تتّجه الجزائر نحو توسيع تعاونها الاقتصادي مع الشريك الصيني، الذي أضحى فاعلا أساسيا في مخطط النموذج الاقتصادي الجديد للحكومة. وترغب السلطات الجزائرية في الاستعانة بالخبرة الصينية في عدة مجالات لتنويع مصادر الدخل وتنمية المشاريع، بهدف تحقيق التحرّر التدريجي من التبعية للريع النفطي، وإيجاد بدائل أكثر استدامة من عائدات الطاقة. الجزائر – تحرص الحكومة الجزائرية على تكثيف تعاونها الاستراتيجي والاقتصادي مع الصين لتحقيق نقلة شاملة في النموذج التنموي على أسس الاستثمار في الطاقات البشرية والاستعانة بتجارب القوى الاقتصادية الكبرى وعلى رأسها الصين. وتوّجت زيارة الوفد الصيني إلى الجزائر بقيادة عضو المكتب السياسي ورئيس مكتب الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يانغ جايشي، بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتقني بين الجزائر، والوكالة الصينية للتعاون الدولي من أجل التنمية، وذلك في مقر وزارة الشؤون الخارجية بالجزائر العاصمة، وبحضور الأمين العام للوزارة شكيب رشيد قايد، ورئيس الوكالة الصينية وانغ شياوتاو. وخلال مراسيم توقيع الاتفاق، تم الإعلان عن هبة صينية بمبلغ 100 مليون يوان، ستخصّص لتمويل مشاريع التعاون بين الطرفين، لتكون بذلك الهبة الثانية التي حصلت عليها الجزائر من الصين، بعد تلك التي خصّصت لتشييد قصر المؤتمرات الدولي في غرب العاصمة بنحو 400 مليون دولار. وكانت الزيارة فرصة لتقييم مسؤولي البلدين لعلاقات التعاون القائمة بين البلدين في مختلف المجالات، وبحث فرص ترقيتها وتطويرها خاصة في المجالات الاقتصادية كالهياكل والمنشآت القاعدية والأشغال العمومية والنقل والتجارة والاستثمار، فضلا عن التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيات الحديثة. وأظهر البلدان تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة، لاسيما في مجال التضامن إثر الجائحة الصحية التي هزّت العالم، أين تبادل البلدان هبات التضامن والوفود الطبية والوسائل الوقائية من جائحة كورونا، حيث نزل بالجزائر عدة وفود صينية لتقديم خبرتها لنظرائها الجزائريين في كيفية التعاطي مع الجائحة. وذكر بيان للخارجية الجزائرية أن “اللقاءات التي جمعت بين الطرفين الجزائري والصيني، كانت فرصة لتقييم التعاون بين البلدين اللذين تربطهما علاقات صداقة تاريخية وتعاون متينة”. 100 مليون يوان هبة صينية للجزائر لتمويل مشاريع النقل والتجارة والاستثمار وأوضح أن هذه “اللقاءات شكلت للجانبين الجزائري والصيني مناسبة لتقييم التعاون بين البلدين اللذين تربطهما صداقة تاريخية وعلاقات تعاون متينة تم الارتقاء بها سنة 2014 إلى شراكة استراتيجية شاملة، فضلا عن بحث فرص تطويرها في إطار المبادرة الصينية (الحزام والطريق)، خاصة بعد انضمام الجزائر إليها في سبتمبر 2018”. واستطاعت الصين خلال السنوات الأخيرة أن تتحول إلى الشريك الاقتصادي الأول للجزائر، بعدما دحرجت الشريك التقليدي (فرنسا) إلى الخلف، وتمكنت من الاستحواذ على العديد من الاستثمارات الحكومية الهامة، على غرار شراكتها في مشروع ميناء الحمدانية بضاحية شرشال (غربي العاصمة) بتكلفة مالية قدرت بستة مليارات دولار. واستعرض الجانبان في اللقاءات التي توسعت لتشمل المسؤولين الكبار في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس عبدالمجيد تبون “سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية وعلى رأسها الهياكل والمنشآت القاعدية والأشغال العمومية والنقل والتجارة والاستثمار، فضلا عن التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيات الحديثة والتكوين المهني”. ولا يستبعد متابعون للملف، أن يكون الطرفان قد أنهيا مسألة الاستثمارات المعطلة لأسباب مختلفة، والتي كانت محل تدخل للسفير الصيني في الجزائر لدى المسؤولين المحليين في أكثر من مرة. وفيما كانت الجزائر منزعجة من عدم التزام مقاولات صينية بالمواعيد الزمنية للإنجاز، كان الطرف الصيني يشكو من تأخر ضخ المستحقات المالية، على غرار ما هو قائم في ملعب لكرة القدم بالعاصمة لم تتم أشغاله رغم مرور 12 سنة على الشروع فيها. وتعكف السلطة الجديدة في الجزائر بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، على اعتماد نموذج اقتصادي جديد، يقوم على تثمين الموارد المحلية بالتعاون مع شركائها الاقتصاديين من أجل التحرّر من تبعية النفط، ومواجهة التحديات الخطيرة التي تنتظرها في ظل تراجع أسعار النفط وتآكل رصيد النقد الأجنبي، الذي لم يعد كافيا إلا لتغطية نفقات عامين من الاستيراد على أقصى تقدير. Thumbnail وتضمّنت الخطة الاقتصادية لحكومة عبدالعزيز جراد، عدة محاور لتحقيق إنعاش اقتصادي في البلاد، بالتوجه إلى استغلال وتثمين الموارد المتاحة في الطاقة والزراعة والصناعة والمناجم والمالية، وتم في أول خطوة مراجعة النصوص التشريعية المتعلقة بالطاقة والاستثمار الأجنبي، بشكل يزيح المعوقات التي كانت تنفّر الشركاء الأجانب بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية. وتوجّهت الحكومة إلى تنظيم البحث واستغلال المناجم والمعادن الثمينة، من خلال بعث مقاولات شبابية للتنقيب عن المعادن ووقف العمل السري العشوائي في هذا المجال، فضلا عن المشروع الضخم المتعلق بمنجم “غار جبيلات” للحديد، بأقصى الجنوب الغربي، والذي ينتظر إنجازه بالتعاون مع دولة الصين أيضا، إلى جانب منجم الزنك والرصاص بواد أميزور بولاية بجاية (وسط)، ومشروع الفوسفات بالعوينات بولاية تبسة (شرق). وفي خطوة لتعزيز الإنتاج المحلي، قررت الحكومة وقف استيراد البنزين من صنف الممتاز بداية من مطلع العام الداخل، فضلا عن إعادة تقييم ومراجعة للممتلكات والإمكانيات البشرية لشركة سوناطراك النفطية، من أجل عقلنة نفقاتها غير المهمّة.
مشاركة :