دبي - رويترز - تقترب أيام المال السهل من نهايتها في اقتصادات دول الخليج الغنية المصدرة للنفط، مع بدء ارتفاع أسعارالفائدة بسوق النقد القصير الأجل لأسباب منها الأضرار التي يلحقها انخفاض سعر النفط بالأوضاع المالية للحكومات. وكانت السيولة الوفيرة الناجمة عن تدفق إيرادات النفط دفعت أسعار الفائدة قصيرة الأجل في السعودية والإمارات العربية المتحدة والدول المجاورة للانخفاض إلى مستويات قياسية العام الماضي، وهو ما أوقد شرارة منافسة محتدمة بين البنوك لإقراض الشركات بهوامش ضئيلة. لكن في الأيام القليلة الماضية بدأت أسعار الفائدة بسوق النقد ترتفع ارتفاعا حادا نسبيا. وإذا استمر ذلك فقد تستطيع البنوك استعادة بعض القوة التسعيرية في قروضها. ومن أسباب ارتفاع أسعار الفائدة توقعات تشديد السياسة النقدية الأميركية هذا العام. وفي ظل ربط عملاتها بالدولار أو ارتباطها الوثيق به، فمن المرجح أن تعمد البنوك المركزية الخليجية إلى تشديد سياساتها النقدية أيضا. لكن عاملا أهم هو انحدار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 الذي خفض دخل الحكومات من تصدير النفط، وهو ما ينذر بتقليص التدفقات النقدية على البنوك الخليجية. وقال مصرفي كبير في بنك تجاري إماراتي تديره الدولة «أيام الأموال السهلة ولّت». وقال المصرفي الذي رفض نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع«تراجع أسعار النفط والتوقعات بتفاقم تخمة المعروض العالمي بسبب زيادة الصادرات من إيران تثير قلق سوق النقد بعد أن ظلت أسعار الفائدة عند مستويات بالغة التدني لعدة أشهر». وكان سعر الفائدة المعروض بين بنوك الإمارات لثلاثة أشهر عند مستوى قياسي منخفض عندما سجل 0.68 في المئة خلال فبراير، لكنه قفز 3 نقاط أساس في اليوم إلى 0.79 في المئة، وهو أعلى مستوى في 17 شهرا. واستقر سعر الفائدة السعودي المماثل عند مستوى قياسي منخفض 0.77 في المئة منذ مارس، ثم ارتفع في الأيام القليلة الماضية إلى 0.80 في المئة. وارتفعت الأسعار في قطر والكويت والبحرين أيضا. وقال آرثي تشاندراسيكاران المحلل في«ان.بي.كيه كابيتال» «بوجه عام يرتبط صافي هامش الفائدة للبنوك الإماراتية ارتباطا إيجابيا بسعر الفائدة المعروض بين بنوك الإمارات عندما يكون مرتفعا، وهو في اتجاه صعودي منذ مطلع العام». وقامت شركات خليجية كثيرة بإعادة تمويل الديون بشروط أفضل على مدى العام الأخير، وقد تجد الشركات التي لم تفعل ذلك أن الفرصة قد فاتتها. السيولة وحتى الآن لا يتوقع المصرفيون أزمة شح في السيولة قد تفضي إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة بسوق النقد. وقال المصرفي الإماراتي إنه يعتقد أنه إذا رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة 25 نقطة أساس فقد يرتفع سعر الفائدة بين بنوك الإمارات 50 نقطة أساس. وبهذا يتجاوز السعر واحدا في المئة ليعود إلى مستويات أوائل 2013. وحققت وزارات المالية والبنوك المركزية نجاحا كبيرا في حماية أنظمتها المصرفية من أي أزمة حادة. وتملك عدة حكومات احتياطيات مالية ضخمة في الخارج وقد عمدت إلى تسييل بعضها ونقل الأموال إلى الداخل لتبقى الأسواق المحلية مترعة بالسيولة. لكن في الأسابيع القليلة الماضية ظهرت حدود تلك الاستراتيجية. فقد قال بنك أبوظبي الوطني الأسبوع الماضي إن ودائعه انكمشت 3.1 في المئة على أساس سنوي بسبب تراجع الودائع الحكومية. وقال أليكس ثيرسبي الرئيس التنفيذي للبنك إنه لا يتوقع مزيدا من النزوح الكبير للأموال الحكومية، لكنه أضاف«هناك ضغط كبير على السيولة الدولارية في الإمارات والمنطقة بسبب تراجع إيرادات النفط وتدفق الدولار على أسواق أخرى». وارتفعت نسبة الائتمان الإجمالي إلى الودائع في بنوك الإمارات إلى 100.2 في المئة خلال يونيو من 97 في المئة في ديسمبر الماضي ومن 95 في المئة في يونيو 2014، وهو التحول الذي أثار قلق بعض المصرفيين، وقد يدفع البعض إلى رفع أسعار الفائدة على الإيداع لاستقطاب الأموال. وفي السعودية واصلت الودائع نموها القوي. لكن الرياض تعاني من عجز ميزانية أكبر كثيرا من الإمارات ولذا بدأت الشهر الماضي إصدار سندات سيادية للمرة الأولى منذ عام 2007. ويعتقد بعض المحللين أن إصداراتها من السندات السيادية قد تصل إلى 200 مليار ريال (53 مليار دولار) بنهاية العام. وتحتفظ البنوك التجارية بما قيمته نحو 300 مليار ريال في شكل أذون وودائع غير نظامية للبنك المركزي يمكن ببساطة تحويل بعضها إلى سندات. لكن بحلول 2016 قد تبدأ إصدارات السندات في سحب السيولة من أسواق النقد. وتدرس الكويت إصدار سندات لتمويل العجز، ومن المتوقع أن تصدر سلطنة عمان والبحرين المزيد إذا استمر انخفاض سعر النفط. وقال مدير الأسواق ببنك أجنبي«من المرجح أن يطرق المزيد من دول الخليج أسواق السندات لسد العجز سيرا على خطى السعودية، إذ لا يمكنهم مواصلة السحب من احتياطياتهم بالمعدلات الحالية. ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع في الإمارات هو علامة على انكماش السيولة في المنطقة».
مشاركة :