جاءت عطلة العيد الوطني في الصين، أو عطلة الأسبوع الذهبي، هذا العام من ظل كوفيد-19 حيث قام أكثر من 600 مليون سائح برحلات داخلية، ما يدل على الانتعاش القوي للصين من الجائحة، وهذا سيعزز بدوره الانتعاش الاقتصادي العالمي. نفدت جميع تذاكر القطارات، وكانت هناك صعوبة في إجراء حجوزات الفنادق، وازدحمت الطرق السريعة بالمركبات: فقد استطاع ملايين الصينيين أخيرا الاستمتاع بعطلة تمتد لأسبوع دون القلق بشأن الحجر الصحي والاختبارات وغيرها من القيود على تحركاتهم. إن احتواء الصين الناجح للفيروس يطمئن الناس إلى أن السفر داخل البلاد آمن في هذه العطلة التي طال انتظارها، والتي توفر الكثير من الفرص لتلبية الطلب المكبوت. ومن المؤكد أن الأسبوع الذهبي سيساعد في تعزيز ثقة المستهلك وتسهيل الانتعاش الاقتصادي. -- ازدهار السياحة تعتبر العطلة العامة السنوية من الناحية التقليدية وقتا رئيسيا للترفيه والسفر والإنفاق. ووفقا للإحصاءات الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة، فقد تم استقبال إجمالى 637 مليون زيارة لمناطق الجذب السياحي في جميع أنحاء البلاد، وهو ما يمثل 79 في المائة من عدد الزيارات في العام الماضي، فيما بلغت إيرادات السياحة 466.56 مليار يوان (69 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يمثل 69.9 في المائة من الإيرادات المحققة في العام الماضي. أما ووهان، المدينة البطولية التي تضررت بشدة ذات يوم من فيروس كورونا الجديد، فقد أعادت إظهار جاذبيتها للزوار الذين احتشدوا في المواقع السياحية الشهيرة بالمدينة، وخاصة برج الرافعة الصفراء. وبدأ المبنى التاريخي جولات ليلية لأول مرة منذ افتتاحه للجمهور في عام 1985 بعد إعادة البناء. وتصدّر هذا المعلم تصنيفات "المواقع السياحية الأكثر ارتيادا في البلاد" التي أعدتها وكالة سفر كبيرة على الإنترنت ((تريب دوت كوم جروب))، حيث وصل عدد زوار البرج الذين أجروا حجوزات إلى الحد اليومي البالغ 25 ألفا في الأسبوع. جدير بالذكر أن ووهان جاءت هذا العام من بين أفضل 10 وجهات ومصادر سياحية في الأسبوع الذهبي، وفقا لبيانات صادرة عن ((فليجي))، وهي منصة سفر شهيرة على الإنترنت. وفي بكين، لم يقلل رذاذ المطر البارد من حماسة أكثر من 90 ألف شخص، تجمعوا في ميدان تيانآنمن في وقت مبكر من صباح الأول من أكتوبر لمشاهدة مراسم رفع العلم احتفالا بالعيد الوطني الـ71. وعلت أصوات الحشد بالهتافات عندما رُفِع العلم الأحمر ذي النجوم الخمسة على قمة سارية العلم وسط عزف النشيد الوطني. وذكرت صحيفة ((نيويورك تايمز)) أنه "في أي عام، يعد الإنفاق خلال العطلة التي تمتد أسبوعا مقياسا مراقبا عن كثب للصحة الاقتصادية للبلاد"، مشيرة إلى أن عطلة هذا العام قدمت "أوضح مقياس حتى الآن لتعافي الصين من الجائحة". -- الانتعاش الاقتصادي قال نيكولاس لاردي، الزميل الأقدم بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، إن الاستهلاك في الصين بدأ في التعافي حيث عاد إجمالي حجم مبيعات التجزئة من جديد إلى تحقيق نمو إيجابي في أغسطس من هذا العام، مضيفا أن مبيعات التجزئة من المتوقع أن تسرع الانتعاش في ضوء التحفيز