الشارقة: علاء الدين محمود الاهتمام بالشعر النبطي، يعني العناية بذاكرة شعب وأمة وحضارة وثقافة، فهذا النوع من النظم يحفظ البطولات ويؤرخ الوقائع والأيام، ويحفظ اللغة والهوية والتراث، ولقد عرفت الإمارات باهتمامها بالشعر النبطي، وبرزت فيه أصوات ملأت العالم عطراً شعرياً شفيفاً يحمل روح الأصالة، واهتمت بالمهرجانات المخصصة لهذا النوع الأدبي العريق، فرعت شعراءه الذين ظلوا يتوافدون إليها، من أجل تقديم كل جديد في هذا المجال، لكن صوتاً ما ظل يغيب في صولات الشعر النبطي وجولاته، ألا وهو صوت النقد والتحليل، وهذه مسألة في غاية الأهمية، ولأنها كذلك فإن «الخليج»، قد وضعت سؤال النقد في القصيدة النبطية أمام عدد من فرسانها والمختصين في مجالها.الشاعر ماجد المنهالي، أكد عدم وجود حركة نقدية منظمة فيما يتعلق بمشهد الشعر النبطي، ولفت إلى تجربة «شاعر المليون» في مواسمه المتعاقبة، ودوره في إبراز الجانب النقدي من خلال لجنة مختصة متكونة من نقاد بخلفيات ذات معرفة كبيرة بخصائص وفنيات وأساليب الشعر الشعبي، فكان للبرنامج تأثير كبير على الذائقة، وإمكانية التعاطي مع النقد بصدر رحب، فقد رسخ لهذه الثقافة التي كانت غائبة، فالشعراء كانوا في السابق يلتقون في المجالس الأدبية، ولا يمارسون النقد ولا يتداولونه بينهم، بل يكتفون بمخاطبة بعضهم بعضاً عقب كل قصيدة بعبارة «صح لسانك»، وهي تقال على سبيل المجاملة، دون إبراز الفنيات والجماليات، ولكن الآن، كما يؤكد المنهالي، صار تقبل أكبر للنقد، وتشكلت ذائقة لدى جمهور المتلقين، وذلك الأمر أحدث نقلة نوعية في القصائد نفسها؛ وأثر ذلك على الشعراء أنفسهم وطور من ملكاتهم، وصار الناس على دراية بصورة وشكل القصيدة وتركيبها الموضوعي، فالنقد نفسه عملية فكرية أكثر من كونها فنية.وشدد المنهالي، على غياب الصوت النقدي في الصحف ووسائل الإعلام، رغم وجود الأمسيات، التي تبدو غير معنية بالجانب الفني، وتناول تجربة شخصية له خلال المشاركة في المهرجانات الخارجية، حيث تعنى وسائل الإعلام في الخارج بمسألة النقد، عقب الأمسيات الشعرية، وهي مسألة مهمة أحدثت حراكاً حقيقياً على مستوى الشعر النبطي، فالناقد هو الذي يصحح ويعدل مسار القصيدة، من زوايا التراكيب الفكرية، واللغة والأسلوب، بل وحتى الأداء المتعلق بإلقاء الشاعر.وأشار المنهالي إلى أهمية الشعر النبطي، خاصة بالنسبة لمنطقة الخليج، حيث نجد أن الأسر الحاكمة يمارس أفرادها الشعر كتابة ونظماً وتجويداً، وكذلك الأمر في الإمارات فالأب المؤسس المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان يقرض الشعر، وكذلك بقية حكام الإمارات إلى يومنا هذا، لذلك فإن مسألة النقد تكتسب أهمية كبرى، والقصور الكبير في هذا الجانب، يعود لقلة المختصين في الشعر النبطي، وحتى إن وجدوا؛ فإن طبيعة المنطقة وثقافة أبنائها تشكل عائقاً تحول دون تقبل فكرة النقد، وهو أمر يتطلب مزيداً من الاهتمام على نحو ما حدث مع برنامج «شاعر المليون»، فالنقد من شأنه أن يخلق زخماً ويصنع جمهوراً يتابع بشغف المشهد الشعري الشعبي. عصر ذهبي الشاعر عبد الله بن قصير الدرعي، أكد أن الشعر النبطي يعيش عصره الذهبي في الوقت الراهن، وذلك لعدة أسباب أهمها: أن الدولة تدعم حراك الشعر الشعبي دعماً كبيراً، والدليل على ذلك البرامج الكثيرة في الإعلام مثل «شاعر المليون»، و«البيت الشعري»، وكذلك المهرجانات المتخصصة، خاصة أيام الشارقة التراثية، ومهرجان الشارقة للشعر النبطي، ومهرجان زايد التراثي، وهناك اهتمام خاص من قبل شيوخ وحكام الإمارات بهذا الضرب الإبداعي، وهو اهتمام متوارث ويشير إلى أهمية الدور الذي يلعبه الشعر الشعبي في حياة الإماراتيين، وهذا يتطلب بالفعل أن يكون هناك اهتمام مواز على مستوى الحركة النقدية والكتابات، فلابد من التركيز على موضوعات الشعر النبطي وقضاياه وشؤونه عبر وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الصحف، وبصورة أخص صحيفة «الخليج»، لاهتمامها المتعاظم بقضية الثقافة والحراك الشعري النبطي.