بيروت - تحوّل قصر بعبدا الثلاثاء إلى أشبه ما يكون بخلية نحل استعدادا لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل التي ستعقد غداً الأربعاء في مقر قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب " اليونيفيل" في الناقورة. وترأس الرئيس اللبناني ميشال عون الثلاثاء اجتماعا مع الوفد اللبناني الرسمي الذي سيتولى التفاوض مع الجانب الإسرائيلي. وذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" أن الاجتماع عقد بحضور وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر، وقائد الجيش العماد جوزيف عون. وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية أن الرئيس عون أعطى توجيهاته للوفد التقني المكلف بالتفاوض غير المباشر استنادا الى اتفاق الاطار العملي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، على أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برا التي نصت عليها اتفاقية "بوليه نيوكومب" عام 1923 والممتد بحرا استنادا الى تقنية خط الوسط وفقا لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي. وشدد الرئيس اللبناني على أن هذه المفاوضات "تقنية" ومحددة بترسيم الحدود البحرية، لافتًا إلى أن جلسات التفاوض ترعاها وتستضيفها الامم المتحدة، وان وجود الجانب الأميركي في الاجتماعات هو كوسيط مسهّل لعملية التفاوض. كما اجتمع عون مع المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش لعرض موقف لبنان من المفاوضات حول ترسيم الحدود. وأعرب كوبيتش عن ترحيب الامم المتحدة باستضافة جلسة المفاوضات، مؤكداً أن المنظمة الدولية ستمارس دورها في استضافة ورعاية جلسة التفاوض وتقديم التسهيلات اللازمة لإنجاحها. ولدى إسرائيل ولبنان مطالب متنافسة على ثلاث حقول غاز محتملة في البحر الأبيض المتوسط، يعتقد أنها تحتوي على كميات كبيرة من الغاز. وتحاول الولايات المتحدة حاليا التوسط في إطار عمل من شأنه أن يجعل الأطراف تبدأ مفاوضات حول إدارة عقود التطوير. وأثار إشراف عون على ملف ترسيم الحدود واختياره للوفد المفاوض انتقادات من قبل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة الذي اعتبر أن عون خالف الأحكام الدستورية بتجاهله لوجود رئيس مجلس وزراء وحكومة تصريف الأعمال التي من المفترض أن تشارك في تشك وقال السنيورة " كان يفترض بالرئيس عون وقبل تشكيل الوفد وقبل انعقاد المؤتمرات ان يلتزم بأحكام الدستور الذي عليه أن يحترمه ويصونه وبالتالي ان يقوم بالتشاور مع رئيس الحكومة حسب الدستور والأصول لكي يستبعد التأثير السلبي على محاولات الإنقاذ الوطني التي من الواجب ان يتضامن الجميع من اجل تحقيقها في هذه الظروف الصعبة والخطيرة". وأعلنت الرئاسة اللبنانية الاثنين أن وفد التفاوض سيترأسه العميد الركن الطيار بسام ياسين، وسيضم في عضويته العقيد الركن البحري مازن بصبوص، ووسام شباط، عضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، إلى جانب الخبير في الشؤون البحرية نجيب مسيحي. وكانت حكومة تصريف الاعمال التي يترأسها سني بحكم اتفاق الطائف، انتقدت في وقت سابق تجاهلها في مسألة تشكيل الوفد المفاوض ومن المقرر أن يعقد الجانبان محادثات غير مباشرة الأربعاء بتنسيق من الأمم المتحدة ووساطة أميركية بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية والبرية المتنازع عليها بين البلدين منذ فترة طويلة. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن بداية الشهر الحالي أن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي سيجريها الجيش اللبناني تحت إشراف الرئيس عون. ويعتبر ملف ترسم الحدود البحرية أحد الملفات الشائكة التي تبقي على حالة الحرب قائمة بين لبنان وإسرائيل، لا سيما في الرقعتين أربعة وتسعة الذي تقول بيروت إنهما ضمن مياهها الإقليمية الخالصة. وتأتي المحادثات بعد ثلاث سنوات من الدبلوماسية المكثفة من قبل واشنطن، وتم الإعلان عنها بعد أقل من شهر من تصعيد الضغوط الأميركية على حلفاء سياسيين لحزب الله اللبناني المدعوم من إيران. ويقول حزب الله، الذي خاض حربا مع إسرائيل استمرت خمسة أسابيع عام 2006، إن المحادثات ليست مؤشرا على عملية لصنع سلام مع عدوته القديمة إسرائيل. وقال وزير الطاقة الإسرائيلي أيضا إن التوقعات بشأن اجتماع الأربعاء ينبغي ألا تكون منفصلة عن الواقع. وكتب الوزير يوفال شتاينتز على موقع التدوينات القصيرة تويتر ” لا نتحدث عن مفاوضات للسلام والتطبيع، بل عن محاولة لحل نزاع فني واقتصادي يعطل تنمية الموارد الطبيعية البحرية منذ عشر سنوات”. رغم ذلك، أضفى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على قرار إجراء المحادثات صبغة “التاريخي”، وقال إن واشنطن تتطلع إلى محادثات أخرى في وقت لاحق حول الخلافات على الحدود البرية. وتتعرض حركة أمل حليفة حزب الله، لضغوط، فقد فرضت الولايات المتحدة الشهر الماضي عقوبات على كبير مساعدي نبيه بري زعيم الحركة متمهة إياه بالفساد وتمكين حزب الله ماليا. وقال مهند حاج علي الزميل في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، إن قرار بدء المحادثات الحدودية، بالنسبة لحزب الله وحركة أمل، هو "قرار تكتيكي لتفادي التوترات وتجنب احتمال فرض عقوبات قبل قليل من الانتخابات الأميركية". ونفى بري السياسي الشيعي المؤثر والمسؤول عن ملف الحدود أن يكون قد ذهب إلى المحادثات مدفوعا إليها تحت تأثير الضغوط، رغم أن متابعين وسياسيين لبنانيين على غرار زعيم تيار المستقبل سعد الحريري رأوا في إعلان بري تحركا باتجاه التهدئة مع الولايات المتحدة في ظل مسار العقوبات المتصاعد الذي تستهدف به مصالح الحزب وحلفائه كما مصالح داعمته إيران.
مشاركة :