الناتج عن "الإنفاق الانتقامي" في الأسبوع الذهبي. وأشار قو تشينغ يانغ، الأستاذ المشارك في كلية لي كوان يو للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية، إلى أن استهلاك في العطلة سيساعد على دفع قطاع الخدمات وتعزيز تحقيق تنمية أكثر توازنا في صناعات أخرى، مثل النقل والسياحة والمطاعم، والتي تحملت الوطأة الكبرى للجائحة. وفي مقابلة مكتوبة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا، قال دينغ جيا المدير العام لشركة السياحة الألمانية ((كايتريب)) في الصين، إن الحكومة الصينية اتخذت تدابير فعالة وقوية للسيطرة على الجائحة، ما ضمن سلامة سفر الناس وعزز ثقتهم. وأضاف دينغ أنه يعتقد أن الجولة الحالية من العطلات الطويلة ستقود إلى موجة جديدة من طفرة إنفاق في العطلات، وهذا سيعطي بدوره دفعة قوية للانتعاش الاقتصادي للصين. ورأى آر.إن بهاسكار، المحرر الاستشاري لـ((آسيا كونفيرج)) وأعضاء هيئة تدريس في العديد من المعاهد داخل الهند وخارجها، إن "نجاح الصين في احتواء فيروس كورونا الجديد وإنعاش النشاط الاقتصادي كان ملحوظا"، لافتا إلى أن تقريرا رسميا صدر مؤخرا حول التصنيع أظهر أن الاقتصاد الصيني يتعافى بصورة أفضل من المتوقع. وقالت ((بلومبرج)) إنه مع السيطرة على الجائحة إلى حد كبير في الصين، فإن عطلة الأسبوع الذهبي تُظهر ثقة البلاد في انتعاشها الاقتصادي وإجراءاتها المتعلقة بالصحة العامة. -- محرك النمو إن إمكانات الاستهلاك الهائلة خلال الأسبوع الذهبي لن تؤدي فقط إلى تسريع انتعاش الاقتصاد المحلي للصين، بل ستعزز أيضا الواردات والاستثمارات من البلدان الأخرى، حيث يعطي "اقتصاد العطلة" المزدهر دفعة قوية للتجارة العالمية. فقد انهمكت أربعة من متاجر السوق الحرة في جزيرة هاينان بجنوب الصين في استقبال "كبار المنفقين" في الأسبوع الذهبي، حيث ارتفعت مبيعات التجزئة لديهم بنسبة 167 في المائة، وفقا لإحصاءات وزارة التجارة. داخل مركز تسوق للسوق الحرة في مدينة سانيا السياحية، اصطف شاو كه هوي، وهو سائح من مقاطعة تشجيانغ بشرق الصين، لأكثر من 20 دقيقة قبل دخول متجر غوتشي لشراء حقيبة يد تبلغ قيمتها حوالي 14 ألف يوان (حوالي 2082 دولارا أمريكيا). وقال شاو "بسبب الجائحة، لا يمكننا السفر إلى الخارج، لكن السفر إلى هاينان والاستمتاع بالتسوق من السوق الحرة هنا يعد اختيارا جيدا". ومن جانبه، ذكر تومي وو، كبير الاقتصاديين في ((أكسفورد إيكونوميكس))، أن "اقتصاد العطلة" سيحفز بلا شك الاستهلاك المحلي في الصين، وهو ما سيعود بالفائدة على العلامات التجارية المحلية والعالمية ومجموعات الفنادق. وأضاف وو أن العديد من الاقتصادات مازالت تكافح من أجل التعافي من الجائحة، بينما يشير الطلب الهائل في الصين إلى الحاجة إلى واردات كبيرة، ما سيساهم في انتعاش الاقتصاد العالمي. وقال ميخائيل موروزوف، نائب رئيس تحرير صحيفة ((ترود)) الروسية، إن الاقتصاد الصيني سيظل محركا رئيسيا لنمو الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن الدول في جميع أنحاء العالم ستسرع من خطى الانتعاش الاقتصادي إذا ما "رفعت أشرعتها لتلحق برياح الصين".
مشاركة :