الفن في حقيقته رسالة اجتماعية قبل أن يتبنى أي اتجاه أو مضمون آخر، وهذا مبدأ الفنان والمنتج الإماراتي حبيب غلوم ويجسده من خلال الأعمال التي يقدمها في مسيرته الفنية، ومن خلال تجربته الأولى كمنتج، والتي يتحدث عنها، وعن تفاصيل مشاركاته في الدراما الإماراتية هذا العام، في الحوار التالي. } لماذا لم تختر لنفسك دور البطولة في مسلسل لو أني أعرف خاتمتي؟ - كنت حريصاً في هذا المسلسل على أن تكون الأدوار الرئيسية لنخبة من النجوم الذين يتميزون بتجربتهم التمثيلية، وطبعاً نجوم اليوم تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والأربعين، وهم الذين سوف يقدمون أدوار الأبناء، لهذا كان من المفروض أن أراعي فارق العمر بينهم وبين الأب، ليكون أكبر منهم بمرحلة معقولة ومقنعة، فقد كنت حريصاً على وجود المصداقية، خاصة في دور سيف الذي كان يحتاج إلى ممثل لديه قدرات خاصة، لهذا وقع الاختيار على الفنان غازي حسين وهو تاريخ وأداء فني عال وخاص. من ناحية أخرى لم أكن أرغب كمنتج بأن أختار لنفسي الدور الأول وكأنني أنتج لنفسي، وأعتبر أن الاختيار كان دقيقاً وصحيحاً، وهذا كان رأي المخرج أيضاً. } هل تدخلت في الخط الفني للشخصية التي قدمتها، كونك المنتج؟ - لم يكن مقرراً أن أقدم شخصية عيسى، فقد اختار لي المخرج شخصية سالم الأعمى، لكن بأبعاد الشكل والمضمون، قمت بترشيح الفنان مرعي الحليان ليؤدي هذه الشخصية لأنه سوف يعطي الدور حقه أكثر مني، ولهذا تواصلت معه وعرضته عليه بموافقة أحمد المقلة، وأؤكد أن المنتج يمكن أن يراهن على أشياء كثيرة في العمل، إلا الممثلين لا يمكن أن يغامر بهم. } إذاً كيف وقع الاختيار على شخصية عيسى، و ما هي الرسالة التي حملتها؟ - لعل انشغالي في الإنتاج كان له دور في اختياري، فقد كنت أبحث عن شخصية مؤثرة وإيجابية لأنني قدمت شخصيات سلبية خلال العامين الأخيرين، وكنت لا أريدها شخصية أساسية حتى لا تأخذ مني الكثير من الوقت و الجهد كي أركز في الشق الإنتاجي، ولا أنكر أنني كنت خائفاً أن ينعكس ضغط العمل في الإنتاج على أدائي لأنني كنت أحتاج إلى الهدوء، لكن المخرج طمأنني إلى أن أدائي للشخصية لم يتأثر، فقد كنت أتعامل مع الإنتاج على أنه وظيفة أؤديها، معتبراً التمثيل هو المهمة الأساسية لدي. أما الرسالة التي حملتها للشخصية وللمسلسل عموماً، فكانت عبارة عن رد على بعض التساؤلات والاتهامات الموجهة للدراما الخليجية بأنها تتجنى على المجتمع بطرح أنماط سلوكية غير موجودة، فالبعض يعتقد أن المجتمع الخليجي مجتمع مثالي، ونحن حاولنا قدر المستطاع أن نفلت من هذه الاتهامات، وأعتقد أننا وفقنا بتقديم حكاية بسيطة تتناول (عقوق الوالدين- الجشع - طموح الشباب بشكليه السلبي والإيجابي...