تحقيق: راندا جرجس تنتمي الغدة الدرقية إلى قائمة الغدد الصماء الكبيرة التي توجد في جسم الإنسان، وتقع في مقدمة الرقبة، وتتمثل وظيفتها في إفراز الهرمونات التي تساعد في تنظيم عمليات التمثيل الغذائي والأيض في الجسم، وعلى الرغم من أن مشكلات الدرقية شائعة على الأكثر عند البالغين ويمكن أن تتطور لنشأة أورام سرطانية خبيثة، إلا أنها تتسبب أيضاً في العديد من المضاعفات عندما تصيب الصغار، حيث إن الكسل أو القصور أو فرط النشاط يؤثر في عمل الغدة ويحدث خللاً في مستويات الهرمون الطبيعية التي تتحكم في نمو الجهاز العصبي المبكر للطفل، وتأخر البلوغ وبعض المشكلات التي يمكن أن تترك لديه آثاراً سلبية أو تدمر حياته بأكملها، وفى السطور القادمة يتحدث الخبراء والاختصاصيون عن هذا الموضوع تفصيلاً.يقول الدكتور محمد السيد عركي استشاري الجراحة العامة وجراحة الأطفال إن الغدة الدرقية تلعب دوراً كبيراً في النمو عند الصغار، وتؤثر في جميع خلايا الجسم، والجهاز الهضمي والعصبي، وتساعد في تنظيم الكالسيوم والفوسفات والبوتاسيوم، من خلال إفراز هرمون الثيروكسين في الدم، ويمكن أن تتعرض الدرقية لبعض المشكلات المرضية نتيجة زيادة إفراز هرمونات الغدة، وتسمى هذه الحالة «الغدة التسممية» ومن أعراضها ارتفاع الضغط وعدد دقات القلب، وزيادة حرق الدهون بالجسم، كما ينجم عنها ظهور بعض الحالات العصبية عند الطفل المصاب. خلل الهرمونات يوضح د.محمد أن الغدة الدرقية تفرز هرمونات تشرف وتؤثر في التمثيل الغذائي في جسم الإنسان، وفى حال حدوث أي خلل أو كسل أو نقص في الإفراز، يجعلها غير نشطة بما فيه الكفاية وتنتج كمية صغيرة من هرمون معين أو عدة هرمونات، وتتمثل أعراض هذه الحالة في زيادة الوزن، تكوين الدهون، الخمول، تساقط الشعر، آلام العظام، وتعتبر الفئة الأكثر تعرضاً لأمراض الغدة الدرقية هي الإناث، وسكان المناطق الصحراوية البعيدة عن مصدر الأيودين في البحر.ويضيف: يمكن أن ينتج عن خلل هرمونات الدرقية عند الأطفال أيضاً زيادة نشاطها ويظهر على شكل ارتفاع معدل ضربات القلب، العصبية، نقص الوزن، زيادة التعرق، صعوبة النوم، ارتعاش اليدين، يكون الطفل مزاجياً وعاطفياً وعرضة للبكاء في كثير من الأحيان، والإسهال، ولذلك يشدد خبراء الصحة بضرورة الاهتمام بعمل فحص الغدة الدرقية للرضع، الذي أصبح روتينياً بعد الولادة مباشرة، لتجنب الآثار السيئة لهذه المشكلات. أسباب القصور يشير الدكتور فيبين ميشرا استشاري الغدد الصماء إلى أن حوالي 80٪ من حالات قصور الغدة الدرقية ناتجة عن تلف مناعي ذاتي، وغالباً ما تكون ناتجة عن عوامل وراثية، ولا يستطيع الجهاز المناعي للشخص التعرف عليها وبالتالي يبدأ مهاجمتها بالأجسام المضادة، وينجم عنه التهاب خفيف طويل الأمد في الغدة الدرقية، ويتلف تدريجياً بمرور الوقت ويعوضه استخدام الملح المعالج باليود، وربما يكون سبب القصور نتيجة تناول بعض الأدوية، أو الضرر الإشعاعي الذي يتعرض لمرضى السرطان أثناء جلسات العلاج، أو الاستئصال الجراحي أو الإشعاعي للغدة لعلاج فرط نشاط الغدة الدرقية. وسائل التشخيص يوضح د. فيبين أن تشخيص قصور الغدة الدرقية يتم من خلال الكشف السريري، وملاحظة بعض الأعراض مثل: زيادة الوزن، الخمول، التعب المفرط، انتفاخ الوجه، عدم تحمل البرد، زيادة النعاس، جفاف الجلد الخشن والتهيج، فقدان الذاكرة، تقلب المزاج، قلة التركيز، الإمساك، وعدم انتظام الدورة الشهرية لدى النساء، ولإثبات وجود المشكلة يتم عمل اختبار الدم الكامل، وفحص نسبة الفيتامينات والمعادن ونسبة هرمونات الدرقية. مشكلات مرضية ينبه د. فيبين إلى أن قصور الغدة الدرقية