الاقتصاد العالمي يبدأ في الخروج من أغوار الانهيار .. 4.4 % الانكماش المتوقع في 2020

  • 10/13/2020
  • 22:03
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

توقع صندوق النقد الدولي انكماشا عالميا نسبته 4.4 في المائة في 2020، وذلك في تحسن عن انكماش 5.2 في المائة كان متوقعا في حزيران (يونيو)، لكنه أكد أن الأزمة الاقتصادية الحالية لا تزال الأسوأ منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وقالت جيتا جوبيناث المستشارة الاقتصادية في الصندوق في أحدث تقاريره لآفاق الاقتصاد العالمي، إن كوفيد - 19 يواصل الانتشار متسببا في إزهاق أرواح أكثر من مليون شخص بصورة مأساوية حتى الآن، وأصبحت الحياة في ظل فيروس كورونا المستجد تشكل تحديا ليس له مثيل، لكن العالم يتواءم معها. وأوضح التقرير أنه مع تخفيف قيود الإغلاق العام وسرعة تعميم البنوك المركزية والحكومات حول العالم لتدابير الدعم من السياسات على نطاق غير مسبوق، بدأ الاقتصاد العالمي أخيرا في الخروج من أغوار الانهيار الذي تعرض له في النصف الأول من العام. وانتعش التوظيف جزئيا بعد هبوطه العنيف أثناء ذروة الأزمة. وأضاف "غير أن هذه الأزمة أبعد ما تكون إلى الزوال. فلا يزال التوظيف أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة وأصبحت سوق العمل أكثر استقطابا لفئات دون أخرى فيما تتعرض العمالة منخفضة الدخل والشباب والنساء إلى أشد الضرر". وتوقع الصندوق أن يزداد الفقراء فقرا مع تدهور الأحوال المعيشية لنحو 90 مليون شخص في العام الجاري لتصل إلى مستوى الحرمان الشديد. ومن المرجح أن يكون مسار الخروج من هذه المحنة طويلا وغير ممهد ومحفوفا بدرجة عالية من عدم اليقين. ومن الضروري ألا يتم سحب الدعم المقدم من السياسة النقدية وسياسة المالية العامة في وقت سابق لأوانه، قدر الإمكان. وذكر الصندوق "في آخر عدد من تقريرنا عن آفاق الاقتصاد العالمي، لا نزال نتوقع ركودا عميقا في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل النمو العالمي إلى - 4،4 في المائة، وهو ما يشكل تعديلا بالزيادة قدره 0،8 نقطة مئوية مقارنة بما ورد في تقريرنا عن مستجدات الأوضاع في حزيران (يونيو) البالغ 5.2 في المائة". وأرجع الصندوق هذه الزيادة إلى النتائج الاقتصادية الأخف وطأة إلى حد ما في الربع الثاني من العام، إضافة إلى بشائر تعاف أقوى في الربع الثالث، وإن كانت تعوضها جزئيا تخفيضات التوقعات في بعض الاقتصادات الصاعدة والنامية، متوقعا انتعاش النمو في عام 2021 ليصل إلى 5،2 في المائة، بانخفاض قدره -0،2 نقطة مئوية عن توقعات حزيران (يونيو). استمرار الركود العميق ورجح الصندوق بقاء الناتج دون مستويات عام 2019 في العام المقبل أيضا في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية على السواء، باستثناء الصين، حيث يتوقع تجاوز الناتج هذا العام مستويات عام 2019. ومن المنتظر أن تتسبب هذه الجائحة في تفاقم التباين في توقعات الدخل بين الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الصاعدة والنامية (باستثناء الصين). لذا رفع الصندوق تنبؤاته للنمو في الاقتصادات المتقدمة في عام 2020 إلى - 5.8 في المائة، ويلي ذلك انتعاش في النمو يصل إلى 3،9 في المائة في عام 2021. وبالنسبة إلى الأسواق الصاعدة والدول النامية (باستثناء الصين) فخفض الصندوق تنبؤاته بحيث توقع أن يصل النمو إلى -5،7 في المائة في عام 2020 ثم يتعافى في عام 2021 إلى 5 في المائة. وبذلك، من المتوقع أن يكون معدل النمو التراكمي لنصيب الفرد من الدخل في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية (باستثناء الصين) خلال 2020 - 2021 أقل منه في الاقتصادات المتقدمة. انكماش أمريكي أقل وطأة وقال الصندوق إن الولايات المتحدة ستشهد انكماشا للناتج المحلي الإجمالي سيبلغ 4.3 في المائة في 2020، وهو أقل وطأة بكثير من انكماش 8 في المائة كان متوقعا في حزيران (يونيو). لكن وفق تصور لا يفترض أي مساعدات اتحادية إضافية فوق ثلاثة تريليونات دولار أقرها الكونجرس