تحليل: هل تكرر مصر تجربة تركيا وتقع في فخ الديون؟

  • 10/12/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في مصر تتحسن مؤشرات الاقتصاد دون مقومات مستوى المعيشة. ويواجه هذا التحسن مشكلة الاعتماد المتزايد على القروض بشكل يزيد الأعباء على الدولة والمواطن، فهل تقع حكومة السيسي في فخ ارتفاع تكلفة الديون كما حصل مع أردوغان؟ منذ نحو 4 سنوات تكرر المؤسسات الرسمية وصندوق النقد الدولي بشكل لا يخلو من الملل الحديث عن تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري. ومن الأحاديث التي يتم سوقها مؤخرا تراجع معدل التضخم من 30 بالمائة عام 2017 إلى أقل من 4 بالمائة صيف العام الجاري 2020. ورغم تبعات جائحة كورونا وتكاليفها العالية يقول البنك المركزي المصري إن صافي احتياطاته من النقد الأجنبي تراجعت منذ أبريل/ نيسان الماضي بشكل محدود من 40 إلى 38 مليار دولار حاليا. وبفعل التقشف وتقليص الدعم الحكومي لسلع أساسية وخدمات صحية ومصادر الطاقة وإجراءات أخرى تم تقليص عجز الموازنة وزيادة الصادرات لاسيما الزراعية منها بنسبة تزيد على 10 بالمائة سنويا. وعلى ضوء ذلك تم تخفيف عجز الميزان التجاري بنحو 2.5 إلى 3 مليارات دولار كل سنة على مدى السنوات الأربع الماضية.  صورة مناقضة للرواية الرسمية والدولية مقابل هذه الصورة الوردية عن نجاحات اقتصادية كثيرة تعطي الحالة الاقتصادية والاجتماعية لغالبية المصريين صورة قاتمة من خلال استمرار تدني مستوى السكن والمعيشة واتساع نطاقه. وإذا كانت الأرقام الرسمية تتحدث عن أن ثلثهم يعيشون في حالة فقر، فإن النسبة الفعلية أكبر من ذلك بكثير، لاسيما وأن هناك مؤشرات تفيد بتراجع أعداد المنتمين إلى الطبقة الوسطى على ضوء تآكل القوة الشرائية وارتفاع الأسعار وتقليص الدعم الحكومي لعدد من السلع الأساسية. وزاد الطين بلة العودة غير الطوعية لأكثر من 1.5 مليون مصري كانوا يعملون في ليبيا ودول الخليج بأجور متوسطة وعالية لقسم كبير منهم. ومما لا شك فيه أن أزمة كورونا زادت من سوء الوضع في ظل استمرار الحكومة ببرامج التقشف التي اتفقت عليها مع صندوق النقد الدولي. وفيما يتعلق بتردي مستوى السكن فإن السكن العشوائي غير الصحي ما يزال ملاذ الغالبية لتأمين مأوى رغم الخطط الحكومية لبناء مدن جديدة خاضعة لتنظيم البلديات. ويعكس هذا التردي الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عدة محافظات انطلاقا من مدن الدلتا خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي بسبب قيام السلطات بهدم منازل غير مسجلة رسميا وتهديدها بهدم المزيد في حال لم يدفع أصحابها مبالغ مالية كمخالفات مقابل الموافقة على بقاء بيوتهم دون هدم. وإذا كان سلوك السلطات إزاء السكن العشوائي السبب المباشر للاحتجاجات، فإن أصوات المحتجين عكست أيضا التذمر والإحباط من الأوضاع المعيشية التي تزداد صعوبة. مأزق السياسة الاقتصادية للحكومة المصرية والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من جديد، كيف لتردي مستوى السكن والمعيشة أن يزداد ترديا، في وقت لا يتوقف فيه الحديث عن نجاحات اقتصادية واحدا تلو الآخر؟. بالطبع يصعب على أية حكومة مصرية مواجهة معدلات النمو السكاني العالية في بلد يزيد عدد سكانه على مائة مليون نسمة. كما يصعب عليها مواجهة أعداد العاملين من ليبيا والخليج في وقت تصيب فيه البطالة أكثر من ثلث الشباب. بيد أن أحد الأسباب الرئيسية التي تعقد مواجهة مشكلة تردي مستوى السكن والمعيشة يكمن في السياسة الاقتصادية للحكومة المصرية وإدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي. فهذا السياسة ما تزال رغم الوعود الحكومية الكثيرة تتجنب التركيز على تنمية الصناعات التحويلية ذات العمالة الكثيفة والتي تولد فرص العمل للشباب وتوفر السلع الاستهلاكية بأسعار منافسة وتستفيد من مردودها فئات واسعة تشمل في بلدانا صناعية وناشئة 50 بالمائة أو أكثر