقعات المحللين إلى بقائها حول مستوى 40 دولارا للبرميل حتى نهاية العام الجاري، مشيرا إلى أن الضغوط تفاقمت على الأسعار أخيرا مع استمرار ارتفاع فائض المخزونات العالمية إلى جانب إشكالية تعثر الطلب خاصة مع نهاية موسم القيادة في الولايات المتحدة واقتراب موسم صيانة المصافي في العالم وبخاصة الأمريكية. ومن جانبه، يقول فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة إن الضبابية تحيط بالاقتصاد العالمي في ضوء الارتفاع المستمر للإصابات بالوباء، خاصة في الاقتصادات الأوروبية الكبرى، التي بدأت في إعادة فرض بعض القيود للحد من انتشار المرض ولكن العوامل الإيجابية في السوق باقية وستحول دون تكرار سيناريو الانهيار العظيم، الذي حدث في أبريل الماضي. وذكر أن التقارير والخبراء الدوليين توافق أغلبهم على أن هناك مجالا ضئيلا لتحقيق مكاسب في الأسعار للفترة المتبقية من 2020 حتى إن جرت الانتخابات الأمريكية بسلاسة وفي أجواء هادئة، مشيرا إلى أن تخفيضات إنتاج "أوبك+" والانخفاض في إنتاج النفط الأمريكي قد نجحا في تقديم استقرار نسبي للأسعار. وترى ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية، أن ضغوط الموجة الثانية من الوباء تؤلم نمو الاقتصاد العالمي وتعطله، وتؤدي بالفعل إلى خسارة استهلاك الوقود في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات نحو 10 في المائة دون مستويات العام الماضي. وأشارت إلى أهمية تأكيد منظمة "أوبك" على التمسك بجهود تقييد المعروض النفطي وبذل كل جهد ممكن لاستعادة التوازن ومنع اتساع الفجوة بين العرض والطلب، لافتة إلى أن المنظمة شددت على أن التوصل إلى لقاح فعال للوباء بات ضرورة قصوى وإلا سنواجه سيناريو صعبا للغاية تزيد فيه الشكوك الكبيرة والمخاطر وتتسبب في زعزعة استقرار سوق النفط وتؤثر في وتيرة التعافي الاقتصادي في كل دول العالم. ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، إذ أخلى عاملون في قطاع النفط منصات في خليج المكسيك في الولايات المتحدة قبل إعصار دلتا، بيد أن مخاوف الطلب على الوقود استمرت بفعل تبدد احتمالات إبرام اتفاق تحفيز أمريكي وبعد زيادة في مخزونات الخام الأمريكية. وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 27 سنتا أو ما يعادل 0.68 في المائة، إلى 40.22 دولار للبرميل، بعد أن نزلت 1.8 في المائة، يوم الأربعاء. وزادت العقود الآجلة لخام برنت 31 سنتا أو ما يعادل 0.74 في المائة، إلى 42.30 دولار للبرميل بعد أن انخفضت 1.6 في المائة، الأربعاء. ومع توقعات بأن تزيد شدة إعصار دلتا إلى عاصفة من الفئة الثالثة مع رياح تصل سرعتها إلى 193 كيلومترا في الساعة، قام منتجو النفط مثل "شيفرون" بإخلاء 183 منشأة بحرية وأوقفوا إنتاج 1.5 مليون برميل يوميا من النفط. وينتج خليج المكسيك 1.65 مليون برميل يوميا في تموز (يوليو) بحسب الحكومة الأمريكية. وتضررت المنطقة، التي تشكل 17 في المائة، من إنتاج الخام الأمريكي، جراء عدد من العواصف على مدى الأشهر القليلة الماضية، التي أثر كل منها سلبا في إنتاج النفط لفترة وجيزة. كما تلقت الأسعار الدعم من تعطل محتمل للإنتاج في بحر الشمال بأوروبا بسبب إضراب عمالي في النرويج. وعلى جانب الطلب، تبددت الآمال في ارتفاع آخر للطلب الأمريكي على الوقود، إذ أكد مسؤولون في البيت الأبيض الأربعاء أن مفاوضات التحفيز متوقفة بعد يوم من تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب محادثات بشأن حزمة واسعة النطاق للتخفيف من تداعيات كورونا. وكشفت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأربعاء أن مخزونات البنزين في الولايات المتحدة انخفضت بأكثر من المتوقع الأسبوع الماضي لتبلغ أدنى مستوياتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، كما تراجعت مخزونات نواتج التقطير، لكن إمدادات النفط الخام زادت 501 ألف برميل، إذ ارتفع الإنتاج والواردات. من ناحية أخرى، ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر الأسهم الأمريكية بنحو 200 نقطة أمس، بعد أن سجل مؤشر داو الأربعاء أفضل يوم له منذ شهور، حيث ينتظر المستثمرون تحديثات بشأن مناقشات خطة التحفيز المالي الجارية. وارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 40.45 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 40.33 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الخميس إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث ارتفاع له على التوالي وأن السلة خسرت بضعة سنتات، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، حيث سجلت 40.65 دولار للبرميل.