أمرت محكمة في الخرطوم بإطلاق سراح اثنين من قساوسة الدين المسيحي من رعايا جنوب السودان، اتهمهما جهاز الأمن السوداني بإشعال الفتنة الدينية، وإثارة النعرات بين القبائل والكراهية ضد الطوائف، وبالتجسس بإيعاز من جهات خارجية، وكذا الحصول على معلومات تضر بأمن السودان وتسريبها، وتصل عقوبتها إلى الإعدام، لكنها أدانتهما بتهم تتعلق بالسلامة العامة، وتكوين منظمة إجرامية، واكتفت بمدة الحبس التي سبقت محاكمتهما. واتهم جهاز الأمن السوداني الرجلين، وهما قسيسان يتبعان للكنيسة المشيخية لجنوب السودان، بمخالفة المواد (21، 50، 53، 69، 64، 125) من القانون الجنائي، وتصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، بعد أن اعتقل أحدهما في ديسمبر (كانون الأول) 2014 أثناء خطاب ألقاه في الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالخرطوم بحري، بينما اعتقل الثاني في يناير (كانون الثاني) 2015، ثم جرى تقديمهما للمحاكمة في 19 من مايو (أيار) 2015. وبرأت المحكمة المتهمين من اتهامات التجسس وإثارة الكراهية والنعرات القبلية، وتسريب معلومات تضر بأمن البلاد، واكتفت بإدانة المتهم الأول القس ياد مايكل، ببنود المادة (65) من القانون الجنائي، التي تتعلق بالإخلال بالسلامة العامة، بينما دانت المتهم الثاني القس بيتر ين ريث ببنود المادة (69)، التي تتعلق بإنشاء منظمة إجرامية. وقرر قاضي المحكمة أحمد غبوش الاكتفاء بفترة الحبس السابقة، وأمر بإطلاق سراح المتهمين، وتسليمهما أجهزة الاتصال والكومبيوترات المحمولة الخاصة بهما؛ مما عده ذوو الرجلين أمرًا يستحق الاحتفاء. وقال الدبلوماسي الأميركي ديفيد سبرستيان، المسؤول عن الحريات الدينية وحقوق الإنسان بوزارة الخارجية الأميركية، بعد وصوله السودان الأسبوع الحالي، وبحثه مع مسؤولين سودانيين أوضاع الحريات الدينية في البلاد، لـ«الشرق الأوسط»، عقب شهادته لقرار المحكمة بإطلاق سراح المتهمين، إن الأمر «يستحق الاحتفاء»، بيد أن رجلاً من شرطة المحاكم السودانية منعه من مواصلة إفادته داخل سور المحكمة. من جانبه، قال أحمد صبير، محامي الدفاع عن المتهمين، فور صدور قرار المحكمة، إن الاتهام قدم قضية غير متماسكة، ولا تتضمن بينات «فوق مستوى الشك المعقول، ترقى لإدانة المتهمين، كما قررت المحكمة»، موضحًا أن الحكم شابته بعض العيوب، لكن لأن موكليه تم إطلاق سراحهما فإنهما لن يستأنفاه، وأن المادة 65 لم تكن موجهة في الأصل ضد المتهمين. وكان جهاز الأمن قد ذكر أثناء عملية التقاضي أن المتهم الأول حرض ضد الدولة، ودعا لتقسيم البلاد إلى خمس ولايات في ندوة أقامها بالكنيسة، كما سخر من الإسلام والمسلمين وأساء للرسول الكريم، بينما وصف المتهم الثاني بأنه «كادر سياسي» كان ضمن الفريق الذي شارك في الاستفتاء بجنوب السودان. وقال الاتهام إنه عثر في أجهزة الكومبيوتر التي تخص المتهمين على معلومات وتقارير تفصيلية عن كل ولايات البلاد، وإحداثياتها وتعدادها السكاني، ونسب الأمية وتغطية الكهرباء، ومعلومات مضللة عن أوضاع حقوق الإنسان، والمنهج الخاص بتدريب جهاز الأمن، ومعلومات عن مواقع أمنية واستخباراتية ومعلومات سرية. لكن القاضي برأ الرجلين من الاتهامات باعتماد المواد (21، 50، 53، 64، 125)، وتتعلق بتهم إثارة الكراهية، والتجسس، والحصول على وحيازة معلومات سرية. وقال موضحًا: «اتساقًا بحكم القانون، وحسبما رسخ في عقيدة المحكمة، ليس هناك أي بينة مباشرة تثبت أن المتهمين قد قاما بما نسب إليهما، رغم ما حدده الاتهام من نيابة وأمن وشرطة».
مشاركة :