من السكان. ويدل على عدم التركيز هذا مراوحة الاستثمارات في الصناعات مكانها خلال فترة جائحة كورونا وقبلها. وهكذا فإن النجاح في تنفيذ الوعود المتعلقة بتنفيذ واحتضان آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة الإنتاجية والخدمية في كل محافظة من محافظات مصر ما يزال ضعيفا. مشروع العاصمة المصرية الجديدة بتكلفة قد تصل إلى 60 مليار دولار هدر المال العام بحجة مشاريع ضخمة مقابل ذلك يستمر السيسي وإدارته في التركيز على بناء وتجهيز مشاريع ضخمة تلتهم عشرات مليارات الدولارات بجدوى غالبا ما تكون متدنية. ومن المعروف أن هذه المشاريع تشكل في نفس الوقت أرضا خصبة لصرف مليارات أخرى من المال العام في غير مكانها وضياع قسم منها في أقنية الفساد والرشاوي داخل مصر وخارجها. كما أن مشاريع من هذا النوع باستثناء مشروع العاصمة الإدارية الجديدة خلال مرحلة البناء تحتاج إلى كثافة في رأس مال وليس إلى كثافة في العمالة. ومما يعنيه ذلك أن تأثيرها محدود على صعيد حل مشكلة البطالة وتحسين مستوى معيشة الناس، لاسيما وأن التحكم بإدارة مواردها ومردودها يبقى في أيدي المستثمرين المحليين والدوليين والشركات المنفذة وحفنة من البيروقراطيين الحكوميين. وتظهر تجربة جميع الدول أن الأرباح والتعويضات والتجاوزات التي يقوم بها هؤلاء تحد من التأثير الإيجابي للمشاريع في الاقتصاد وتجعل مساهمتها في الدورة الاقتصادية التي تطال غالبية الناس ضعيفة.   الاقتراض الخارجي المتزايد ومخاطره هناك مشكلة أخرى وهي أن المشاريع التي تنفذها الحكومة تعتمد بشكل أساسي على قروض خارجية وداخليةبفوائد من بين الأعلى في العالم. وتأتي القروض من مؤسسات وصناديق استثمارية في مقدمتها صندوق النقد الدولي الذي قدم مؤخرا قرضا إضافيا بقيمة 12 مليار دولار. وتسعى الحكومة في الوقت الحالي للحصول على مزيد من الاقتراض الخارجي. أما الاقتراض الداخلي فيتم بفوائد عالية تصل إلى 13 بالمائة وهي من أعلى النسب في الأسواق الناشئة. وتقدر قيمة الدين الخارجي المصري لوحده حاليا بنحو 130 مليار دولار، أي ما يزيد على 43 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما قيمة الأقساط والفوائد السنوية المستحقة لقاء ذلك فتصل إلى نحو 13 مليار دولار. وهناك أقساط وفوائد بمليارات أخرى للدائنين المحليين. وتشكل مستحقات الديون أكبر من طاقة الخزينة المصرية على الوفاء في الوقت الحاضر. ومما يعنيه ذلك اللجوء إلى مزيد من القروض لتمويل المستحقات، لأن فرض مزيد من الضرائب على كاهل المصريين سيدفعهم إلى مزيد من الاحتجاجات بشكل يهدد النخبة الحاكمة. ومن المرجح أن حكومة الرئيس السيسي لا تريد المخاطرة في ذلك. ابراهيم محمد: تغيير السياسة الاقتصادية الحالية في مصر ضروري لتحقيق تنمية مستدامة لتحسين مستوى معيشة غالبية المصريين الذين يعانون الفقر هل تقع مصر في فخ الديون كتركيا؟ تستغل الحكومة المصرية التقييم الإيجابي لمؤشرات الاقتصاد ورضا صندوق النقد الدولي عن سياساتها لطلب المزيد من الاقتراض الخارجي. وكلما زاد هذا الاقتراض كلما سارت إلى الوقوع في فخ الديون الخارجية بشكل يشبه الحالة التركية. فالرئيس التركي أسس لنهضة اقتصادية تركية قبل 15 سنة بالاعتماد على قروض خارجية تراكمت ووصلت إلى أكثر من 436 مليار دولار في الوقت الحالي. ومع ارتفاع خدمة الدين وتبعات جائحة كورونا وضعف جدوى الكثير من المشاريع الحكومية التي بنيت بأموال خارجية لا تستطيع الحكومة التركية في الوقت الحاضر الوفاء بأقساط وفوائد الدين في الوقت المناسب. وهو الأمر الذي يهدد الليرة التركية بالانهيار بعدما فقدت أكثر من ربع قيمتها منذ بداية العام الجاري. كما يتسبب في هروب رؤوس الأموال والركود وتردي مستوى المعيشة. ومن هنا فإن على الحكومة المصرية تغيير سياساتها الاقتصادية الحالية إذا كانت تريد تنمية مستدامة تفيد غالبية المصريين بدلا من فئة قليلة منهم. إبراهيم محمد

مشاركة :