لا تزال شخصيته حاضرة بين أوساط المجتمع الحجازي وعلى وجه الخصوص المجتمع المكي، بل إن الرجل على الرغم من تنحيه عن منصبه إلا أن صيته لا يزال يضرب في الآفاق، ليس لأنه وزير الإعلام الأسبق ولكن بسبب دماثة خلقه وتواضعه في التعامل مع محيطه سواء على مستوى الوسط الإعلامي والثقافي أو الوسط الشعبوي المعروف في السعودية.عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام السعودي الأسبق، من مواليد مكة المكرمة عام 1361 هـ- 1942م، ويحمل شهادة البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة الرياض، وشهادة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة برمنجهام - إنجلترا 1970م. جمع الرجل في شخصيته ثلاث مهن متقاربة تكاد تتصل مع بعضها بعضا في حلقة محكمة لا تنفك أبدا، وهي: التربية والإعلام والسياسة، فهذه المهن الثلاث لا يكاد مجتمع مثالي ينجح في النهوض الحقيقي من غير أن تشغل اهتمامه وتركيزه، وكذلك من أجل نجاح مسيرة البناء لأي مجتمع أو دولة بشرائحها واتجاهاتها كافة.تجربة فريدةفي عام 1985م صدر مرسوم ملكي من الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتعيينه سفيرا في تركيا، فعاش تجربة فريدة من نوعها ألقت بظلالها على شخصيته وحياته وتكوينه الفكري والاجتماعي، بل أكسبته تلك التجربة معرفة وإلماما بكواليس العمل السياسي، بعد أن كان يدرك أبعاده من الناحية النظرية وليس من واقع التجربة العملية القائمة على الحسابات الدقيقة وليس على الشعارات الفارغة أو التنظيرات العبثية، حيث وصف السياسة بشكل دقيق «كل كلمة يقولها السفير محسوبة عليه، ويفهم منها أنها معبرة عن بلده، وتحمل رسالة من المسؤولين في بلده سواء صدرت في لقاء رسمي أو خاص، في مناسبة عامة أو اجتماعية».يحكي عنه محبوه ومن عاشروه عن كثب وقرب، أن من أبرز صفاته أنه كان بارا بوالديه، عطوفا شفوقا عليهما، يقوم بشكل دائم على تفقد احتياجاتهما ولو على حساب نفسه ومنصبه وعمله.عاشت وزارة الإعلام تقلبات وقتها وبما أن وزارة الإعلام عاشت تقلبات حادة قبل تقلده زمام الأمور فيها، فقد كانت بين فكي كماشة وبين شد وجذب بين تيار الحداثة الذي كان قد بلغ ذروة قوته، وبين تيار «الصحوة» الذي شهد انتشارا كبيرا في الأوساط الدينية نتيجة الشعارات الحماسية التي يتبناها، حيث تصدر ذلك التيار ورموزه المشهد الفكري بشكل كبير خاصة بعد حادثة جهيمان.إحساس مرهفويتحدث الكاتب الصحفي يعقوب محمد إسحاق عن أهم ملامح وصفات الرجل الذي كما يقول إنه عاينها عن قرب، مشيرا إلى أن الرجل كان شاعرا لا تمنعه مشاغله التربوية والإعلامية والسياسية عن معانقة محبوبته المتمثلة في الشعر، فأصدر في هذا السياق عددا متنوعا من الدواوين، نُشر عدد من قصائدها في الصحف المحلية التي خصصت بدورها مساحات لنشرها بسبب حالة الإعجاب من قبل القائمين على تلك الصحف، إضافة إلى ذلك فإن أسلوبه في الكتابة النثرية أجبر معجبيه ومحبيه على إنزال أعماله مكانتها، فالكلمات التي كان يستخدمها خوجة سهلة وواضحة ولا تقل رشاقة وجمالا عن شعره.