يمكن أن يصيب الأطفال والبالغين، ولكنه يمكن أن يسبب مضاعفات أكثر عند الصغار حيث إنه يؤثر في قصر الطول، انخفاض معدل الذكاء، ضعف الأداء المدرسي، وتجدر الإشارة إلى أن الإهمال في علاج قصور الدرقية يمكن أن يؤدى إلى تدمير حياة الطفل بأكملها، وينجم عنه تعرضه لبعض الأمراض مثل النوبات القلبية، السكتة الدماغية، اختلال وظائف الكبد والكلى، وفى حالات نادرة تكون المضاعفات قاتلة أو الوفاة المبكرة، نتيجة فشل بعض الأعضاء، أو ما يُعرف باسم غيبوبة الوذمة المخاطية. طرق علاجية يلفت د. فيبين إلى أن قصور الغدة الدرقية يتم عن طريق تناول أقراص هرمون الدرقية لتعويض وتصحيح نقص عوز الهرمون في الجسم، ويجب المتابعة بفحص المريض كل ثلاثة أشهر لتقييم كفاية الحالة، حتي يستطيع الشخص أن يمارس حياته دون التعرض لمضاعفات تؤثر في صحته. فرط النشاط يوضح الدكتور باختيار فايز طبيب الصحة العامة أن فرط نشاط الغدة الدرقية عند الصغار يحدث عادة نتيجة انتقال الأجسام المضادة الذاتية عبر المشيمة من الأم إلى الجنين، ويعد الحفاظ على التحكم الجيد في مستويات هرمون الغدة الدرقية الطبيعية خلال فترات الحمل من أهم وسائل الوقاية، حيث إنها تلعب دوراً في نمو الجهاز العصبي المبكر، وهناك العديد من الأسباب الشائعة للإصابة بفرط نشاط الدرقية من بينها «داء جريف»، تضخم الغدة، أما العوامل النادرة فتتمثل في أورام المبيض والخصية، عمليات استبدال اليود للأشخاص المصابين بنقص الحديد، الإصابة بالمرحلة الأولية من قصور الغدة الدرقية، ويتم تشخيص هذه الحالة عن طريق معرفة التاريخ المرضي والكشف السريري للمريض، ويليه إجراء اختبارات لوظيفة الغدة الدرقية، وكذلك التصوير بالموجات فوق الصوتية للغدة الدرقية. مضاعفات ومخاطر ينوه د.باختيار إلى أن مضاعفات الإصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية تتنوع من الدرجة البسيطة التي يرافقها عدم الراحة، إلى الشديدة ويصاحبها بعض المضاعفات مثل: ارتجاف اليدين، فقدان الوزن غير المتعمد، الشعور بالقلق، عدم انتظام دقات القلب، جفاف الشعر وتقصفه بسهولة، التعب، صعوبة في الاستيعاب، توسع العينين، الإسهال، تورّم في قاعدة الرقبة، ضعف العظام وزيادة احتمالية الكسور، بالإضافة إلى احمرار الجلد وتورمه، وخاصة في منطقة السيقان. طرق التداوي يؤكد د.باختيار أن اضطرابات الغدة الدرقية تلعب دوراً هاماً في تنظيم عملية التمثيل الغذائي الأساسية للجسم، ولذلك يجب علاج أي خلل هرموني يستهدفها، وتعتمد طرق التداوي بشكل أساسي على تناول الأدوية المضادة لمشكلات الدرقية، واليود المشع، ومثبطات مستقبلات بيتا، كما يمكن اللجوء للتدخل الجراحي لبعض الحالات في حال وجود أورام سرطانية، بالإضافة إلى الاهتمام بمعالجة الناحية النفسية وفقاً للأعراض اليومية حتى لا تتفاقم الإصابة. اليود المشع تعتمد الغدة الدرقية على امتصاص عنصر اليود الموجود في الجسم لتستطيع القيام بوظائفها وإنتاج الهرمونات، ولذلك فإن أي خلل أو نقص في نسبة اليود تُعرض الدرقية للعديد من المشكلات التي تؤثر في صحة الإنسان، مثل نقص أو فرط نشاط الغدة، وفى بعض الحالات يمكن أن تنشأ أورام خبيثة بين أنسجة الدرقية، ويعتبر اليود المشع أفضل أنواع العلاج التي تستخدم بعد الاستئصال للقضاء على الخلايا السرطانية وتدميرها ومنع انتشارها وتلف باقي الأجهزة والأعضاء، وعلى الرغم من خروج المريض في اليوم نفسه بعد هذه العملية، إلا أنه يحتاج إلى المراقبة والمتابعة من قبل الطبيب المعالج، للتأكد من أن الجسم قام باستخراج كمية اليود التي لم يستطع امتصاصها عبر البول أو البراز أو اللعاب أو التعرق.
مشاركة :