على عكس التوقعات السائدة في شأن حصول انفراج في العلاقات الدولية وتراجع حدة التوتر بين دول الكتلة الغربية وروسيا في شكل خاص، عقب توقيع الاتفاق بين مجموعة دول «5 +1» مع إيران في شأن برنامجها النووي، تشير التطورات الحاصلة على صعيد العلاقات الديبلوماسية بين بريطانيا وروسيا إلى أن الأمور تسير باتجاه مزيد من التصعيد، إذ اتهمت موسكو لندن بأنها طردت أربعة ديبلوماسيين روس من بريطانيا من دون تفسير، معتبرة الخطوة على أنها محاولة من بريطانيا للتخريب على الانفراج الحاصل على الساحة الدولية. وجاء الاتهام الروسي الليلة ما قبل الماضية، إذ أعلنت الحكومة الروسية أن عدم تجديد الحكومة البريطانية تأشيرات الدخول لأربعة من ديبلوماسييها العاملين في السفارة الروسية في لندن هو في الواقع ليس إلا إبعاداً لهم عن بريطانيا، ما يُشكل خرقاً لمعاهدة فيينا المتعلقة بالعلاقات الديبلوماسية بين الدول. وجاءت الخطوة البريطانية في أعقاب اللقاءات التي جرت أخيراً بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في فيينا وفي الدوحة وتزايد الحديث حول تفاهمات بين واشنطن وموسكو ليس للندن أي ضلع فيها. وأوضح البيان الروسي أن الطريقة التي تصرّفت بها بريطانيا هي بمثابة إعلان الديبلوماسيين الأربعة أنهم «شخصيات غير مرغوب فيها» وبذلك أرغمتهم على حزم أمتعتهم ومغادرة لندن، ومن ضمنهم الديبلوماسي الروسي البارز سيرغي نالوبين المكلف إجراء اتصالات سياسية مع النواب في مجلس العموم البريطاني الذي ذكرت وسائل الإعلام البريطانية أنه كان وجهاً مألوفاً في المؤتمرات الحزبية والحفلات التي تُقام في أروقة لندن السياسية. وأوضحت موسكو أن الديبلوماسيين الأربعة فوجئوا لدى انتهاء فترة التأشيرة الممنوحة لهم من جانب الحكومة البريطانية، والتي يجري عادة تجديدها بسهولة لمدة سنتين، أن الحكومة البريطانية جددت التأشيرات الأربعة لثلاثة أشهر فقط، وامتنعت عن تجديدها لفترة أطول، ما اضطر الديبلوماسيين الأربعة إلى مغادرة الأراضي البريطانية لدى انتهاء المدة الممنوحة لهم، ما وضع الحكومة الروسية تحت ضغط من أجل التفتيش عن أربعة ديبلوماسيين آخرين ليقوموا مقام الديبلوماسيين المبعدين. وكانت بريطانيا طردت عام 2010 ديبلوماسياً روسياً حاول الاتصال بمسؤول بريطاني بغية الحصول على معلومات سرية، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان تبادل طرد الديبلوماسيين بين لندن وموسكو الذي كان سائداً في فترة الحرب الباردة. وأكد ناطق باسم السفارة الروسية في بريطانيا أن نالوبين غادر لندن الثلاثاء وأن ثلاثة ديبلوماسيين آخرين يستعدون للمغادرة للسبب نفسه وهو عدم تجديد التأشيرة، الأمر الذي قال الناطق الروسي أنه إعلان من جانب بريطانيا بأن «عدداً من أفراد بعثتنا الديبلوماسية شخصيات غير مرغوب فيها، وهو ما يتعارض مع البند التاسع من معاهدة فيينا، ويرقى إلى مستوى الطرد». وأشار الناطق باسم السفارة إلى أن السلطات البريطانية شرعت أخيراً في تشديد إجراءاتها لمنح التأشيرات للمواطنين الروس على نحو خلق أمام السفارة البريطانية في موسكو طوابير من الروس الذين ينتظرون الحصول على التأشيرة لزيارة بريطانيا، علاوة على أن السلطات البريطانية تقوم بإخضاع الروس الذين يحصلون على التأشيرة ويصلون إلى بريطانيا لجلسات تحقيق في المطارات ونقاط الحدود البريطانية، ويجري استجوابهم حول الطريقة التي حصلوا فيها على التأشيرة. فطرد الديبلوماسيين الروس الأربعة يشكل حلقة في سلسلة طويلة من التحرشات المتبادلة بين بريطانيا وروسيا، فأخيراً جرى نبش ملف الروسي ألكسندر ليتفيننكو الذي توفي في لندن عام 2006 متأثراً بجرعة سمّ من مادة مُشِّعة، حيث وجّه ديفيد كاميرون الأسبوع الماضي الاتهام في هذه الجريمة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، وفي الذكرى السنوية الأولى لسقوط طائرة الركاب الماليزية فوق أوكرانيا في يوليو 2014 جرى التوسع الشهر الماضي في وسائل الإعلام البريطانية في تحميل روسيا مسؤولية إسقاط الطائرة وهاجم كاميرون روسيا مباشرة واتهمها بالوقوف حجر عثرة أمام العدالة ومَنْعِها من أخذ مجراها بالتصويت ضد قرار من الأمم المتحدة لإجراء محاكمة جنائية للمسؤولين عن سقوط الطائرة. كما اتهم البريطانيون روسيا بالقيام بأعمال استفزازية ضدهم بإرسال طائرات حربية روسية لكي تخرق الأجواء البريطانية واقتراب سفن حربية وغواصات من المياه الإقليمية البريطانية. يُشار إلى أن التوتر بين بريطانيا وروسيا ميّز العلاقات بين البلدين على مدى عقود طويلة، ولم تفلح محاولة الرئيس بوتين الذي زار بريطانيا عام 2000 بدعوة رسمية من رئيس الوزراء البريطاني في حينه توني بلير في خلق مناخ صحي للعلاقات بين البلدين، وتميّز اللقاء الذي جرى في يونيو 2014 بين بوتين وكاميرون في باريس على هامش احتفال فرنسا بالانتصار على النازية بالبرود ولم يكسر الحواجز المتراكمة بين الطرفين.
مشاركة :