قضايا أخلاقية كبرى يثيرها الذكاء الاصطناعي | علي قاسم | صحيفة العرب

  • 10/16/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لننْسَ أفلام الخيال العلمي، الروبوتات لن تعلن الثورة على البشر، ولن تزيحهم جانبا أو تستعبدهم يوما. المشكلة التي تطرحها تكنولوجيا المعلومات اليوم، وفي مقدمتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، أبعد من نظريات المؤامرة، إنها مشكلة أخلاقية، ومشكلة تمكين للبشر بغض النظر عن البقعة الجغرافية التي يقطنون فيها، والوضع الاجتماعي الذي هم عليه. هذا هو التحدي الذي يجب أن تقدم له الحلول والإجابات. بات العالم يدرك أهمية الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، ونحن نتعامل يوميا مع تطبيقاته التي تقدم حلولا مبتكرة وتخطيطا أفضل ومشاركة أسرع للمعلومات والمعارف. وتراهن الأمم المتحدة على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها لعام 2030. حقائق نسبية احتمال أن تكون واحدا من بين مليارات يستخدمون اليوم الهاتف الذكي كبير جدا، وهذا يعني حتما أنك تتعامل مع العديد من التطبيقات، التي تضاف كل يوم إلى قائمة طويلة من التطبيقات الموجودة سلفا، تشمل كل مناحي الحياة؛ الصحية والتعليمية والبيئية والأمنية، إلى جانب اللياقة البدنية والتجارة. أو قد تكون واحدا من بين مجموعات محظوظة، تعيش في مدن ذكية تحيط بها إنترنت الأشياء. لندع جانبا ما يثار حول التهديد الذي قد يشكله الذكاء الاصطناعي، حسب البعض، على مستقبل البشرية، التهديد الذي بات جزءا من الاستهلاك اليومي. الذين يجادلون بأن الخوارزميات ستطغى على البشر وتزيحهم جانبا وتسرق منهم أعمالهم، بل قد تثور عليهم، لا تخلو مخاوفهم من الحقيقة، ولكنها حقيقة نسبية جدا. المعضلة الأساسية التي يثيرها الذكاء الاصطناعي ليست في أن “يصبح مستقلا، أو يحل محل الذكاء البشري” كما تقول أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). كلفة بناء البنية التحتية للهاتف المحمول وتكنولوجيا الاتصال في المناطق الفقيرة ضعف الكلفة بالمناطق الحضرية مع عائدات أقل بـ10 أضعاف ما يجب أن يشغلنا، حسب تأكيد أزولاي، هو “القضايا الأخلاقية الكبرى التي يثيرها الذكاء الاصطناعي”. تضعنا أزولاي في مواجهة سؤال حاسم: ما نوع المجتمع الذي نريده غدا؟ بالطبع لكل منا إجابته عن هذا السؤال؛ كأفراد ومؤسسات ودول، وتختلف الإجابة وتتنوع بناء على القناعات الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية. إذا كانت المجتمعات والدول قد خاضت صراعات وحروبا خلفت المآسي والقتلى ولا تزال حتى يومنا هذا تتسبب بالكوارث، فكيف لنا أن نتوقع الإجابة عن السؤال الذي طرحته أزولاي؟ المديرة العامة لليونسكو، اكتفت بطرح السؤال ولم تقدم الإجابة، لأنها تدرك جيدا أن الإجابة ستأتي متنوعة بحجم تنوع البشر واختلافهم. لذلك تابعت وطرحت مجموعة مفصلة من الأسئلة. فجوة رقمية بيئة لا تشجع على جذب الاستثمارات بيئة لا تشجع على جذب الاستثمارات كيف يمكننا التأكد من أن الخوارزميات لن تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات إلى حرية الاختيار وحرية الضمير؟ هل يمكن ضمان حرية التصرف عندما تكون رغباتنا متوقعة وموجهة؟ كيف يمكننا ضمان عدم تكرار الصور النمطية الاجتماعية والثقافية في برامج الذكاء الاصطناعي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتمييز بين الجنسين؟ هل يمكن برمجة القيم، وبواسطة من؟ كيف يمكننا ضمان المساءلة عندما تكون القرارات والإجراءات مؤتمتة بالكامل؟ هناك أيضا الفجوة الرقمية التي تعتبر أمرا واقعا، وتتطلب جهدا كبيرا من الحكومات للعمل على ردمها، للتأكد من عدم حرمان أي شخص، أينما كان في العالم، من فوائد هذه التقنيات. وهل يمكن تحقيق ذلك عمليا؟ خلال العقود الثلاثة الماضية تقدمت تكنولوجيا المعلومات بوتيرة مذهلة، إلا أن هذا التقدم لم يواكبه بالضرورة نفس المستوى من التقدم في النفاذ إلى الإنترنت. نانجيرا سامبولي، مديرة السياسات العليا في مؤسسة الشبكة العالمية للإنترنت، تؤكد أن “تقدم تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، بوتيرة مذهلة، لم يسهل الوصول إلى الإنترنت”، وخاصة عبر شبكة الويب العالمية، رغم أن النفاذ إلى الإنترنت هو العنصر الأكثر أهمية لإطلاق إمكانات التقنيات الجديدة، كما جاء في أهداف التنمية المستدامة، التي أكدت على أهمية الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في هذا الخصوص. كيف يمكننا التأكد من أن الخوارزميات لن تنتهك حقوق الإنسان الأساسية بدءًا من الخصوصية وسرية البيانات وصولا إلى حرية الاختيار وحرية الضمير؟ إن الغاية من الهدف التاسع، كما ورد في قائمة أهداف التنمية المستدامة، هو الوصول الشامل إلى تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، لاسيما في أقل البلدان نمواً، بحلول عام 2020. هل تحقق ذلك؟ مع الأسف لم يتحقق. ورغم أن وباء كورونا، الذي بدأ في الانتشار مطلع عام 2020، سلط الضوء على أهمية التكنولوجيا الرقمية في مكافحة الوباء، إلا أنه كان أيضا عامل عرقلة لتحقيق الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة. الأرقام التي لدينا تؤكد أن نصف سكان العالم فقط كانوا خلال عام 2019 على اتصال بالإنترنت، أي أن حوالي 3.9 مليار شخص ما زالوا خارج مملكة الإنترنت، تعيش أغلبيتهم الساحقة في جنوب الكرة الأرضية، و2 مليار منهم من النساء. ويعيش تسعة من كل عشرة شباب، ممن لا يجدون فرصة للنفاذ إلى الإنترنت، في أفريقيا أو مناطق في آسيا والمحيط الهادئ. وبحلول عام 2020 تم ربط 16 في المئة فقط من أفقر دول العالم، و53 في المئة من العالم بأسره بالإنترنت، وفقًا لأرقام صادرة عن “التحالف من أجل إنترنت بأسعار معقولة”. وحسب التحالف فإن تأثير هذا التأخير في الاتصال “قوّض التنمية العالمية في جميع المجالات، مما ساهم في ضياع فرص النمو الاقتصادي ومنع مئات الملايين من الوصول إلى التعليم عبر الإنترنت والخدمات الصحية والصوت السياسي وغير ذلك الكثير”. أودري أزولاي: ما يشغلنا هو القضايا الأخلاقية التي يثيرها الذكاء الاصطناعي أودري أزولاي: ما يشغلنا هو القضايا الأخلاقية التي يثيرها الذكاء الاصطناعي رأس المال جبان لم يعد الكومبيوتر الأداة الأهم في النفاذ إلى الإنترنت اليوم، بل الهواتف الذكية هي نقطة الدخول إلى الاقتصاد الرقمي، وهي “واحدة من أكثر التكنولوجيات بعيدة المدى في التاريخ”. و”في الوقت الذي تنتشر فيه الاتصالات المتنقلة بسرعة، فإنها لا تنتشر بالتساوي”، كما تشير الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، وهي جمعية تمثل مصالح مشغلي شبكات الهاتف المحمول في جميع أنحاء العالم. وتتبع التباينات في الوصول إلى الهواتف المحمولة والإنترنت واستخدامها الفجوات الحضرية والريفية والجنسانية والجغرافية. المناطق الريفية لا تشكل أية جاذبية بالنسبة إلى الشركات العملاقة، التي تعتبر الاستثمار في تلك المناطق غير مُجدٍ؛ وكمثال على ذلك، تشير الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول إلى أن “كلفة بناء وتشغيل البنية التحتية للهاتف المحمول في تلك المناطق هي ضعف التكلفة مقارنة بالمناطق الحضرية، مع عائدات تقل عن مثيلاتها في المناطق الحضرية بمقدار 10 أضعاف”. “رأس المال جبان” كما يقال، ومن شأن ذلك أن يثبط عزيمة مقدمي خدمات الاتصالات ويقلل من رغبتهم في إعطاء الأولوية لهذه المناطق التي يتم تركها متخلفة عن الركب على جبهات البنية التحتية ودروب التنمية الأخرى. لا تقتصر الفجوة الرقمية على المناطق الجغرافية؛ فقد بين تقييم أخير، صادر عن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، للفجوة بين الجنسين في ما يتعلق بالهواتف المحمولة، أن “النساء في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، في المتوسط، أقل بنسبة 10 في المئة من الرجال من حيث امتلاك هاتف محمول”، وهو ما يترجم إلى 184 مليون امرأة لا يمتلكن هواتف محمولة ويمثلن الفجوة بين عدد اللاتي يمتلكن هذه الهواتف وعدد نظرائهن من الرجال. حتى في الحالات التي امتلكت فيها النساء هواتف محمولة، “تبقى الفجوة كبيرة على مستوى الاستخدام، خاصة بالنسبة إلى المزيد من الخدمات التحويلية، مثل خاصية استخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول”. وأكثر من 1.2 مليار امرأة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لا يستخدمن الإنترنت عبر الهاتف المحمول. فالنساء، في المتوسط، “26 في المئة أقل احتمالاً لاستخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول من الرجال”. حتى لو افترضنا أن النفاذ إلى الإنترنت تحقق بالتساوي بين البشر، تتساءل أزولاي “كيف يمكننا ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة شفافة بحيث يكون للمواطنين، الذين تتأثر حياتهم به، رأي في تطويره؟”. للإجابة عن هذا السؤال، والأسئلة الأخرى التي طرحتها أزولاي، “يجب أن نميز بين الآثار المباشرة للذكاء الاصطناعي على مجتمعاتنا، عواقبه التي نشعر بها بالفعل، وبين تداعياته على المدى الطويل”. وهذا يتطلب أن نشكل بشكل جماعي رؤية وخطة عمل إستراتيجية، أو كما تقترح أزولاي “إقامة حوار عالمي حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تحت إشراف منظمة اليونسكو”. يضمن استخدام التكنولوجيات الجديدة، خاصة تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي، مصالح المجتمعات وتنميتها المستدامة، لذلك يجب أن تنظم تطورات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بحيث تتوافق مع الحقوق الأساسية التي تشكل الأفق الديمقراطي وتحترم حقوق الإنسان.

مشاركة :