ولم يخف الكاتب الصحفي يعقوب إعجابه الكبير بشخصية وزير الإعلام الأسبق، حيث أشار في مقالة تحت عنوان «ملامح شخصية عبدالعزيز خوجة»، إلى أنه عرف الكثير من البشر في الشارع والمدرسة والمقاهي والجامعة والعمل الصحفي والمجالس الأدبية والثقافية فما وجد مثيلا في سمو أخلاقه، فهو شخصية رقيقة، ناعمة، متواضعة، خجولة، خدومة.ويتجاوز يعقوب في كيل صفات المديح وفي وصف الحالة التي يعيشها تجاه شخصية خوجة بالقول «حينما أراه أو يخطر على بالي الدكتور عبدالعزيز خوجة أقول بكل ثقة واطمئنان: هذا ملاك يعيش بيننا».وتعد قصيدة «نذير الفراق» إحدى القصائد الحديثة لعبدالعزيز خوجة، حيث لاقت ترحيبا وقبولا بين الأوساط السعودية المحلية، بل وحتى العربية، فتناقلها عدد من المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام.إحساس الوزير المرهف وحالة العشق التي يبديها نحو الشعر والأدب، لها ما يبررها بشكل واضح، فالرجل وإن كان حاضرا في الجانب السياسي والدبلوماسي، بصفته أيضا السفير السعودى الأشهر في لبنان، حيث كانت بيروت خلال الثلاثين سنة الماضية التي عاشها إحدى المحطات الرئيسية في صقل موهبته الشعرية والأدبية، حيث ربطته ببيروت ذكريات كبيرة سياسية وثقافية، وأصدر قبل ثلاثة أشهر، كتابه «التجربة» الذي استقبلته الأوساط الثقافية العربية بكثير من الترحيب والاحتفاء وخاصة من المثقفين العرب وأيضا السياسيين، حتى بات خوجة واحدا من أهم شعراء المملكة العربية السعودية.سفير وأستاذفالرجل وإن عرف بين أقرانه في الأوساط الدبلوماسية والسياسية، لكن جنوحه نحو الشعر والأدب كان أكبر بكثير في مسيرته من السياسة والجانب الأكاديمي، فقد كان أستاذا في الكيمياء بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وعين عميدا لها ومشرفا عاما على الجامعة بمكة المكرمة، كما درس في جامعة الملك عبدالعزيز، وتولى منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية وقام بأعمال مدير عام جهاز تلفزيون الخليج.إضافة إلى تصدر الرجل مجالس عدة، منها المجلس التنفيذي لمنظمة إذاعات الدول الإسلامية، والمجلس التنفيذي لوكالة الأنباء الإسلامية، وعدد من المؤتمرات الإعلامية إضافة إلى كونه عضوا في مجالس عدة، كما أنه عين سفيرا لبلاده بالإضافة إلى تركيا ولبنان، في روسيا الاتحادية والمملكة المغربية.كل هذه المناصب التي تقلدها خوجة، والتي تبعد عن الشعر والأدب مسافات وأشواط، لم تنسه مطلقا أنه شخصية ذو تركيبة ثقافية وفكرية متنوعة، بل لم تنسه اعتزازه بأنه شاعر مخضرم، اتسم شعره بالعمق والصدق والبساطة، فعلى الرغم من المسؤوليات الكثيرة التي تحملها والمناصب التي عمل فيها فقد بقي مخلصا ومقربا للشعر حتى في أصعب المسؤوليات، وحين أصبح وزيرا للإعلام والثقافة ورغم أن تخصصه الأساسي في الكيمياء وحاصل على رسالة الدكتوراه في هذا التخصص من الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه كان عاشقا للثقافة بكل فروعها، قارئا نهما لتراثنا العربي.وفي نهاية الأمر يكشف لنا الكاتب المصري فاروق جويدة جوانب كثيرة من صفاء الروح وبساطة الحياة والأشياء التي كان يتمتع بها خوجة، مشيرا إلى أنه كان واحدا من العشاق الكبار الذين أحبوا الشعر وأخلصوا له، وما زال حتى الآن يطربنا، وكانت مذكراته بكل ما فيها من الصدق صفحة تضاف إلى تاريخ طويل من النبل والترفع.
مشاركة :