إلخ)، قدمنا شيئاً من واقع المجتمع، وخرجنا بعمل معتدل ورصين، وثقيل، يليق بمستوى مجتمعنا قبل أن يليق بمستوى المشاهد الخليجي. ولعل الميزة الثانية التي حملها هذا العمل تتمثل في رهاننا على تقديم لغة أدبية، فحتى اللهجة فيها أصول حالها كحال اللغة العربية الفصحى، وليست مبتذلة، لذا ابتعدنا عن اللهجة العادية وذهبنا إلى أدبيات اللهجة الخليجية بحكم وجود الكاتب إسماعيل عبد الله الذي يعشق هذه اللهجة، فجاءت قوية على لسان الآباء والأمهات، واضطررنا لتخفيفها على لسان الأبناء مراعاة لمدى ملاءمتها لجيل الشباب. } رغم ضغوط العمل كنت حريصاً على المشاركة في شبيه الريح لماذا؟ - كنت حريصاً بالفعل على هذه المشاركة، خاصة وأنني كنت قد شاركت في الجزء الأول من المسلسل يعروف، ورغم أن القصة جاءت مختلفة تماماً، إلا أنني أرى أن الجزء الثاني شبيه الريح جاء ليكمل النجاح الذي حققه الجزء الأول، وكنت أتوقع ذلك، لذا حرصت على المشاركة، واتصلت بالكاتب جمال سالم وأخبرته أنني أرغب في المشاركة في الجزء الثاني، كما شاركت في الجزء الأول، وبرأيي المسلسل كان مشاهداً وناجحاً رغم بعض الملاحظات التي نتمنى أن يتلافاها في الأعمال المقبلة. } هل ترى أن شخصية المشرف الاجتماعي الذي يتصادم مع يعروف كانت إيجابية أيضاً؟ - من وجهة نظر منطقية كنت إيجابياً طبعاً، فعند وصول يعروف إلى منطقة دلما التي كنت فيها، بعد تنقله بين مناطق عدة، لاحظت أن هذا الرجل فوضوي وغير منهجي، أي مطيور كما نسميه، وكنت أتصادم معه كمشرف تربوي اجتماعي، لأنني لا أقبل هذا الشكل التعليمي في المدرسة، رفضت وجوده إلى أن استغليت فرصة التعرف الى الشخص الذي يطارده وأخبرته أنه موجود حتى يضطر يعروف إلى ترك المدرسة ويهرب من جديد. } قدمت نفسك كمنتج إماراتي، يحمل هم الدراما و يسعى إلى تقديمها بصورة تليق بها، ما هي رؤيتك الخاصة؟ - أنا واحد من الناس الذين حملوا هم الدراما الإماراتية في قلوبهم، ومثلي الفنان أحمد الجسمي، وجمال سالم، ومحمد سعيد الضنحاني، وسلطان النيادي، كلنا منتجون نسعى لهدف واحد، وهو رفع الدراما المحلية، وأعتبر أنني أكمل هذه المجموعة وأعتز بها، فنحن كفنانين أولاً فرضنا على أنفسنا رقابة ذاتية، نحمل هم المجتمع و نحاول أن نكون جزءاً من هذه المنظومة، ونقدم ما يليق بالإمارات. كما أننا كممثلين لا نقبل المشاركة في أي عمل إن لم يكن يناقش القضايا المجتمعية الحقيقية ويحمل رسالة حقيقية، فنحن ندخل بيوت الناس بدون استئذان، ونتحمل مسؤولية ما نقدمه وتشاهده الأسرة، وبالذات الفئة المراهقة التي لا تستطيع التمييز بين الصح والخطأ، هؤلاء يتأثرون بمظهرنا وأقوالنا وأفعالنا وكل ما نقدمه في مسلسلاتنا. } بعد النجاح في تجربتك الإنتاجية الأولى، هل بدأت التخطيط للخطوات التالية؟ - حالياً نتهيأ لمشروع جديد لا يزال في مرحلة الكتابة مع المؤلف إسماعيل عبد الله، وبالاتفاق مع نفس المخرج أحمد المقلة، لاستثمار نجاح العمل الأول في عمل آخر، وهذا مهم جداً، عندما تحقق نجاحاً عليك أن تستثمر المجموعة، مثلما حصل مع مسلسل حاير طاير، وشبيه الريح، وعجيب غريب، والكثير غيرها. فالتفاهم بين المنتج والمؤلف والمخرج يحقق الكثير. } هل وجهت إليك بعض الانتقادات كمنتج؟ - انتقدوني لأنني منتج طيب، وهذا لا يتفق مع شخصية المنتج، فقد كنت أسعى لتوفير سبل الراحة للفنانين لأنني في الأصل ممثل، فوفرت لزملائي ما كنت أحب أن يوفر لي أثناء العمل، وحرصت بالدرجة الأولى على أن أسلم أجور الفنانين في نفس اليوم الذي ينتهون فيه من التصوير، ولا أنكر أن البعض نصحني بألا أدلع الممثلين، لكن ردي كان أنهم يعملون معي لا عندي، وأنا أدرك تماماً الجهد الكبير الذي نبذله في التصوير لساعات طويلة، فأقل ما يمكن أن توفره بعض الرفاهية للفنان ليكون في حالة نفسية جيدة، ما ينعكس على العمل ككل. } إلى جانب العمل الفني والدور الثقافي الذي تؤديه، شاركت في الكثير من الأنشطة هل تخبرنا عنها؟ - شاركت في عدد من الأعمال التوعوية خلال الفترة الماضية، معظمها كان تسجيلاً صوتياً، بالإضافة إلى المشاركة في ثلاثة أعمال أوبريت على مستوى عال، وهي أوبريت زايد رجل بحجم أمة بالتعاون مع مركز راشد، وأوبريت آخر قدمناه بالتعاون مع جمعية المرأة الظبيانية في أبوظبي، وأوبريت افتتاح الدورة الرمضانية في نادي الضباط والقوات المسلحة في أبو ظبي. وأتمنى أن نكون قدمنا شيئاً من خلال هذه الأعمال لأنفسنا وللمجتمع ولهذه المؤسسات، وأحب أن ألفت إلى أن إصرار هذه المؤسسات على وجودنا كفنانين إماراتيين، والتأكيد على مآثر الشيخ زايد بعمل فني يعتبر موضوعاً في غاية الأهمية، ولا ننسى أنها تصرف على الفن بشكل كبير وعلينا أن نشجعها. } ما الأعمال التي استوقفتك للمتابعة في شهر رمضان؟ - لم أتابع الكثير بسبب ضيق الوقت، ولكن لفتني الكابوس للفنانة غادة عبد الرازق، و أعترف أنني احترمت فيها تنازلها عن الشكل والبهرجة بتحدٍ واضح، لتبرز المضمون، وكان العمل يستحق المشاهدة حقاً، وهناك أيضاً مسلسل سليفي الذي رأيته مميزاً في بعض الحلقات، وليس كلها، ولكنه استطاع أن يترك أثراً في رمضان، بالإضافة إلى الأعمال التي شاركت بها، ومسلسل عام الجمر للفنان أحمد الجسمي. الـــرعيــل الأول عن تجربته الأولى في الانتاج قال حبيب غلوم: لم يكن تفكيري كمنتج وأنا أدير العمل، بل كنت أفكر كعادتي كفنان مشارك في هذا العمل، دون أن أشعر بأن دوري سلطوي، بل على العكس، كنت أحاول أن أذلل الصعاب وأحل المشاكل حتى يخرج العمل بأفضل شكل ممكن، وهذا ما أقوم به عندما أعمل مع أي زميل منتج، فأنا أشعر بالمسؤولية كوني من الرعيل الأول، وأتدخل لأحل المشاكل وأساعد في دفع مسيرة العمل، وأعتقد أن دوري كفنان في الخمسين من العمر، يتمثل في العقلانية التي تعتبر مهمة في أي موقع تصوير حتى لو لم أكن منتجاً، بالإضافة إلى أنني لم أبخل على العمل إذ كنت أتطلع إلى تحقيق نتائج مميزة على مستوى الدراما الخليجية، لهذا كنت أعلي القيمة الفنية للعمل على التفكير بالكسب المادي، والحمد لله وجدت إطراءً جميلاً من تلفزيون أبوظبي بعد عرض العمل، خصوصاً على الخبرة التي تعاملت بها مع هذه المهمة وكأنني أمضيت عمراً في الإنتاج.
مشاركة :