في آذار (مارس)، سيكون الانتعاش الأمريكي في 2021 أبطأ بعض الشيء عند 3.1 في المائة. ومن المتوقع انكماش اقتصاد منطقة اليورو 8.3 في المائة في 2020، وهو أفضل من انكماش 10.2 في المائة كان متوقعا في حزيران (يونيو) حزيران، لكن نسب التفاوت بين دول الاتحاد كبيرة. ومن المتوقع أن تشهد القوة التصديرية في ألمانيا انكماشا 6 في المائة في 2020، بينما من المتوقع انكماش الاقتصاد الإسباني الأكثر اعتمادا على السياحة 12.8 في المائة. وقال الصندوق إن منطقة اليورو ستعود لنمو 5.2 في المائة في 2021. لكن الأسواق الناشئة بخلاف الصين ستشهد في 2020 انكماشا 5.7 في المائة، وهي نسبة أسوأ من الـ5 في المائة المتوقعة في حزيران (يونيو). وقال صندوق النقد إن الفيروس يواصل انتشاره في دول كبيرة مثل الهند وإندونيسيا، وهي دول تعتمد اقتصاداتها بشكل أكبر بكثير على قطاعات شديدة التضرر مثل السياحة والسلع الأساسية وكذلك على التحويلات ومصادر أخرى للتمويل الخارجي. وحذر الصندوق من أن "الجرح" الاقتصادي الناجم عن فقد الوظائف وإفلاس الشركات ومشكلات الديون وتراجع النشاط التعليمي سيقوض النمو العالمي على المدى المتوسط بعد 2021 إلى نحو 3.5 في المائة، إذ من المتوقع بلوغ فاقد الناتج التراكمي 28 تريليون دولار في الفترة من 2020 إلى 2025 مقارنة بمسارات النمو قبل الجائحة. تعاف جزئي وتباين متزايد وبين الصندوق أنه من المرجح أن تخلف الأزمة ندوبا غائرة ممتدة الأثر على المدى المتوسط نظرا لأن أسواق العمل تستغرق وقتا للتعافي، والاستثمار تعوقه أجواء عدم اليقين ومشكلات الميزانيات العمومية، كما أن ضياع فرص التعليم المدرسي يلحق الضرر برأس المال البشري. وبعد الانتعاش في عام 2021، توقع الصندوق أن يتباطأ النمو العالمي تدريجيا إلى نحو 3،5 في المائة في المدى المتوسط. كما توقع ازدياد خسائر الناتج التراكمية مقارنة بالمسار المتوقع قبل الجائحة من 11 تريليون دولار في 2020 - 2021 إلى 28 تريليون دولار على مدار الفترة من 2020 إلى 2025. ويمثل هذا أيضا انتكاسة حادة لتحسين متوسط مستويات المعيشة عبر كل مجموعات الدول. انتكاسة لتحسين مستويات المعيشة وقال الصندوق إن الآفاق الاقتصادية لا تزال محفوفة بأجواء كثيفة من عدم اليقين مع احتمالات قصور النتائج عن التوقعات وتجاوزها. فالفيروس يعاود انتشاره مجددا ويجري حاليا إعادة فرض الإغلاق العام على المستوى المحلي. فإذا تفاقم الأمر وتراجعت التوقعات بالنسبة لتوافر العلاجات واللقاحات، فإن العواقب على النشاط الاقتصادي ستكون وخيمة، مع احتمال تعاظمها نتيجة حدة اضطراب الأسواق المالية. وقد يتأثر التعافي سلبا نتيجة تزايد القيود على التجارة والاستثمار وتصاعد أوجه عدم اليقين الجغرافي - السياسي. وعلى الجانب الإيجابي، قد تتحسن النتائج بدرجة كبيرة في حالة سرعة واتساع نطاق توفير الفحوص والعلاجات واللقاحات والتحفيز الإضافي من السياسات. مطلوب تحرك أكبر وقال الصندوق إن الدعم العالمي الضخم من المالية العامة بنحو 12 تريليون دولار، والتخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة، وكثافة عمليات ضخ السيولة وشراء الأصول التي قامت بها البنوك المركزية ساعدت على إنقاذ الأرواح والأرزاق وحالت دون وقوع كارثة مالية. وبحسب الصندوق، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله لضمان تحقيق التعافي المستدام. أولا، هناك حاجة إلى زيادة التعاون الدولي لإنهاء هذه الأزمة الصحية. ويجري حاليا إحراز تقدم هائل في تطوير الفحوص والعلاجات واللقاحات، ولكن ما لم تعمل الدول معا على نحو وثيق لن يكون هناك إنتاج كاف ولا توزيع واسع النطاق ليصل إلى جميع أنحاء العالم. وأشارت تقديراته إلى أنه إذا أمكن التعجيل من توفير الحلول الطبية والتوسيع من نطاقها مقارنة بتوقعات السيناريو الأساسي، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة تراكمية في الدخل العالمي قدرها تسعة تريليونات دولار تقريبا بنهاية عام 2025، ما يرفع مستويات الدخل في كل الدول ويحد من التباين في الدخل. وشدد على ضرورة أن