الشاعر ناقداً - عبد الله الجعيثن

  • 8/6/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

* وجد أعرابي ديناراً ملقى فأخذه فرحاً وذهب به للصائغ وقال: أنقدني به دراهم، قلبه الصائغ ثم قال: هذا زائف من أعطاك إياه، فرد: لصُّ مثلك! تصلح هذه الطرفة لبيان أن النقد يبين المحاسن والمساوئ، ويجلي للقارئ الضعيف مكامن الجمال في النصوص (يفتح بكارة النص) فليس النقد إذن بمعنى الانتقاد. * والمبدعون من الشعراء ناقدون موهبة، الشاعر هو ناقد شعره الأول، يغير فيه حتى يكون أكثر جمالاً خاصة أصحاب مدرسة (عبيد الشعر بزعامة زهير فقد كانوا ينقحون أشعارهم طويلاً وعلى مهل.. * ومن نقد الشعر قول المعري في بيت المتنبي: (يرد يداً عن ثوبها وهو قادر ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد) قال: (أوجبت عليه الصناعة أن يقول: يرد يداً عن ثوبها وهو مستيقظ، فلم يطاوعه الوزن، فلم يخرج عن الصنعة قوة منه وقدرة، فقال (قادر) وهو عكس راقد في الصورة والمعنى، أما في الصورة فهو من جناس العكس، وأما في المعنى فإن الراقد عاجز وهو ضد القادر، فتم له الطباق صورة ومعنى، وهذا من الأفراد الأفذاذ..) * وقال الزجاج في أماليه: سمع بشار قول الشاعر: (ألا إنما ليلى عصا خيزرانة إذا غمزوها بالأكف تلين) فقال: والله لو زعم أنها عصا زبدة لقد كان جعلها خشنة، ألا قال كما قلت: وحوراء المحاجر من معد كأن حديثها ثمر الجنانِ إذا قامت لمشيتها تثنت كأن عظامها من خيزران) * وحين قال بشار: وإذا قلت لها جودي لنا خرجت بالصمت عن لا ونعم قال عالم لغة له: لو قلت: (خرستْ) ناسب السياق فرد بشار ساخراً: وهل أنا أحمق مثلك أدعو على محبوبتي بالخرس؟! * وكان النابغة الذبياني يحكم بين الشعراء في سوق عكاظ وقد ضربت له قبة من أدم حمراء، فيفضِّل وينقد ويعلل، وقصته مع حسان بن ثابت - رضي الله عنه - معروفة.. * لا يعني هذا أن نقد الشعر مقصور على الشعراء، بل هو متاح لكل صاحب ذوق سليم وثقافة واسعة، فقد قيل للمبرد: لماذا تنقد الشعر وأنت لا تقوله؟ فقال: أنا كالمسن أشحذ ولا أقطع..

مشاركة :