كيف عاش مزارعو واحة الأحساء كارثة نضوب مياه عيونها الفوارة ما بين (1985-1990)؟ ما أثر هذا النضوب على مستقبلها وأجيالها القادمة؟ هل عاشت وزارة البيئة والمياه والزراعة كارثة نضوب مياه الواحة؟ هل عاشت جامعة الملك فيصل، الصرح العلمي في الأحساء، كارثة النضوب، وهي بيت البحث العلمي والعلماء، ومركز الدراسات المائية، وعرين كلية الزراعة؟. هل اهتمت الجهات الرسمية، واستنفرت إمكانياتها، ورصدت أسباب نضوب مياه الواحة؟ هل سجلت للتاريخ موقفا محفوظا في سجلاتها للدرس والعبرة؟ هل يوجد أرشيف علمي لكوارث نضوب المياه لدى الوزارة المسؤولة؟ هل يوجد أرشيف علمي لكارثة نضوب مياه واحة الأحساء في جامعة الملك فيصل؟ بل هل يوجد في هذه الجامعة خارطة علمية واحدة للواحة، وقد شارف تأسيسها على نصف قرن؟ كيف نضبت مياه عيون الأحساء دون حراك، ورصد علمي، واستنفار عالي المسؤولية، ودون إعلان بوقوع الكارثة، وتحرّك ينبئ بواقع المصيبة ومسبباتها وألمها وفاجعتها؟ أمام التقاعس تطفو التساؤلات. ماذا يعني الماء للجهات الرسمية؟ هل للماء أهمية عندهم؟ لماذا لا يجسدون هذه الأهمية؟ هل يحرك نضوب الماء ضميرهم قبل مسؤولياتهم؟. بالنسبة لمزارعي الواحة، فقد تحركوا، ورفعوا صوتهم وشكواهم، فوصل الأمر إلى أمير المنطقة الشرقية في ذلك الوقت، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد آل سعود، حفظه الله، واستجاب فورا، فزار الواحة للاطلاع بنفسه على الوضع. أخبرني من رافق الأمير في رحلته عبر مزارع الواحة، من أهل الأحساء، في (باص) حمل أيضا مسؤولي مشروع الري والصرف. وقال إنه وأمام الصوت القوي لمسؤولي مشروع الري والصرف، فشل في تقديم صوت المزارع وتشخيص المشكلة للأمير. يقول: كنت أعرف أنهم يغالطون، لكن لم أعِ عمق مشكلة المياه وتأثيرها السلبي. فهل يعني هذا أن إدارة مشروع الري والصرف وأدت صوت المزارعين عن سابق عمد وإصرار؟ بكل فخر واعتزاز أقول: تحملت المسؤولية والهمّ، وساهمت بالكثير، لقد رصدت وسجلت؛ دافعت وشخصت مشكلة هذا النضوب، وكان هناك من تفنن في كتم صوت الماء الذي أحمل؛ وقدمت للجامعة، في حينه، دراسة علمية موثقة عن مياه الواحة، لتوصيلها لسمو الأمير. لكنهم أعادوها لشخصي، بعد الاحتفاظ بها في أدراج الجامعة لأكثر من شهرين، بحجة أن النوم يجفل من حقائقها الموثقة. قال المسؤول معتذرا عن عدم توصيلها، وبالحرف الواحد: لقد (جبنت). فكيف تجبن المسؤولية والأمانة ولماذا؟ إن الإجراءات التي اتخذتها إدارة هيئة الري والصرف لمواجهة نضوب المياه كانت كارثة أخرى على مزارعي الواحة. قابلت مزارعا في ذلك الوقت، وقدم لشخصي نماذج من ورق تعهده بعدم الزراعة. كان يبكي ويتساءل بحرقة: كيف استطيع تأمين متطلبات عائلتي؟ فسألته: لماذا لا تذهب إلى مدير المشروع وتشتكي؟ قال: ذهبت وقابلته. وكان رده: (روح بيع بيتك وصارف به على عيالك). هكذا عاش مزارعو واحة الأحساء مصيبة وفاجعة نضوب مياه واحتهم الشهيرة، وعاشوا أيضا مصيبة منعهم من الزراعة. كانت إجراءات كارثية بأخذ التعهد بعدم الزراعة، لتوفير ما تبقى من الماء للنخل التاريخي القائم، ومن يخالف يتم قطع الماء عن مزرعته. فانتشرت الآبار العشوائية في الواحة، لتزيد الطين بلّة، حتى المشروع نفسه، نافس على حفر الآبار لتوفير ماء الري، فأصبح يحلل لنفسه ما يحرمه على مزارعي الواحة. هل كانت تلك الإجراءات القاسية وليدة خطة مدروسة؟ أليست إجراءات اجتهادية تعسفية، قضت على الزراعة الاقتصادية كمهنة في واحة الأحساء؟ إنها إجراءات عمّقت من حسرة المزارع وحيرته وتساؤلاته على مستقبل تاريخه الزراعي؟ ما جرى ويجري لمياه واحة الأحساء نموذج لغياب إدارة كوارث نضوب المياه الجوفية.DrAlghamdiMH @
مشاركة :