تركز السياسات بقوة، قدر الإمكان، على الحد من الضرر الاقتصادي المستمر من جراء هذه الأزمة. وينبغي أن تواصل الحكومات توفير دعم الدخل من خلال التحويلات النقدية الموجهة بدقة، ودعم الأجور، وتأمينات البطالة. وللحيلولة دون اتساع نطاق حالات الإفلاس وضمان قدرة العمالة على العودة إلى الوظائف المنتجة. كما تنبغي مواصلة توفير الدعم - حيثما أمكن - للشركات المعرضة للمخاطر ولكنها قابلة للاستمرار من خلال التأجيلات الضريبية، ووقف مدفوعات خدمة الدين، وضخ الأموال على غرار رأس المال المساهم. وبين الصندوق أنه مع مرور الوقت، ومع ازدياد قوة التعافي، ينبغي أن تتحول السياسات إلى تيسير إعادة توزيع العمالة من القطاعات المرجح أن تنكمش على المدى الطويل (السفر) إلى القطاعات الآخذة في النمو (التجارة الإلكترونية). وينبغي دعم العمالة خلال هذه المرحلة من التعديلات بتحويلات لدعم الدخل، والتدريب التحويلي، وتعلم مهارات جديدة. وأشار إلى أن دعم إعادة توزيع الموارد سيقتضي كذلك اتخاذ خطوات لتسريع إجراءات الإفلاس وآليات تسوية الأوضاع حتى يمكن التعامل مع حالات إعسار الشركات بكفاءة. ومن شأن إعطاء دفعة للاستثمارات العامة في مشاريع البنية التحتية الخضراء في أوقات أسعار الفائدة المنخفضة وأجواء عدم اليقين الكثيفة أن يؤدي إلى زيادة الوظائف وتسريع التعافي بدرجة كبيرة، وسيكون كذلك بمنزلة خطوة هائلة نحو تخفيض انبعاثات الكربون. ولفت إلى أن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية مضطرة في الوقت الراهن للتعامل مع هذه الأزمة بقدر أقل من الموارد، نظرا لأن كثيرا منها مقيد بارتفاع مستويات الديون وازدياد تكاليف الاقتراض. وسيتعين على هذه الاقتصادات توجيه أولوية نفقاتها الحيوية للصحة العامة والتحويلات المقدمة للفقراء وضمان الحد الأقصى من الكفاءة. كما ستكون بحاجة كذلك إلى الدعم المستمر في هيئة منح دولية وتمويل بشروط ميسرة، إلى جانب تخفيف أعباء الديون في بعض الحالات. وإذا لم يكن الدين في حدود مستدامة، ينبغي إعادة هيكلته في أقرب وقت ممكن لتحرير الموارد للتعامل مع هذه الأزمة. وأكد الصندوق أنه ينبغي تصميم السياسات بهدف وضع الاقتصادات على مسارات من النمو الأقوى والأكثر إنصافا واستدامة. ورغم أن التيسير النقدي العالمي ضروري من أجل التعافي فينبغي تكملته بإجراءات لمنع تراكم المخاطر المالية على المدى المتوسط، كما ينبغي حماية استقلالية البنوك المركزية مهما بلغ الثمن. فقد أدت الحاجة إلى الإنفاق من المالية العامة وانهيار مستويات الناتج إلى ارتفاع الديون السيادية العالمية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق لتصل إلى 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وبينما ستؤدي أسعار الفائدة المنخفضة وانتعاش النمو المتوقع في 2021 إلى استقرار مستويات الدين في كثير من الدول، فإن كل الدول بإمكانها الاستفادة من وضع إطار متوسط الأجل للمالية العامة لإعطاء شعور بالثقة ببقاء الدين على مسار مستدام. ومن شأن الاستثمارات في الصحة العامة، والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الخضراء، والتعليم أن تسهم في تحقيق النمو الاحتوائي والمستدام الذي يرفع مستوى الإنتاجية. كما أن توسيع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي حيثما تكون هناك ثغرات يمكن أن يضمن حماية الفئات الأشد تعرضا للمخاطر مع مواصلة دعم النشاط الاقتصادي على المدى القريب. وقال الصندوق إن هذه الأزمة هي الأسوأ منذ أعوام "الكساد الكبير"، وسيقتضي التعافي من هذه المحنة قدرا كبيرا من الابتكار على صعيد السياسات، على المستويين الوطني والدولي. فالتحديات هائلة، لكن هناك من الأسباب ما يبعث على الأمل. فالتحرك الاستثنائي على مستوى السياسات، بما في ذلك إنشاء صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من الجائحة، واستخدام التكنولوجيات الرقمية في تقديم المساعدات الاجتماعية هما بمنزلة تذكرة قوية بأن السياسات المصممة جيدا تحمي الرخاء الاقتصادي للأفراد والمجموع.

مشاركة :