وأشار الدرعي، إلى مفارقة تكمن في انتشار الكتابات عن الشعر النبطي في وسائل التواصل الاجتماعي، على حساب انتشاره في الصحف الورقية ، وهو أمر يجب أن يجد اهتماماً كافياً، بما يمثله هذا النوع الإبداعي من مكانة كبيرة في حياة الناس والمجتمع، وهو ما دعا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، إلى اعتماد الشعر النبطي الإماراتي، باعتباره من تراث دولة الإمارات الشعبي، خاصة فنون «التغرودة»، و«الونة»، وهناك انتشار كبير لهذا اللون الإبداعي المحبب إلى نفوس الإماراتيين لدرجة أن المتلقي صار يعرف القصيدة صحيحة الوزن من الأخرى المكسورة في وزنها، بل وصار يعرف الشاعر الحقيقي من المتشاعر، وذلك لكثافة التداول حول الشعر النبطي في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي كون معرفة نقدية لدى الجمهور. الشاعر الناقد بدوره أشار الشاعر ربيع الزعابي، إلى أن مهمة النقد ظلت تقوم على عاتق الشاعر نفسه؛ فكانت هناك ظاهرة الشاعر الناقد، وهذه مسألة مهمة، ولكن في ذات الوقت، لابد من وجود ذلك الناقد المتخصص الذي يمتلك الأدوات، والمعرفة بالعروض الشعرية، وأشار إلى وجود مؤلفات تشرح الشعر النبطي كمؤلفات الناقد الأردني غسان الحسن، والناقد السعودي سعد الصويان، وهي كتب ذات أهمية كبيرة في هذا المجال، لكن إحداث حراك حقيقي في هذا المجال كما يؤكد الزعابي يتطلب أكثر من صوت نقدي.كما أشار إلى توافر الأصوات النقدية في السابق، خاصة في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث كان من الصعوبة نشر قصيدة نبطية في الدوريات لا تستوفي الشروط الفنية، بعكس ما يحدث الآن من اختلاط الحابل بالنابل، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يشير إلى عملية الاستسهال في نظم الشعر النبطي من قبل الشباب اليوم، رغم وجود الكثير من الإشراقات، وهذا الأمر يؤكد بالفعل على أهمية عملية النقد. مكانة اجتماعية ومن جانبه، شدد الناقد والباحث الدكتور حمد بن صراي، على ضرورة الانتباه للمنزلة الخاصة للشعر النبطي في الإمارات، فهو صاحب مكانة اجتماعية وتاريخية مهمة، وله دور أخلاقي كبير في عمليتي التنشئة والتربية، ومن الأهمية بمكان أن تتشكل حركة نقدية بصورة إيجابية، تبني ولا تهدم، ووتصحح وتوجه الشعراء والشعر النبطي. وأوضح بن صراي، أن الشعر النبطي يحتاج إلى متخصصين يتمتعون بالخبرة والمعرفة والدراية، فمن خلال الشعر النبطي يصبح بالإمكان البحث في اللهجة الإماراتية «الرمسة»، والحفاظ عليها، كما يتيح التعرف إلى الألفاظ القديمة التي وظفها الشعراء الرواد في قصائدهم، ومن الضروري برأيه أن يبحث النقد في صحة نسب القصيدة الشعرية لصاحبها الحقيقي، وأيضاً في ما يتعلق بالروايات المختلفة للقصيدة الواحدة؛ فنجد أن ذات القصيدة عند باحث، تحتوي على ألفاظ غير موجودة عند الآخر، وذلك لأن الشعر الشعبي كان يروى شفاهة، وهو الذي قاد لتعدد الروايات، فوجود حركة نقدية متخصصة سوف تقود إلى حركة بحثية جيدة.وذلك بالضرورة سوف سوف يحفظ هذا التراث وبالتالي تحفظ الذاكرة الشعبية الإماراتية، والذاكرة الخليجية، بما يمثله من قيمة عالية فهو يعد «ديوان الخليج»، لما يطلع به من دور كبير في حفظ التراث والهوية.وأوضح بن صراي أن الساحة الشعرية النبطية باتت تفتقد المجالس الأدبية التي كانت تعقد في السابق، والتي جعلت الشعر الشعبي يتغلغل داخل المجتمع، فحتى التلفزيون كان يعقد مجلساً للشعر، ولكن، ورغم ذلك، هناك الكثير من الإيجابيات، كتوافر المهرجانات المتخصصة للشعر النبطي، وكل ذلك من شأنه أن يخلق مشهداً شعرياً جيداً، ولكن لا بد في ذات الوقت من وجود حركة نقدية حتى تكتمل صورة الشعر النبطي في الإمارات.
مشاركة :